بعد مسيره لبضعة كيلومترات ينقلب مركب الأحلام ليتحول إلى كابوس على مياه الواقع السورية.
انطلق المركب من طرابلس اللبنانية حاملاً على متنه قرابة الـ 150 هارباً إلى المستقبل.
لا يحملون من متاع سوى أحلامهم بالوصول إلى شواطئ دول تمنحهم صفة الإنسانية وحق المواطنة التي سُلبت منهم في بلدانهم بعد أن لفظتهم ليكونوا لقمة سائغة لأسماك البحر.
حكاية جديدة تضاف لسجل مآسي السوريين شاركهم بها جيرانهم اللبنانيين والفلسطينيين لتجمعهم مأساة البحث عن الأمان والاستقرار التي فقدوها في بلدانهم المنهوبة.
اكتُشفت الحكاية مع عشرات الجثث الطافية قبالة شواطئ مدينة طرطوس، سبقتها جثة طفل أعاد للذاكرة السورية المثقلة صورة إيلان الكردي ليموت إيلان للمرة الثانية في قلوب السوريين وعلى شواطئ بلده.
قرابة الـ 150 راكب على متن قارب الموت جلّهم من السوريين الذين بات هدفهم الوحيد الهروب من سوريا التي ضاقت بأهلها بعد أن حولها بشار الأسد ومن أيده إلى محمية روسية/إيرانية وبعد أن أصبح السًوري ضيف غير مرغوب فيه في بلده التي حددت له خيارات البقاء بين خدمة عسكرية إلزامية في جيش تحولت مهمته للدفاع عن عصابة حاكمة وحمايتها، ووظائف غير متاحة برواتب هزيلة وانتظار طويل على طوابير المعيشة لتحصيل اليسير، فكان خياره الهروب، الهروب إلى المجهول بقوارب متهالكة وعبر غابات مبهمة، رحلة خطيرة غير مضمونة النتائج قد يكون ثمنها الحياة فضلاً عن مدخرات العمر وربما بيع المسكن إن وجد،فعلها السوريون مع احتمالية عدم بلوغهم الهدف، وركبوا قارب الموت وعادوا من حيث هربوا إلى طرطوس جثث هامدة تتقاذفها الأمواج.
استقبل المكلومون اللبنانيون ضحاياهم بالدموع والعويل وتوبيخ الحكومة وإلقاء اللوم على الطبقة الحاكمة للحال الذي أوصلت إليه لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة دفعت شبابه للمخاطرة بحياتهم برحلة مجهولة النهاية.
أما السوريون اكتفوا بتشييع جثامين أبنائهم دون تذمر وبكظم غيظهم وربما دموعهم وبإلقاء اللوم على أنفسهم فالموتى خونة بنظر النظام الذي يروج لكذبة إعادة اللاجئين وهروبهم يدحض أكاذيبه حول البيئة الآمنة التي يصدرها للإعلام، ويحاول تجميل صورة الدولة المستباحة الغارقة بالأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية فضلاً عن انتشار الفساد والجريمة وانحسار السلطة بأيدي القتلة والمجرمين بظل غياب تام للقانون، كما أن المشيعين شهدوا مصير من نجا من قاع البحر وغُيب بغياهب سجون النظام هذه الأسباب وغيرها الكثير كفيلة بالإجابة عن بعض الأصوات المتعالية التي تلقي باللون على الضحايا وذويهم وتعتبر موتهم انتحار، متغافلين عن حقيقة أن من رمى بنفسه بغمار تلك التجربة قد استبدل الموت البطيء المتكرر الذي يقتله مراراً وتكراراً بالموت السريع الرحيم، والدليل على ذلك استمرار تلك الرحلات منذ عشر سنوات فتلك الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
أصابع الاتهام تتوجه إلى المهربين الذين تجردوا من الضمير والانسانية و زجوا بهؤلاء الضحايا ومن سبقهم بقيعان البحر ومجاهل الغابات ولا غرابة بذلك فهم يمتهنون تجارة البشر لكنهم الوجه المكشوف للمجرم الحقيقي الذي سهًل لهم تلك التجارة وكان سبباً بها انها الأنظمة الفاشلة القمعية التي تنهب مقدرات شعوبها ليكون مصيرهم الهرب بحثاً عن الأمان.
المجرم الحقيقي هو من أوصل سوريا ولبنان إلى القاع بعد أن كانت منارة للتقدم والحضارة والديموقراطية، المجرم الحقيقي من استعصى بالكرسي ودفع بلداً بكاملها ثمناً لهذا الكرسي.
مرت مواكب التشييع في مدينة اللاذقية بتعاطف شعبي ضم كل طوائف المدينة فالمركب لم يقتصر على من ثار ضد الأسد وإنما حمل من والى وعارض لذلك لم يشهد شماتة مؤيدي النظام الشرسين كذلك لم يشهد تنكيس الأعلام وإعلان الحداد كأي دولة تحترم شعبها وإنما شهد اقتياد الناجين للأفرع الأمنية وشمل هذا الإجراء حتى اللبنانيون فقد ناشد يحيى حلبص المعنيين اللبنانيين للكشف عن مصير شقيقه فؤاد حلبص الذي ظهر على الإعلام السوري في أحد المشافي ثم اختفى وفي هذا الصدد حذرت مجموعة الإنقاذ الموحد المتخصصة باستلام نداءات الاستغاثة من المهاجرين الذين يلجؤون إلى دول الاتحاد الأوربي من المصير الخطير الذي يمكن أن يهدد حياة بعض الناجين من المركب اللبناني الغارق قبالة سواحل طرطوس وعنونت المجموعة منشور لها على الفيسبوك “لا تجعلوا الناجي من غرق قارب لبنان يلعن ساعة النجاة” في إشارة إلى المصير المظلم الذي ينتظر الناجين بعد أن وقعوا بيد ميلشيات الإجرام الأسدية
وقد أكد ذلك المحامي رامي حامد حيث كشف عبر المدينة FM عن وضع الناجين من غرق المركب وفقاً للقانون السوري الذي يقضي بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 5إلى 10 مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من دخل أو غادر الجمهورية العربية السورية أو ضُبط على الحدود السورية دون مسوّغ لذلك
هذه هي سوريا الأسد المنتصرة المتجانسة حسب وصف رأس نظامها بعيداً عن تجميل الإعلام السوري سوريا التي يحلم مواطنوها بالهروب ولو كان الثمن ما بقي من حياة.