fbpx

السياسي والطائفي في مبادرة معاذ الخطيب!

0 120

مبادرة جديدة يُطلقها الشيخ معاذ الخطيب، لا تبدو مختلفة من حيث الأهداف السياسية والأدوات عن مبادرته الأولى عام 2013، رغم ما صنعه مسار الخيار الحربي من وقائع جديدة، وما تكشف من حقائق في طبيعة الصراع ومواقف أطرافه[1].

في 2013، عندما كان يشغل منصب رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، اقترح السيد الخطيب، في إطار مبادرة سلام[2]، أن يقود بنفسه حوارا بين النظام والمعارضة، يستثني الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين (تعبير عام مضلل!.) وقد حاور في إطاره حلفاء النظام الايراني وروسيا، وأوصل رسائل إيجابية مباشرة للنظام، وحصل على موافقة الولايات المتحدة لكنه قدم استقالته بسبب عدم اهتمام القوى الفاعلة، ورفض زملائه في قيادة الائتلاف؛ الذين اعتقدوا أن في مبادرته انتهاك لأحد أهم ثوابت الثورة، التي ترفض الحوار إلا في سياق تحقيق الانتقال السياسي كهدف مركزي – هذا على الأقل ما توقعته قيادة المجلس الوطني السوري ورئيسه برهان غليون، وتوهمَه جمهور الثورة، والمندوب الأممي، الراحل كوفي أنان الذي اضطر لتقديم استقالته، بعد أن أدرك عجز آليات التنفيذ عن فرض ما تدعو اليه البيانات الأممية![3].

يتضمن خطاب السيد معاذ الخطيب، الذي أتى في إطار المبادرة الجديدة التي أطلقها في مطلع كانون الأول، تحت عنوان سوريا تحتضر… بدنا حل، موضوعين رئيسيين، مبادرة لإيجاد حل سياسي وطني للصراع المستمر منذ 2011، ورسالة توضيح حقيقة الصراعات الطائفية وطمأنة العلويين!.

أولاً: مبادرة، لإيجاد حل سياسي

أحاول في هذا القسم الإجابة على بضعة تساؤلات، ترتبط بالجديد الذي أتت به مبادرة الخطيب الثانية، وموقعها من المبادرات المطروحة – مسارات جنيف وآستنة – وطبيعة وسائل وإمكانات تحقيقها في ظل حقائق الصراع الراهنة.

الجديد الواضح في أطروحة السيد معاذ أحمد الخطيب هو عدم وضع شروط مسبقة، واعتقاده بإمكانية وواقعية أن تقود سلطة النظام مشروع إنقاذ وطني؛ وهو بذلك لا يخرج عن سياق مسار جنيف وما يدعو إليه القرار 2254، وما تسعى اللجنة الدستورية لتحقيقه، (رغم عدم إدراكه لهذه الحقيقة؛ عندما عبر عن غضبه على المشاركين في مسار جنيف واللجنة الدستورية 4)، لكنه يتناقض مع أهداف ومخرجات التسوية السياسية التي يجري العمل على تنفيذها منذ 2015، في سياق مشروع آستنة، في مساريه الحربي والسياسي[4]، بما يؤشر لما يمكن أن تؤدي إليه المبادرة، في توافقها مع أهداف مسار جنيف الخلبي الفاشل، كما يعترف السيد معاذ بنفسه[5]، وتناقضها مع الحقائق التي صنعها مسار آستنة؟!.

انطلاقاً من مقدمات موضوعية لواقع الحال السوري المزري، الذي يدركه ويعترف به الجميع في الحكومة ومعارضاتها[6]، وبغض النظر عن أسبابه[7]، يعتقد الشيخ معاذ أنه لابد أن نبحث عن ضوء في نهاية النفق وأننا نحتاج إلى حل.

صحيح أنه يحمل النظام مسؤولية تحول الصراع السياسي إلى حرب أهلية وإقليمية، والحالة التي وصلت إليها سورية، وصحيح أنه يتمنى أن تبتعد كل الأطراف التي شاركت بوصول سوريا إلى هذه المرحلة، من النظام والمعارضة، وأن الشعب السوري ليس عقيماً، وهناك الآلاف من خيرة الناس يمكن أن يكونوا بداية لمشروع وطني، لإنقاذ سوريا، لكنه لا يطالب بشرط التنحي، بل لا يمانع بأن يقود الرئيس حكومة تضم جميع الكفاءات السورية، بغض النظر عن انتماءاتها الدينية أو المذهبية أو العرقية، دون أن تمثل أياً من النظام أو المعارضة، وتلقى دعماً من الأطراف المحلية والدولية، بهدف إنقاذ الشعب والبلاد!.

ثم يضيف، موضحاً أدوات وقوى تحقيق مشروعه:

أقترح أن يكون هناك مجموعة من التكنوقراط الذين يديرون البلد، وتدعمهم كل الأطراف بمن فيهم أنت، ولا يغير من طبيعة أدوات تحقيق مشروعه الوطني ما يشترطه لقيادة الرئيس حكومة تكنوقراط، أو ما يعتقده بإمكانية الاستقالة، بعد إنجاز المهمة:

إذا كنت تريد حلاً للشعب السوري، أن تكون أنت داعماً لهذه المجموعة، ثم تنسحب من الحكم..

ثانياً: رسالة توضيح وتطمين حول ما طفى على السطح من صراعات طائفية

وجه الخطيب رسالة لطمأنة نفوس السوريين عموماً، وأبناء الطائفة العلوية بشكل خاص، مشيراً إلى أن العديد منهم يتواصل معه بشكل مستمر، ليعبروا عن خوفهم وعدم اطمئنانهم على مستقبل علاقاتهم مع السوريين، في حال حدوث تغيير سياسي.

في معرض حديثه، أشار الشيخ معاذ إلى ما بات يعاني منه بعضهم من رهاب وتخويف من الآخرين، تعرضوا له من أعلى المستويات، لزجهم في معارك لا تخدم مصالحهم، وقد دفعوا أثماناً باهظة، وهم يحتاجون إلى رسالة تطمين قوية. تساءل الخطيب: هذا الرهاب والتخويف الموجود، ألا يحتاج إلى معالجة؟ بعض الرسائل تقول يجب أن نسمع كلاماً في هذا!.

ضمن سياق التطمين، تحدث السيد الخطيب عن أهم هواجس العلويين، مقدماً رؤية واضحة، وما يجب القيام به لمواجهتها، من وجهة نظر مصالح السوريين الوطنية المشتركة.

  • ناقش في البداية مسألة الخوف من الفكر التكفيري مؤكد أن خطره لا يقتصر على العلويين، بل يهدد أبناء السنة أيضاً، وبالتالي هو قضية وطنية، من مسؤولية الجميع إيجاد حلول لها عبر فكر وممارسة الاعتدال.[8]
  • تحدث الخطيب عن قضية المظلوميات، وأشار إلى تعرض الجميع، في حقبات تاريخية مختلفة إلى درجات متفاوتة من الظلم، وقد تساوى بذلك تاريخ جميع السوريين.[9]
  • ت‌-              أوضح الشيخ معاذ أن ما يفرق السوريين من تناقضات في العقيدة والفقه وفي الاجتهادات الفكرية ليس سوى تجليات لخلافات سياسية تاريخية، اكتسبت مع الوقت قوقعة صلبة، تكورت كل مجموعة داخلها.

الاستنتاج المنطقي الذي يصل إليه السيد الخطيب هو أن الحل الأفضل من وجهة نظر مصالح ضرورات العيش المشترك، والاستقرار هو أن يلتقي السوريون حول المشتركات، ويتركوا مسائل الجدالات والنقاشات والحق والباطل للمؤسسات العلمية والكليات الشرعية.

ثالثاً: ملاحظات نقدية

  1. في إيجابيات رسالة التطمين تبرز في قراءة الشيخ معاذ للأسباب السياسية التاريخية في ما يطفو من عدوات عقائدية طائفية بين السوريين، والطريقة الوطنية للتعامل معها.
    لسان حال الشيخ معاذ يقول: طالما أن عقائد اليوم التي تمزق السوريين إلى طوائف، هي تجليات فكرية وثقافية متكلسة لصراعات تاريخية بائدة على المصالح والسلطة، سابقة وموغلة في التاريخ، وأنها لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل ولا يتحمل مسؤولية مظالمها التي طالت الجميع أي منهم، فمن مصلحتنا المشتركة اليوم، كسوريين، (يواجهون أولا سلطات تعمل على تجيير تلك الخلافات وأسبابها العقيدية لتفتيت وحدة الصف الوطني المعارض، ويناضلون ثانيا من أجل تحقيق مهام التغيير الديمقراطي وبناء مقومات سلام وعيش كريم واستقرار دائم)، أن نضع العقائد جانبا، نركنها في زوايا مظلمة، في مراكز خاصة بالمماحكات الفكرية والعقائدية (المؤسسات الشرعية)، ونخرج جميعاً، يداً بيد، إلى مسرح الصراع السياسي، لندير صراعاتنا الراهنة بالحوار، بما يوحد صفنا الوطني حول القواسم المشتركة، وآليات مواجهة وسائل الظلم الذي يصيبنا جميعاً، ويضعنا في مواجهة سلطة، يوحد جميع مكوناتها الطائفية، وشركائها الإقليميين والدوليين، أهداف ووسائل نهب ثروتنا وتفشيل بلدنا.
  2. نقطة الضعف في ما يطرحه الوعي السياسي الخطيبي، هو اعتقاده بأن مسألة الطائفية السياسية وما تخلقه من انقسام وصراع بين السوريين، وما تتطلبه من حلول، يرتبط فقط بسلوك السوريين، متجاهلا حقيقة أن إحياء المصالح السياسية التاريخية المتكلسة داخل العقائد الدينية، وتحويلها إلى صراعات طائفية راهنة، يرتبط أيضاً بسياسات صناعة أدوات تحقيق أهداف مشاريع سيطرة ونهب إقليمي ودولي، تتضمن جهداً سياسياً ومالياً وعسكرياً وترويجاً إعلامياً، تتقاطع في ممارسته وتوفير أسبابه مصالح وسياسات جميع القوى المعادية لمصالح الشعوب المشتركة في بناء مقومات المشروع الديمقراطي بمرتكزاتها السورية والإقليمية والإمبريالية. يتجاهل الطرح عوامل السياق التاريخي الحديث والراهن لصناعة الإسلام السياسي بتعبيراته عقائده السياسية والثقافية والجهادية، التي صنعت صيرورته الحديثة والراهنة مصالح وسياسات قوى الإمبريالية العالمية وشركائها الإقليميين، خلال القرن الماضي، بدءاً بسياسات فرنسا وبريطانيا واستكمالاً بسياسات أميركة، شكل أبرز محطاتها التحالف الاستراتيجي مع سلطة آل سعود الوهابية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وانتصار الثورة المضادة الإسلامية (الشيعية) في إيران، نهاية سبعينياته، وما نتج عن غزوات لبنان وأفغانستان والعراق من خلق مواقع تصنيع وتصدير الإسلام السياسي، الجهادي والمقاوم!. (البنى السياسية الطائفية التي بنتها الولايات المتحدة في الدول التي غزتها في سياق قطع صيرورات التغيير الديمقراطي، شكلت نموذجاً سياسياً مولداً لكل أشكال الفساد والإرهاب!).

إذن، الوقائع تقول بتكامل جهد محلي إقليمي وعالمي، تقوده في هذه المرحلة التاريخية من تطور النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، حقبة ما بعد الحرب الباردة، حكومات الولايات المتحدة، يعمل على نفخ الحياة في العقائد، ( الصراعات السياسية التاريخية المتكلسة)، عبر وسائل عديدة، مالية وإعلامية، وإرهابية، لتحولها ليس فقط إلى صراعات سياسية راهنة، بل إلى سلطات أمر واقع استبدادية، وإلى ميليشيات طائفية، تشكل رأس حربة تحالف القوى المعادي للتغيير الديمقراطي، في قلب منطقة الشرق الأوسط، من تخوم الباكستان شرقاً، إلى حدود المغرب، مروراً بطهران وبغداد ودمشق، وليس انتهاء بصنعاء والدوحة!.

على أية حال، تبدو أطروحات السيد الخطيب متقدمة ثقافياً وسياسياً على ما قدمته الثقافة الإلحادية!.

لقد تجاهل أصحاب تيارات أولوية نقد المقدس وعفن التراث المتأصل لخلق ثقافي ووعي تنويري، على النضال السياسي الديمقراطي وقضايا الانتقال السياسي، والذين يجدون في التراث السني ملعبهم المفضل أن الأسباب الحقيقية لظهور الفلسفة الشيعية بمحتواها – العقيدي الخاص، المرتبطة تاريخيا بوسائل الرجعة والإمامة والعصمة والتقية والمهدوية – تبلورت تدريجياً في أجواء صراعات تاريخية على السلطة، (خاصة الألم العميق والشعور بالظلم والرغبة في الانتقام لدى قسم كبير من المسلمين، على تغييب الإمام المنتظر وعلى مقتل الإمام الحسين وما أصاب آل البيت من مظالم سياسية)، وأن المصالح المرتبطة بها كانت العامل الأول في تبني المذهب الشيعي في الدولة الفارسية، وأن الحافز الرئيسي لفلسفة ولاية الفقيه الخمينية، هو بناء وتعزيز سلطة استبداد رأسمالية في إيران، تتغطى بيافطة الإسلام الشيعي، المقاوم للاستكبار، وتبرر سياساتها التوسعية الإقليمية بقضايا المظلوميات التاريخية، وحماية المستضعفين! وتحت مظلة مصالح وسياسات الولايات المتحدة، التي اعتمدت على سياسات تجيير الصراعات الطائفية، وما تخلقه من أقطاب إقليمية متناحرة، في خدمة أهداف وأدوات سيطرتها الإقليمية.

  • نقطة الضعف القاتلة في الوعي السياسي الخطيبي تتجسد في مثاليته، وانفصال ثقافته عن حقائق المصالح، وما ينتج عنها من سياسات، وما تصنع من موازين قوى، وتفرضه من مآلات؛ وهي أبرز سمات الوعي السياسي والثقافي النخبوي المعارض!.
    عندما يطرح الشيخ معاذ برنامجا سياسيا لمواجهة الحالة الكارثية التي يعيشها السوريون، فهو موقف وطني رفيع، يدلل على مواقف الرجل الشجاعة، الداعمة لحقوق السوريين، والمتعاطفة مع معاناتها!.

من جهة ثانية، لو طرح السيد معاذ الخطيب على نفسه التساؤل البسيط، لاكتشف طبيعة الخلل: هل من مصلحة القوى التي يعول عليها دعم أو قيادة مشروع الإنقاذ التكنوقراطي أن تفعل ذلك، في ظل موازين قوى تميل لمصلحتها اليوم، أكثر مما كانت في 2011-2012، حين رفضت نفس الإجراء؟!.

مالفائدة إذاً من أن نطلب من سلطة تنفيذ مشروع، تتناقض نتائجه مع مصالحها، ولا تملك الحد الأدنى من وسائل الضغط، ناهيكم بالفرض؟

  • نقطة أخيرة، لا تقل أهمية. من فضائل مبادرة الشيخ معاذ عدم دعوته لحوار بين المكون العلوي والمكون السُني، كما فعل السياسي المخضرم الأستاذ سمير نشار، كاشفا بعض نقاط الخلل في الوعي السياسي النخبوي الذي انطلت عليه بعض تجليات الخيار العسكري/ الطائفي!.

إذا كان من الطبيعي أن يترك الخيار العسكري الطائفي الذي تبناه تحالف أعداء الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، في مواجهة استحقاقات ربيع 2011، شرخاً اجتماعياً بين أبناء الطوائف، (بفعل جهود الجميع لنقل الصراع السياسي بين شعب منتفض، وسلطة إقصائية، وفي مواجهة استحقاقات ديمقراطية، على مسارات الحروب الطائفية، وما تخللها من دعاية وقتل ممنهج)، ويسبب مأزق عميقاً، وشرخاً اجتماعياً بين المكونات السورية التي تشكل مجتمعة مجموع الشعب السوري، كما يلاحظ الأستاذ سمير، فهل أدت وسائل الخيار العسكري إلى الصراع الذي كاد أن يصبح وجودياً بين السنة والعلويين، يا أستاذ سمير؟!

كيف يغيب عن ملاحظة الأستاذ سمير أن ما يراه حرباً طائفية لم يكن بين طائفتين، بل كانت بين ميليشيات طائفية، تشكل بمجموعها أذرع الثورة المضادة، ينتمي مقاتلوها، وضحاياها، لجميع الطوائف ولم تكن بين أبناء الطوائف، والبون شاسع يا أستاذ سمير، ولا يغير من هذه الحقيقة ارتكاب بعضها جرائم طائفية بهدف تحويلها أو إعطائها صبغة طائفية، لإخفاء حقيقية أهدافها السياسية!.

هل يُعقل أن يغيب عن ملاحظة الأستاذ سمير حقيقة ما دعا إليه الشيخ معاذ، الذي لا يرتبط ولا يقوم على أرضية وجود صراع طائفي، سني/علوي، وأن الدعوة إلى حوار سياسي سني/علوي هو اعتراف بأن الصراع هو طائفي، وأن الحل هو في الوصول إلى صفقة تحاصص طائفية، على غرار الطائف اللبنانية، وهو في النتائج والمآل، يصب في أجندات ودعايات النظام وخصومه الطائفيين، الذين بذلوا جهوداً كبيرة لتحويل الصراع السياسي إلى حرب طائفية، ومع أعداء المشروع الديمقراطي في السلطة والمعارضة، ومع خطط وسياسيات الولايات المتحدة، ويتناقض مع حقائق الواقع.

فهل تحمل على سبيل المثال في هذه المرحلة سياسات السلطة الاقتصادية واستهدافاتها أي طابع طائفي؟ هل مشكلة السوريين اليوم تنبع من ممارسات اضطهاد طائفية، تمارسها طائفة ضد أخرى؟.


[1]– أهم ما جاء في خطاب السيد معاذ الخطيب: أقول بصراحة، تصلني رسائل شفهية عبر وسطاء في داخل النظام، يقولون يا أخي نحن لا نستطيع أن نفعل شيئاً، أقول لهم الشعب السوري بمجموعه يستطيع أن يفعل شيئاً. بدك تطلق جدار الخوف قليلاً، وتبحث عمن يشاركونك هم البلد. من ضمن ما ذكروه، وهذا أمر حساس وخطير، ويحتاج إلى مبضع جراح، وقال يا أخي بصراحة، نحن كأشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية نشعر بالخوف والتوتر والذعر أن يحصل لنا شيء إذا مددنا أيدينا للآخرين، أن نُقابل بالنكران، بالذبح، بالإفناء، بالإنهاء سبحان الله.

تذكرت زيارة قمت بها قبل سنوات للمرحوم العقيد محمد عزيز هواش، وهو من أبناء كرام العائلات، كان عمره حوالي 87 سنة، سألته بضعة أسئلة عن الأوضاع، فقال ما يلي: عندما بدأت المشاكل، جمع بشار، أو تواصل مع رؤوس العلويين، وقال لهم هؤلاء السنة يريدون أن يذبحوكم. أنتم وين؟ بتحبوا تنذبحوا لوحدكم، ولا معنا!؟. فقالوا لا يا سيدي، مننذبح معك! هكذا ورد الأمر.

هذا الرهاب والتخويف الموجود، ألا يحتاج إلى معالجة؟ بعض الرسائل تقول يجب أن نسمع كلاماً في هذا!.

طيب، هم يخافون من الفكر التكفيري! الفكر التكفيري، يطالني قبل أن يطالك، الفكر التكفيري، لا يمكن أن يواجهه أو يوقفه إلا فكر معتدل، الخطر علينا جميعاً، قبل أن يكون على أي أخ آخر في سوريا، علوياً كان أو مسيحياً، أو غير ذلك. هناك أمر مهم أن نعرفه، ويلزمنا على المدى القريب والبعيد، هناك خلافات سياسية، بدأت مع صدر الإسلام، تحولت مع الوقت إلى تجليات، بعضها في العقيدة، وبعضها في الفقه، وبعضها في الآراء الاجتهادية، واكتسبت مع الوقت قوقعة صلبة، تكورت كل مجموعة داخلها.

هناك ما يجمع الناس جميعاً، وهناك آراء واجتهادات، ليكن في الكتب كذا وكذا، وتترك أمور الجدالات والنقاشات والحق والباطل للمؤسسات العلمية والكليات الشرعية، أما، ما يهمنا فهو عموم الناس. هذه الخلافات السياسية تصلبت مع الزمن، وأنصح، ربما بعض الناس لا يريدون ذلك، حقهم، أنصح بقراءة كتاب، الخلافة والملك، لأبي الأعلى المودودي.

طيب، وصلنا الآن إلى واقع مر، ضائع في أروقة التاريخ، طبعاً، كل جهة، تستطيع أن تستحضر من المظلوميات ما شاءت خلال القرون السابقة اضطهد هؤلاء أو هؤلاء، كل حقبة تاريخية، وكل دولة، لها جانب إيجابي وجانب سلبي، لها جانب من العدل، وجوانب من الظلم، والظلم كان يطال الجميع، دعونا ننتهي من هذا الجانب من التكفير، أحدنا يسمع معلومة، يحملها ويركض فيها، وهي معلومة متآكلة. يا أخي، المعلومة متاحة للجميع، اذهب فقط واقرأ عن المظلوميات التي طالت كل الناس.

طيب إلى متى سيعيش الناس في أروقة التاريخ، ويذبحون بعضهم بعضاً؟!.

إلى متى سيجرون الأخطاء القاتلة.

سأذكر مثالاً، وأشكر الدكتور منذر خدام على مقالته، وهي مقالة قديمة، نشرها عدت مرات. انظروا إلى هذا التفكير الذي يقود إلى الخبل، الجنون. الدم، حتى.

هناك وثيقة، محفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، بما يتعلق بسوريا ولبنان، المجلد 493/92. برقية المطالبين بالوحدة مع سوريا في منطقة العلويين، مرسلة في 2 تموز، 1936.

سأعود إليها، قبل ذلك، اقرأ وثيقة أخرى، هي التي ينشرها في الظاهر من يعادون النظام، ويحملها للطائفة العلوية النظام نفسه. ستة أشخاص فقط، يُراد أن يُغمس العلويين جميعهم في إثمهم الوطني!.

برقية إلى وزير الخارجية الفرنسي، بلوم، 1926، يقولون، لاحظوا هذه العبارات الشنيعة، إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته عن الشعب المسلم السني. الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يُعتبر دين الدولة الرسمي، الشعب العلوي بالنسبة للدين الإسلامي يعتبر كافراً، لذا، نلفت نظركم، إلى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف، في حالة إرغامهم على الالتحاق بسوريا، الموقعين فقط ستة أشخاص، عزيز آغا الهواش، محمود آغا جديد، محمد بيك جنيد، سليمان علي الأسد، سليمان المرشد، محمد سليمان الأحمد.

عملياً، النظام يحملها على أكتاف العلويين، وهم يعيشون هذه الحالة، من الخوف والترقب والذعر.
غُضت الأنظار، وابتعد الإعلام عن وثيقة أهم بكثير برقية المطالبين بالوحدة مع سوريا في منطقة العلويين.

أمكننا الكشف عن نوايا الحكم الذاتي، سيستخدمون حججاً ووقائع غريبة لتبرير الانفصال عن سوريا، ويبدو أن هؤلاء ادعوا أن العلويين ليسوا مسلمين، وليسوا عرباً وأنهم يفضلون الوحدة مع لبنان.

الخلافات السياسية تجلت في مذاهب، باعدت بين الناس، مكان البحث فيها عن الحقائق في الكليات الشرعية والمؤسسات الدينية.

على صعيد الناس العاديين، أخاطب الإنسان العلوي العادي، خاصة الذي نزل إلى دمشق، هل رفضك أحد؟ هل ضاق بك جامع.

المجتمع السوري له نسيج فريد في العالم، يلم الجراح، يتجاوز الآلام، يرى مواقع الخلافات ويحاول أن يمتصها بهدوء، يحاول أن يجد وسيلة لحلها، هذا هو مجتمعنا السوري.

أنت أخي في هذا الوطن، إذا كان هناك خطأ في التفكير أو السلوك، لا نعالجه بالحديد والنار، بل في الاستقرار. ابحث عما عندك من الصواب، وأقدم ما عندي، حتى تستقر هذه الأوطان التي تتآكل وتضيع، ونحن لا نلتفت ونبقى مغموسين في متاهات تاريخية، بأسبابها السياسية، تقودنا إلى المزيد من الدم. هذا الواقع بحاجة إلى كلام طويلا وعلاج.

[2]https://www.asharqalarabi.org.uk/barq/b-qiraat-1323.htm

[3]– برهان غليون…عطب الذات، ص٩٢:

شجعت قيادة المجلس الجامعة العربية والكثير من وزراء الخارجية العرب على السير قدما في بلورة المبادرة العربية، التي تحولت فيما بعد إلى مبادرة عربية ودولية. وفي هذا الإطار، قاد المجلس مفاوضات مع المبعوث العربي والدولي السيد كوفي أنان لتطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بتنفيذها، والتي فضحت تهرب النظام من التزاماته، وانتهت بتقديم كوفي انان استقالته، بعد أن أدرك أن النظام لا يبحث عن الحل، وإنما يعمل، بالعكس، على تسعير الحرب، ودفع الأوضاع نحو المواجهة المسلحة، وتسعير التطرف الديني والمذهبي، محملا النظام مسؤولية إفشال مفاوضات جنيف الأولى.

[4]– بعد سلسلة من الجولات المكوكية بين وزيري خارجية البلدين، لافروف وكيري، ومباحثات على مستويات الأمن القومي، توصلت الولايات المتحدة وروسيا حوالي أواسط 2015 إلى صفقة تفاهمات مزدوجة حول سوريا وأوكرانيا، أدت إلى قيام تنسيق كامل، وتوزيع للأدوار، في جهود واشنطن وموسكو لإطلاق خطوات تنفيذ مشروع التسوية السياسية الأمريكية/الروسية، الذي وضعت تفاصيل أهدافه وآلياته، وحيثياته، مؤسسة RAND الأمريكية (بتقاطع رؤى مع مراكز بحوث روسية)، في جزأين؛ وقد أخذت إجراءات القيادات السياسية التنفيذية مسارين، في إطار مشروع مسار آستنة:

– حربي، عمل على إعادة توزيع الحصص التي نتجت عن حروب الخيار العسكري بين 2012-2014، بما يُعيد رسم خارطة السيطرة العسكرية والسياسية لصالح النظام السوري، ويغير موازين القوى، بما يتوافق مع أهداف التسوية السياسية الأمريكية، التي تطلب تحقيقها مواجهات عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة مع تركيا، الحليف الناتوي، والشريك التاريخي في مشروع السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة!.

– سياسي، لإدارة صراع الحرب ضد أدوات وأذرع وخطط السيطرة التركية، خاصة بعد إجبار النظام التركي على ركوب قطار مسار آستنة خلال 2017، وإجراءات المصالحات وصفقات التفاوض بين أقطاب ترويكا الدول الضامنة لبقاء نتائج الصراع تحت سقف أهداف المسار، وعدم تحولها إلى حرب إقليمية كبيرة، قد تقلب الطاولة على رؤوس الجميع!.

[5]– ودائماً يتحدثون عن الحل السياسي! أين هو الحل السياسي؟ هل هو في مسار اللجنة الدستورية الخائب؟ ثلاث سنوات لم تكتب حرفاً واحداً!. والله لو يمتلكون ذرة من الكرامة لعلقوا مشانق أنفسهم بأنفسهم.

[6]– الوضع واضح للجميع! هناك انهيار شديد في التعليم والخدمات الصحية والطبابة. في الصناعة والزراعة.. كهرباء ما فيه. الجوع بدأ ينهش بالجميع بأنيابه. فحال السوريين في مناطق سيطرة النظام، ليس بأفضل من حال نزلاء المخيمات!.

هذا الوضع إذا لم نحدث فيه خرقاً باتجاه وضع يلم السوريين جميعاً، ستسير البلاد إلى مصير أسوأ وأسوأ.. الوضع كارثي ومرشح للتفاقم! وإذا لم يُغير النظام عقليته، والمناوئون له عقليتهم، فالخاسر هو الشعب! الوطن مستباح.. لا كرامة لأحد..

ولفت الخطيب إلى أن البنية المدنية للبيئة السورية قد تحطمت وأن هناك بنية عسكرية مخابراتية تتحكم بالبلد وتقود سورية بمحور الإتاوات والمخدرات. كما اعتبر خلال حديثه أن مؤسسات المعارضة التي وصفها بالفاشلة مسؤولة عما يحصل في سورية، كونها لم تتمكن من إحداث أي تغيير يُرجى.

[7]– التي تعود، كما يعتقد الخطيب، إلى توحش النظام، وغرور وغباء المعارضة، ومساهمة الدول الإقليمية في إيقاد ما حصل بدل أن يسارع النظام إلى لم الناس ومعالجة همومهم، وكان هناك تيارا مدني سلمي يطالب بحقوق مدنية محروما منها خلال نصف قرن، أعلن شعار الأسد أو نحرق البلد. ونتيجة توحش النظام وتدخلات إقليمية ودولية، تحول المسار إلى صداما عسكري، ونشرت، كردة فعل على ذلك مقولة إزالة النظام بكل مكوناته وأركانه. وصلنا إلى هذه الحالة! تعامل النظام بوحشية، وتعاملت المعارضة بغرور، ودفع الثمن الشعب السوري بكل أطرافه.

[8]– تساءل: يخافون من الفكر التكفيري! لكن الفكر التكفيري، يطالني قبل أن يطالك. الفكر التكفيري، لا يمكن أن يواجهه أو يوقفه إلا فكر معتدل. الخطر عليناً جميعاً، قبل أن يكون على اي أخ آخر في سوريا، علويا كان أو مسيحيا، أو غير ذلك. لم يكتف بهذا التوضيح، بل شرح بصراحة أن أسباب الانقسامات الطائفية، العقائدية والسياسية، ظهرت في حقبات تاريخية مختلفة، ولسنا مسؤولين عنها، وبالتالي ليس من المنطقي أن نحمل وزر صراعات آخرين، ونستمر في دفع أثمانها!.

[9]– في أروقة التاريخ طبعا، كل جهة، تستطيع أن تستحضر من المظلوميات ما شاءت، خلال القرون السابقة اضطهد هؤلاء أو هؤلاء، كل حقبة تاريخية، وكل دولة، لها جانب إيجابي وجانب سلبي، لها جانب من العدل، وجوانب من الظلم، والظلم كان يطال الجميع.

للخروج من أروقة التاريخ وصراعاتها، وتوقف مسلسل الانتقام، والانتقام المضاد، دعا الشيخ معاذ جميع السوريين أن ينتهوا من هذا الجانب من التكفير بسبب المظلوميات، متساءلاً:

طيب إلى متى سيعيش الناس في أروقة التاريخ، ويذبحون بعضهم بعضاً؟! إلى متى سيجرون الأخطاء القاتلة؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني