fbpx

السودان دولة علمانية

0 418

السودان يتخلى عن تطبيق الشريعة ويتعهد بدولة علمانية ديمقراطية.
وقعت الحكومة السودانية، وثيقة تمهد الطريق أمام إبرام اتفاق نهائي للسلام من خلال ضمان حرية العبادة للجميع وفصل الدين عن الدولة.
لنتعرف على مفهوم العلمانية، ونتبحر قليلاً بمعانيه وعلاقة العلماني بالديمقراطية ودولة القانون.
العلمانية في العربية مشتقة من مفردة عَلَم وهي بدورها قادمة من اللغات السامية القريبة منها؛ أما في الإنجليزية والفرنسية فهي مشتقة من اليونانية بمعنى “العامة” أو “الشعب” وبشكل أدق عكس الإكليروس أو الطبقة الدينية الحاكمة؛ وإبان عصر النهضة بات المصطلح يشير إلى القضايا التي تهم العامة أو الشعب بعكس القضايا التي تهم خاصته.
وتعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية بأنها “حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخروية. وهي تعتبر جزءاً من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الآخر. وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية”.
بشكل عام: العلمانية، هي فصل الحكومة والسلطة السياسية عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية. وتعني أيضاً عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأي سبب من الأسباب الذاتية غير الموضوعية. وبالمقابل تكفل الحق في عدم اعتناق دين معيّن وعدم تبني دين معيّن كدين رسمي للدولة. وجميع القرارات وخصوصاً السياسية منها يجب ألا تكون خاضعة لتأثير المؤسسات الدينية.
مما سبق يمكن القول: إن العلمانية ليست أيديولوجيا أو عقيدة قدر ما هي طريقة للحكم، ترفض وضع الدين أو سواه كمرجع رئيسي للحياة السياسية والقانونية، وتتجه إلى الاهتمام بالأمور الحياتية للبشر بدلاً من الأمور الأخروية، أي الأمور المادية الملموسة بدلاً من الأمور الغيبية. وللتوضيح أكثر يمكن أن نستعرض لمحة تاريخية عن العلمانية.
تعود جذور العلمانية إلى الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين أمثال أبيقور، غير أنها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الأوروبي على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون وفولتير وسواهما. ينطبق نفس المفهوم على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر النظام الكوني بصورة دنيوية بحتة بعيداً عن الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته. ولا تعتبر العلمانيّة شيئاً جامداً بل هي قابلة للتحديث والتكييف حسب ظروف الدول التي تتبناها، وتختلف حدة تطبيقها ودعمها من قبل الأحزاب أو الجمعيات الداعمة لها بين مختلف مناطق العالم. كما لا تعتبر العلمانية ذاتها ضد الدين بل تقف على الحياد منه، قد يعتبرها بعضهم جزءاً من (التيار الإلحادي) كما جاء في (الموسوعة العربية العالمية) الصادرة في السعودية، وهذا غير دقيق.
العلمانية بمعنى أشمل قد تعني فصل الدين عن الممارسات (ومن ضمنها الحياة الشخصية) قد يكون هو الأكثر تميّزاً من معارّفها بمعناها الضيق والذي يعني فصل الدين عن الدولة مع بعض مبادئ الليبرالية، وقد أشارت الموسوعة البريطانية لذلك المعنى، فتعريف الديمقراطية يستلزم فصل الدين عن الدولة بما يسمح بحرية الأفراد في التعبير بلا قيود دينية، إذ بدون هذه الحرية لا يمكن للسياسيين والمفكرين العلمانيين أن يعبّروا عن آرائهم بما فيها المخالفة للدين.
للعلمانية معنى ضيق بالنسبة لليبرالية فهي تفصل الدين فقط عن الدولة وهذا لا يكفي لضمان حرية وحقوق الأفراد بينما الليبرالية تفصل جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أو غير دينية وبعدم الفصل يتم انتهاك حريات وحقوق الأفراد لأسباب غير دينية:
مثال: حكم ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق، وحكم هتلر في ألمانيا النازية.
أما المعنى الأشمل للعلمانية المتمثل بفصل الدين عن الحياة والاهتمام بها على حساب الدين فهو واحد من الخيارات التي تتيحها الليبرالية لأفرادها كما تتيح لهم أيضاً الاهتمام بالدين على حساب الحياة إذا رغبوا ذلك بشرط عدم إرغام الأفراد على أي رأي معيّن بشأن الدين أو غيره.
فهل اعتماد السودان مبدأ العلمانية يكون من خلاله الحل الأمثل لمشاكله الداخلية والحل الأفضل لمشاكله مع الدول المجاورة وهل يمكن أن يحقق ويعيد للسودان وحدته أرضاً (جغرافية) وشعباً؟. أتمنى ذلك وأتمنى أن يكون السودان بخطوته هذه قدوة حسنة للدول العربية والأفريقية الأخرى.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني