fbpx

الشعر والمناسبة

0 215

ثمة الكثير مما يقال عن علاقة الشعر بالمناسبة، ولاسيما في ظل سيادة المفاهيم النقدية الحديثة، حيث يرى هؤلاء، أن التخطيط للقصيدة يعني زجّها في مهمة قسرية، ويسلبها الكثير من عناصرها العفوية التي تجد طريقها عبر أقنوم لاوعي الشاعر إلى فضاء النص، عادة، وهو ما يجعلها – في نظر هؤلاء – فاقدة لعنصر براءتها الأولى التي لابد منها.

وبعيداً عن تقويم مثل هذه الآراء والمفاهيم الجديدة التي وجدت طريقها إلى النقد الحديث، فإن هناك على الدوام استثناءات كثيرة، في حياة الشاعر، لا يمكنه – لقرب المناسبة من روحه –التخلص من سطوتها، بل لابد من تناولها، مادام الشعر – في المقابل – لسان لحظة الشاعر وحلمه، وهو من حقه الطبيعي على أي حال.

لقد عدّ النقاد – قديماً وحديثاً – شعر المناسبات ضرباً أقلّ شأناً من الأشكال الأخرى التي أبدعها الشعراء، وإن كنا نجد في مثل هذه النصوص وثائق مهمة، عن الحياة العامة، في كل عصر على حدة، خارج لحظتها الجمالية، بل إن بعضاً منها يستحوذ جمال المعنى والمبنى، في آن واحد، حتى وإن كنا أمام قصائد اليوميات التي قد يستوي في ميزانها، ما يكتب في مجال الرثاء أو المديح – في إطاريهما المناسباتي – حيث نقع على قصائد في مجال الرثاء – مثلاً – تمتلك مصداقيتها العالية، كما نقع في نصوص المديح على إلماعات فنية، عالية، سواء أكان ذلك على صعيد اللغة، أو الصور، أو الأخيلة، وإن كان الشعر أعذبه أكذبه، في نهاية المطاف.

والشاعر، أياً كان، له حياته الخاصة، فهو يغتبط أمام ولادة جديدة، ويستعر قلبه ألماً وكمداً، في حضرة موت قريب، أو صديق، تتعرض روحه لأثر مثل هذه الصدمات الكبيرة، وقد يكون الهول أبلغ، عندما تحصد روح هذا الشخص رصاصة، أو يتعرض للنطع،  والغدر، فإن الشاعر لابدّ من أن تكون له كلمته في مثل هذا المقام، إذ ليس معقولاً أن تتعامى القصيدة عن ألم ذي وتيرة عالية، من هذا الطراز، بينما يزجّ بها بعضهم لتكون لسان حال صاحبها، في قضايا سطحية، أقل شأناً، من دون أن تسجل أية ملاحظة على هذا الطراز من الكتابات التي لها حقها في الظهور.

أجل، لا يمكن لأحد أن يضع حدوداً للشاعر، لمنعه من التعبير عما يجيش في نفسه، من مشاعر، وأحاسيس، وانفعالات، ومواقف، ليعكسها في قصيدته، هذه القصيدة التي إن لم تخلص لعالم الشاعر الداخلي، فهي لن تكون مخلصة – البتّة – لعوالم سواه، في ظل توفر الصدق، والإخلاص مع الذات والعالم.

إن الشاعر ابن بيئته، ومجتمعه، وله شبكة علاقاته الخاصة، التي لا يفتأ يجسدها في إبداعه-أنى أراد-أو أنى فرضت القصيدة نفسها، على اعتبار أن القصيدة هي التي تكتب ذاتها، وإن الشاعر ليس سوى ناقل لها، أو معبر عنها، أو وسيلة، تتمكن من خلاله، أن تكتب لنفسها الحياة.

ومن هنا، فإن إقصاء القصيدة عن بعض خصوصيات الشاعر، وإبعادها عن نطاق علاقاته مع من حوله، ينطويان على نوع من العسف على حرية الشاعر، وفيهما تقليص لإرادته، وتدخل فظ في العلاقة بينه وعالمه الإبداعي، مادام أنه يكتب، بعيداً عن وطأة أية منفعة مرذولة، ومن دون تكلف أو صنعة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني