fbpx

الصين – إيران استسلام أم مواجهة

0 183

يدور الحديث إعلامياً حول معاهدة شراكة استراتيجية بين الصين – وإيران تمتد لـ 25 عاماً، يتراوح بين الانتقاد أحياناً والمديح أحياناً أخرى داخل وخارج إيران، على الرغم من سرية بنود المعاهدة حتى الآن. حيث يندرج الجدل المثار اليوم حول المعاهدة ضمن باب الجدل الاستباقي، المتوخي الحذر والقلق وربما الرعب من بنود هذه الاتفاقية، وهو ما يطال أنصار النظام الإيراني كما يطال معارضيه داخل وخارج إيران. فمن ناحية يخشى أنصار النظام الإيراني من توغل صيني في الداخل الإيراني يصل لدرجة السيطرة الكاملة على البلاد وخيراتها اقتصادياً وربما عسكرياً، في حين يخشى معارضوه داخل وخارج إيران من قدرة الاتفاقية على كسر القيود والحظر الأمريكي المفروض على طهران، ما قد ينعكس سلباً على المنطقة العربية عبر مزيد من التوغل الإيراني.

لذا وحتى الإعلان الصريح والكامل عن بنود الاتفاقية، أو على الأقل حتى تسريبها من قبل وسائل إعلامية محسوبة على النظام الحاكم في الصين أو نظيره في إيران، يصعب تفنيد الاتفاقية وسبر انعكاساتها على طرفيها وعلى منطقتنا العربية وربما على المستوى العالمي كذلك. لكن وبعيداً عن هذه البنود المهمة يمكن تلمس بعض سمات الاتفاقية سياسياً وفق زمن توقيعها؛ على فرض عدم توقيعها حتى اللحظة؛ إذ يصعب حتى الآن التيقن من توقيع أو عدم توقيع المعاهدة المذكورة، بحكم التستر الإيراني والصيني على ذلك. وهو ما يفتح الباب لاحتمالين اثنين، يتمثل الأول في كونها؛ أي المعاهدة؛ مناورة سياسية إيرانية وربما صينية تهدف إلى شراء مزيد من الوقت حتى معرفة مستقبل الرئيس الأمريكي ترامب، وبالتالي استقراء مدى جدية الدوائر الأمريكية في المضي بذات النهج الترامبي، بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية المزمع عقدها في نوفمبر القادم، بالتوازي مع كونها وسيلة ضغط سياسية وإعلامية على دول الاتحاد الأوروبي، لدفعهم نحو اتخاذ موقف واضح وصريح يعاكس التوجهات الأمريكية الراهنة تجاه الصين وإيران. وهو ما سينعكس من خلال مماطلة صينية/إيرانية تؤجل توقيع الاتفاقية إلى بداية العام المقبل إن كان هذا هدفها الوحيد.

بينما يعبر الاحتمال الثاني عن مسارعة صينية/إيرانية لتوقيع الاتفاقية في غضون أسابيع قليلة قد لا تتجاوز الشهر الواحد، وهو بمثابة تغيير استراتيجي واضح في كلا البلدين المعنيين، يعبر عن طوي صفحة مساعيهما للتوافق مع أمريكا وربما مع دول الاتحاد الأوروبي. وهي مغامرة كبيرة قد تكسبهما قوة إضافية وازنة، بقدر ما قد تنعكس عليهما وبالاً ودماراً. فتوقيع الاتفاقية اليوم أو في القريب العاجل تصعيد واضح في المواجهة مع الولايات المتحدة من ناحية، ومع الاتحاد الأوروبي من ناحية ثانية، لاسيما بعد العجز الأوروبي عن حماية الاتفاق النووي مع إيران، وبعد التصعيد الأوروبي تجاه الاستثمارات الصينية في دوله مؤخراً. وهو ما يفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات المشروعة، عن مكاسب البلدين من المعاهدة، وعن أهميتها وقدرتها على تعويض العلاقة الاقتصادية والسياسية مع دول الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل الحد منها، لكنني لن أتطرق لها الآن.

حيث تفتح المعاهدة الباب أمام الصين لولوج منطقتنا من بوابة مهمة وكبيرة، فمن الواضح من متابعة تصريحات حلفاء؛ أو بالأصح أتباع؛ إيران في المنطقة مؤخراً، أنها تتجاوز حدود إيران الجغرافية، كي تطال حدودها اللوجستية؛ جميع مناطق سيطرتها وتوغلها؛ كالعراق ولبنان وسورية وربما اليمن. بل وقد تدفع بعض المقربين من إيران نحو السير على خطاها كبعض الدول الخليجية وربما تركيا، كما سوف تعزز العلاقات والتنسيق والمصالح الروسية/الصينية. أي وبمحصلة كلية فهي؛ أي المعاهدة؛ تفرض الصين كلاعب إقليمي في المنطقة، وتعزز من قوتها الناعمة وربما الخشنة أيضاً.

في المقابل تنهي المعاهدة جميع أو غالبية تبعات الحصار الأمريكي؛ بالأصح العالمي؛ المباشرة على طهران، من خلال إنعاش اقتصادها المتهاوي، عبر تصريف كامل إنتاجها النفطي أو غالبيته. وتزويد الأسواق الإيرانية المحلية بمختلف احتياجاتها اليومية وربما الأساسية والتقنية، عبر استبدال منتجات إيران النفطية بالسلع والبضائع الصينية، وربما بعقود طويلة الأجل أيضاً. وهو ما يجعل الكثير من أنصار النظام الإيراني متوجسين من المعاهدة التي قد تصل لحد استحواذ صيني على إيران، ومقدراتها النفطية وغير النفطية، وصولاً إلى تحكم صيني مطلق بحدود إيران البرية والجوية والبحرية، بذريعة تطوير البنية التحتية الإيرانية كي تتناسب مع حجم التبادل الاقتصادي المتوقع بعد المعاهدة. والأهم أو الأخطر تخضع إيران لسيطرة صينية أمنية وعسكرية مباشرة كما أوحت بذلك بعض التسريبات الإعلامية، لحماية المصالح الصينية داخل إيران، كالمنشآت والاستثمارات الصينية المتوقعة، ومن أجل ضمان سلامة خطوط التوريد النفطية، وربما تطوير منظومة إيران الأمنية، التي قد تتعرض بعد المعاهدة إلى المزيد من التهديدات الخارجية، وبالذات الأمريكية والصهيونية. لاسيما بعد تواتر التفجيرات في المنشآت الإيرانية الحيوية مؤخراً، دون الكشف عن الجهة المنفذة لها، سواء داخلياً أو خارجياً، ما يفتح باب التكهن على اعتبارها شراً لابد منه من أجل تسويق اتفاق أمني إيراني/صيني قريباً.

أي تعبر المعاهدة عن ضعف إيراني بالحد الأدنى، وهو ما يدفعها للارتماء في الحضن الصيني أو على الأقل إلى التلويح بذلك، من أجل النجاح في كسر الحصار والعقوبات الأمريكية، لكنه نجاح خادع ذو تبعات سلبية على نمو وتطور الاقتصاد الإيراني، وبالتالي على قوة المواطن الإيراني الشرائية الضعيفة أصلاً، فضلاً عن انعكاسه على دور إيران الإقليمي، إذ غالباً ما سوف تتحول إيران والمليشيات التابعة لها إلى ورقة بيد التنين الصيني. وبالتالي فالمعاهدة تعبير عن فشل الاستراتيجية الإيرانية السابقة، أو على أقل تعبير عن عجز إيران ومحدودية قدراتها على مواجهة الصعاب والأزمات التي خلقتها لنفسها إقليمياً ودولياً. إلا أنها لا تعني تقويض إيران وكبح تأثيراتها السلبية تجاه منطقتنا العربية، نتيجة الوضع العربي الرث أولاً، وبحكم الرغبة الصينية في الاستفادة من هذه التوترات ومن قدرات إيران الإقليمية، بما يمكنها من فرض نفسها كلاعب قوي وحاسم ورئيسي في شؤون المنطقة. وهو ما قد يدفع أمريكا إلى مراجعة استراتيجيتها الانكفائية تجاه المنطقة، كما قد يدفع الاتحاد الأوروبي ولاسيما فرنسا وألمانيا إلى طوي صفحة ترددهم، والمبادرة إلى فرض سيطرتهم ومصالحهم في المنطقة بغض النظر عن الدعم والقرار الأمريكي المتحكم بسياساتهم الخارجية حتى اللحظة، كما نرى اليوم من عودة فرنسا للتدخل في الساحة اللبنانية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني