fbpx

الصراع على ولاية قائد الجيش، وحيثيات خسارة حزب الله للمعركة!

0 82

صادق مجلس النواب اللبناني في جلسة يوم الجمعة، 15 ديسمبر الجاري، على مشروع قانون يسمح بتمديد ولاية قائد الجيش اللبناني جوزف عون لعام كامل، وقد كان من المقرر أن يغادر منصبه في 10 كانون الثاني/يناير 2024.

لقد جاء التمديد في إطار قرار تمديد ولاية جميع كبار المسؤولين في قيادة الجيش، وقادة الأجهزة الأمنية، وأثار تساؤلات عديدة حول الأسباب التي سمحت بهذا الاختراق الهام في ظل العجز الذي أظهره مجلس النواب منذ الانتخابات الأخيرة (مايو 2022) عن إقرار القوانين الضرورية لعمل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الحاجة الملحة إلى الاتفاق على تعيين رئيس جديد للبلاد؛ ولبنان بلا رئيس منذ أكثر من عام!

من حيث الشكل، يأتي القرار على خلفية استمرار اشتباك الحزب مع جيش الاحتلال، وقد حصل بفضل تعاون جميع الأطراف السياسية، خاصة جبهة “معارضي” حزب الله، تعبيرا عن مصلحة مشتركة في استمرار عمل الجيش اللبناني في هذا الوقت الذي يتعرض فيه لبنان لتهديدات إسرائيلية خطيرة، تثير مخاوف الجميع من عواقب تورّط الحزب في حرب شاملة على الجبهة الإسرائيلية الشمالية، وقد انحاز لصف “قوى المعارضة” شريك الحزب، رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل، الأستاذ نبيه بري، وامتنع حزب الله نفسه عن التعبير علناً عن موقفه ولم يعمل على نسف القرار، لكنه أوعز إلى أعضاء البرلمان نيابة عنه بالتغيّب عن جلسة التصويت.

إضافة إلى ذلك، كان للجهود الدولية، الساعية لوقف القتال في الجنوب، عبر إعطاء الجيش دوراً مركزياً في حفظ الأمن، الفضل في توحيد الصف الوطني المؤيّد للتمديد. فثمّة رغبة كبيرة ومصلحة واسعة في تجنّب الحرب، و إعطاء فرصة للجهود السياسية الدبلوماسية التي تبذلها قوى إقليمية ودولية لوضع حد لقواعد الاشتباك القائمة حاليا بين قوات الحزب والجيش الإسرائيلي، والوصول إلى تسوية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يتضمّن إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل ونشر قوات أممية بديلة من اليونيفيل، وما يوجّبه من ضرورة أن يلعب الجيش اللبناني دوراً مركزياً في تنفيذ خطوات التسوية.

الأهمية الواضحة للجيش اللبناني في حفظ حالة الاستقرار القائمة في الحرب الداخلية الباردة على السلطة، رغم الانتقادات الواسعة لعدم قدرته، وربما أيضاً رغبته في مواجهة حزب الله، إضافة إلى طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه في لعبة الاشتباك على الحدود الجنوبية، وتخفيف مخاطر استمرار الهجمات الإسرائيلية “الانتقامية”، هي أسباب واقعية، وحّدت مصالح قوى سياسية مختلفة حول هدف التمديد، لكنّها في رأيي لا تبيّن جميع جوانب المشهد.
يبدو لي أنّه ثمّة جانب مهم، تغفله وسائل الإعلام، ويرتبط بالمصلحة والدور الأمريكي، المتقاطع مع المصالح الإسرائيلية، حول هدف التمديد لقائد الجيش.

تاريخيا، يمثّل الجيش اللبناني، كما معظم قادة الأجهزة الأمنية، أداة استمرار النفوذ الأمريكي، ويحصل الجميع على مساعدات كبيرة، تساعدها في الاستمرار في هذا الدور، وفي وظيفتها اللبنانية القائمة على حفظ الاستقرار في إطار لعبة تشارك الحكم مع حزب الله التي وضعت قوانينها صفقة الطائف 1989. هذا العامل الأمريكي، وما بذله واشنطن من جهود لتوحيد موقف قوى المعارضة مع الأستاذ نبيه بري، يفسّر بشكل رئيسي ما حصل من توافق داخل البرلمان، سمح بخسارة حزب الله لمعركة قائد الجيش.

على أيّة حال، هي خسارة مؤقّته، وجّبتها عوامل داخلية وخارجية، تقاطعت حول المصلحة في عدم انتشار الصراع على غزة إقليميا، لكنّها ليست نهاية المطاف. فحزب الله، الذي يضع يده على الزناد في مواجهة مخاطر السياسات والخطط الإسرائيلية المعادية، لايغيب بصره لحظة واحدة عن هدف التحكّم بقيادة الجيش، المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي ما تزال تستعصي على جهود إحكام هيمنته المباشرة الشاملة على السلطة اللبنانية – المستمرة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني