fbpx

السوريون يريدون تغييراً جذرياً في بنية الائتلاف.. وما جرى ضحك على الذقون

1 445

من يجرّب المجرّب عقله مخرّب، مقولة ربما يمكن اكتشافها في إجراءات الائتلاف الأخيرة، فما جرى من إبعاد لعدد من الشخصيات الهامشية لا يعني تغييراً حقيقياً في بنية مؤسسة الائتلاف، أو تغييراً حقيقياً في دورها وعملها، فهي لا تزال في مربع من الفشل لا تُحسد عليه البتة.

التغييرات التي حدثت لم تغيّر من مستوى الهيمنة والسيطرة في هذه المؤسسة، بل على العكس تماماً، فهي احتفظت بقامات أثبتت عدم جدارتها على قيادة قوى الثورة والمعارضة، والدليل على ذلك ركونها الكلي لقرار دولي لعب بمحتواه المبعوثون الأمميون أيما لعب، وللتذكير بذلك، فقد انقضّ ديمستورا على بنية القرار 2254 الصادر بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 2015.

انقضاض ديمستورا على القرار جاء من باب تجزئته إلى سلال أربع، ثم إلى اختزال السلال الأربع بسلة واحدة أنتجتها الديبلوماسية “اللافروفية الحاذقة”، وتمّت تسميتها بالسلة الدستورية.

وانقضاض بدرسون على السلة الدستورية عبر ما سماه خطوة مقابل خطوة يؤكد هذا الاتجاه، ويؤكد ضعف وفشل مفاوضي المعارضة في مواجهة هذا الصلف.

إذاً، ممثلو الائتلاف وأبناؤه القابضون على جمره لم ينجحوا أبداً بتسجيل أي نقطة كسب لصالح الشعب السوري الثائر، بل هم انخرطوا بلعبة التفاصيل الصغيرة القاتلة، ولم يستطيعوا إجبار نظام الاستبداد الأسدي المحمي روسياً وإيرانياً على تقديم ولو تنازلٍ صغير، يمكن أن يشكل مقدمة لدفع النظام لتقديم تنازلات حقيقية ذات قيمة، تقود إلى تنفيذ القرار الدولي الشهير الملتبس 2254.

إن تصريحات الشيخ حمد بن جاسم وزير خارجية قطر الأسبق حول أن النظام استطاع خرق بنية قوى الثورة والمعارضة لم يأت من فراغ، فهذا الخرق موجود وأشخاصه يعرفهم حمد بن جاسم، ويعرفهم وزير الداخلية في حكومة عبد الرحمن مصطفى المؤقتة محي الدين الهرموش، الذي التف حوله كثيرون ليمنعوه من تسمية “أبطال الاختراق الأسدي” لقوى الثورة والمعارضة.

إن قراءة متمهلة في إجراءات دعا إليها سالم المسلط بصفته رئيس مؤسسة الائتلاف سيظهر لدينا أن هذه المؤسسة المغلقة على بنيتها السياسية لا يمكن لها أن تصطلح على مستوى إبعاد من ادعى مسلط أنهم بلا قوى يمثلونها على الأرض، فهذه الحقيقة موجودة منذ سنوات، وما جرى من تمرير بقاء نصر الحريري وهشام مروة ويحي مكتبي وغيرهم إنما يدل على بقاء معطلي قوى الثورة والمعارضة في هذه المؤسسة المرتهنة للقوى التي أنجبتها ذات يوم في قطر.

إذاً، ما حدث ليس إصلاحاً، وإنما هو برمجة شكلية لخطوات سياسية قادمة، تخص قوى الإقليم في مرحلتها الحالية في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا الدولة الديمقراطية المستقلة. والسؤال الذي نحاول أن نقارب إجابته بصورة موضوعية، الذي يتردد على ألسنة الناس، لماذا هذه الخطوات (الإصلاحية الشكلية الآن)، وما أهدافها، وماذا سينتج عنها؟.

ربما من يقرأ لوحة الأحداث في المنطقة، سيكتشف بسهولة، أن التقارب التركي – المصري ظهرت ملامحه الحقيقية من خلال تعيين تركيا سفيراً جديداً لها في القاهرة، وكذلك القرار الذي اتخذه القضاء التركي بترحيل ملف الخاشقجي إلى أصحاب الشأن (المملكة العربية السعودية) يذهب بنفس الاتجاه، أي بتقارب سعودي – تركي سيفضي بدون شك إلى علاقات مستقرة بين البلدين.

التقارب التركي مع مصر والسعودية ليس تقارباً مجانياً، بل هو تعبير جدي عن مصالح متبادلة بين المتقاربين نتيجة الخلخلة السياسية التي أحدثتها الولايات المتحدة بسبب إضعاف حلفائها السعوديين والمصريين والإماراتيين، لمصلحة تخيل قيادتها، بأنها تستطيع تلبية جزء من المطالب غير الشرعية لحكومة ملالي طهران، على حساب العرب والأتراك، لإغرائها بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي نسفه دونالد ترامب من قبل.

التقارب التركي مع كل من مصر والسعودية كان يتطلب من تركيا تغيير سياساتها المبنية على قاعدة الإيديولوجيا، فبدون هذا التغيير سيكون من الصعب التمكن من تحقيق تقارب سياسي وتفعيل العلاقات الاقتصادية والأمنية بينها وبين هذه البلدان.

السياسة التركية بهذا الشأن قرأت بعمق كبير طبيعة التحولات في المنطقة، وهي أدركت دقة مواقفها حيال الصراعات الجارية، ولهذا يمكن فهم موقف تركيا من الحرب الروسية على أوكرانيا، هذا الموقف المتسم بمرونة عالية، ساعد الأتراك على الحفاظ على قنوات تواصلهم ومصالحهم مع الروس والأوكرانيين، وهم يكتشفون أهمية إعادة المياه للدوران في طواحين علاقاتهم مع دول عربية هامة كمصر والسعودية والإمارات.

هذه الرؤية التركية، لا يمكن ممارستها على صعيد الملف السوري ببقاء تيارات الإسلام السياسي مهيمنة على مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية، سيما وأنها فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة صراع الثورة السورية مع نظام الاستبداد في دمشق، فالمصريون والسعوديون يريدون علاقات حقيقية مع تركيا لا تصبّ في غير مصالحهم ومصالح الدولة التركية على صعد السياسة والاقتصاد والأمن.

الأتراك يدركون عمق الورطة الروسية في أوكرانيا، ويدركون بصورة كبيرة الاستنزاف الذي سيلاحق القوات الروسية في ذلك البلد، ولهذا فهم يبنون سياساتهم الجديدة بناءً على اتجاه الأحداث وتغيرات حركة الواقع، التي لا تسير لمصلحة الروس، الذي يحسون بمرارة اصطياد طائراتهم ودباباتهم وعرباتهم من قبل أسلحة قدمها الغرب للأوكرانيين.

الأتراك يهجسون بتشكّل أحلاف جديدة في المنطقة، وهم يريدون اجتياز ما تبقى من زمن للوصول إلى المعاهدة التي تكبّل نشاطهم الاقتصادي وتحكمهم بالمضائق المائية التي يشرفون عليها، ولهذا فهم يلتقون مع المصريين والسعوديين في مربع التخلص من خدمة سياسات أمريكا في المنطقة والعالم، لصالح سياسات تخدم بلدانهم وشعوبهم ولو بالحد الأدنى.

وفق ما تقدم، يمكننا القول والجزم بأن مؤسسة الائتلاف تتلون بألوان لا تغيّر من بنيتها المغلقة ومن أدائها السياسي الفاشل، وهذا يتطلب من كل أطياف قوى الثورة السورية الإصرار على تغيير بنى مؤسسات الثورة بعيداً عن الأجندات الضيقة للمهيمنين عليها، بتغيير هذه البنى سيرحل مع التغيير أولئك الفاشلون في قيادة هذه المؤسسات، الذين يظنون أنهم الأجدر والأصلح والأقدر على القيادة، دون أن يستطيعوا تقديم إنجاز وطني حقيقي للسوريين.

فهل ينبغي الاستمرار بالضغط لتغيير الواجهات التي لم تعد تصلح لغير ممارسة التعطيل والفشل السياسي، إنه قدر السوريين الذي ينبغي حمله على أكتافهم إلى نهاية معركتهم لنيل الحرية.

وفق هذه الرؤية حاول الائتلاف ملاقاة التغييرات الحاصلة في السياسة التركية مع محيطها الحيوي (العالم العربي)، دون أن يكون قادراً على إنتاج بنية مؤثرة في الصراع الجاري في سوريا وعليها بكل أصعدته السياسية والتفاوضية وغيرها. وهذا يتطلب التغيير وبسرعة لملاقاة التغيرات والتحالفات ببنية مرنة قادرة على الحشد والمناورة ورفض تقديم التنازلات بما يخصّ إعادة تأهيل نظام الأسد.

1 تعليق
  1. نزار بعريني says

    مقال شامل ، يضع “حدث الإئتلاف” في سياق التغييرات في رؤى ومصالح الدولة الراعية لعلاقاتها الإقليمية ، في ضوء الصراع الروسي / الأمريكي على اوكرانيا ، وأوروبا .
    كلّ الاحترام والتقدير.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني