الشمال السوري بين سندان كورونا والتهديد باجتياح عسكري
مع تسارع انتشار وباء فيروس كورونا، وانشغال المجتمع الدولي بالسعي من أجل إيجاد علاج فعال يمكنه التصدي لذلك الفيروس القاتل، والحد من الإصابات وحالات الوفيات التي تخطت في مجملها عدة آلاف من البشر، تجاهل أو نسي الجميع اللاجئين السوريين في إدلب، الذين يعانون أشد المعاناة جرّاء تردي أوضاعهم المعيشية، وغياب الكثير من العناصر الأساسية للحياة، ناهيك عن انعدام الرعاية الصحية التي يحتاجونها في الظروف الطبيعية والعادية، وليس في الأوقات الاستثنائية، كتلك التي يمر بها العالم اليوم نتيجة ذلك الوباء الذي يهدد البشرية بالفناء.
لم يتساءل أحد كيف يمكن لهؤلاء اللاجئين المعدمين مواجهة هذا الفيروس القاتل، الذي روّع المجتمعات الأوربية والغربية، بكل إمكاناتها وقدراتها العلمية والتقنية والمالية، والتي فشلت فشلاً ذريعاً بالرغم من ذلك في التصدي له، ووقف انتشاره، ومنعه من قبض أرواح مواطنيها، فما بالنا بهؤلاء القابعين تحت أسقف صُنعت من أقمشة الخيام، التي تعجز عن توفير الحماية اللازمة لهم لاتقاء برد الشتاء وحر الصيف، كيف يمكن لهؤلاء مواجهة هذا الوباء!!!
كل زعماء العالم ركزوا جل اهتمامهم على مواطنيهم، ووظفوا إمكانيات دولهم كافةً العلمية والمالية من أجل التخفيف من حدة خسائرهم البشرية والاقتصادية، وتجاهلوا هؤلاء الذين يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء.
وفي خضم التجاهل الدولي وزيادة حجم المعاناة الإنسانية، يخشى اللاجئون من انهيار الهدنة التي توصلت إليها كل من تركيا وروسيا مؤخراً، وقيام النظام السوري بتنفيذ تهديداته والعودة إلى عملياته العسكرية المكثفة، وتوجيه ضرباته للجيش السوري الحر، بغرض فرض سيطرته على إدلب وفتح طريق حلب – دمشق، والاستحواذ على آخر معاقل ومناطق نفوذ المعارضة السورية، ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، مستغلاً انشغال الدول الفاعلة في الملف السوري بمكافحة وباء كورونا الذي يجتاح الكرة الأرضية، إلى جانب ضعف الموقف الأمريكي الذي يعاني جرّاء أزمات متعددة تتمثل في التهديدين العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني، وهو ما ينتقص من مكانة واشنطن كقوة عظمى.
أربعة ملايين سوري بينهم 3 مليون لاجئ داخل محافظة إدلب، يعيشون في قلق بالغ خوفاً من اندلاع المعارك مرة أخرى، فيما يعانون من أوضاع معيشية يلفها البؤس والعوز والمرض، حيث يقطن معظمهم داخل الخيام وتعيش أكثر من عائلة داخل الخيمة الواحدة. كثافة سكانية من شأنها تهديد حياة الآلاف منهم، والمساعدة على انتشار فيروس كورونا، ناهيك عن انعدام مصادر المياه النقية، وغياب البيئة المعيشية النظيفة، الأمر الذي يمنح الفرصة كاملة لتفشي الفيروسات المختلفة، وانتشار الأوبئة بين الكثيرين منهم.
أضف إلى ذلك قلة المراكز العلاجية، والعيادات الطبية والمستشفيات، ومعامل التحاليل الطبية نتيجة عمليات القصف الصاروخي المستمر للطيران التابع للنظام السوري وحليفته روسيا، خصوصاً تلك العمليات التي تمت خلال الهجمات العسكرية الأخيرة على المنطقة وتسببت في إحداث انهيار وشلل شبه تام في المنظومة الصحية في مناطق الشمال السوري، والتي يُخشى من تجددها إذا ما انهارت الهدنة الحالية التي توصف بالهشّة.
ووفقاً للمعلومات التي نشرتها منظمات غير حكومية عاملة في إدلب، فإن المحافظة المنكوبة تعاني من غياب تام للإمدادات والمعدات الطبية التي تساعد في مواجهة انتشار هذا الفايروس القاتل حال ظهوره أو الإعلان عنه رسمياً
فيما أكد عدد من هؤلاء العاملين رؤيتهم للكثير من المرضى الذين يعانون فعلياً من أعراض كورونا، إلا أن عدم وجود مختبرات مجهزة بمعدات طبية، جعلت من الصعوبة بمكان الوقوف على حقيقة المرض الذي يعانون منه للتمكن من مساعدتهم.
ومع شح المساعدات الغذائية التي تصل إلى المنطقة المكتظة بملايين اللاجئين، وبسبب عدم قدرة الأشخاص على تلبية احتياجاتهم المالية ونقص موارد سبل العيش، يضطر الأشخاص القادرين على العمل، على اختلاف أعمارهم، إلى الخروج طلباً للرزق لسد رمقهم ومن يعيلون من النساء والأطفال والشيوخ، الأمر الذي من شأنه المساهمة في انفجار الموقف حال البدء في اكتشاف إصابات فعلية بينهم.
ورغم ما أبدته الأمم المتحدة من قلق عميق حيال التأثير المحتمل لفايروس كورونا على حياة حوالي مليون لاجئ سوري على الأقل من المقيمين في إدلب، إلا أن حجم الموازنة التي أقرتها وخصصتها لمواجهة وباء كورونا في المناطق المحررة في الشمال السوري قدرت بحوالي 6 مليون دولار، وهي موازنة لا تغطي بأي حال من الأحوال أكثر من 10% من الاحتياجات الفعلية للاجئين، الأمر الذي يعني قدرتها على توفير الحماية المطلوبة لحياة 10% فقط من الأربعة ملايين لاجئ، أي ما يعادل 400 ألف شخص فقط لا غير، وليس المليون الذي أعربت المنظمة الأممية عن قلقها على حياتهم على الأقل.
وتزداد صعوبة التعرف على الحالات المصابة بالفيروس وعزلها، نتيجة تردي أوضاع هؤلاء الاقتصادية، واستمرار العجز الذي تعاني منه حكومة المعارضة السورية المؤقتة التي أعلنت عن وجود 60 سريراً بحوزتها داخل 3 مستشفيات تابعة لها، وتخصيصها لمصابي فيروس كورونا المحتملين، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بعدد السكان. إلى جانب النقص الشديد في المرافق والمعدات اللازمة لتقديم الرعاية الطبية الضرورية، ومحدودية القدرة على إجراء التحاليل الضرورية والقيام بالتشخيص اللازم لتحديد الإصابات، وهو ما يعني تلقائياً زيادة خطر انتقال العدوى بين اللاجئين، وعدم القدرة على تحجيم انتشار الفايروس.
ورغم ما قدمته منظمة الصحة العالمية مؤخراً من إمدادات دوائية وعلاجية ومعدات وأجهزة تحليل وأشعة، سيكون من الصعوبة بمكان منع انفجار الموقف، والحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية لا يعلم مداها إلا رب العالمين، في ظل تجاهل المجتمع الدولي لتردي أوضاع اللاجئين الاقتصادية، وغياب البيئة الصحية، وقلة الإمكانات الطبية، واستمرار المخاوف من عودة أزيز الطائرات العسكرية التي تخترق سكون السماء، وأصوات طلقات المدفعية التي لا تعرف معنى للرحمة ولا لمنظومة القيم الإنسانية.