الزواج الثاني في اللاذقية ظاهرة تعود بالحرب بفعل عوامل عديدة
لعبت ظروف الحرب التي تعيشها المدن السورية دوراً كبيراً في انتشار وعودة ظواهر اجتماعية كانت قد خفت بشكل كبير في المجتمع السوري لاسيما في مناطق المدن من بينها الزواج الثاني، إذ تعود هذه الظاهرة للانتشار بقوة في مختلف الأماكن من بينها مدن الساحل السوري وتحديداً في اللاذقية بفعل عوامل كثيرة، وسط تهميش كبير للنساء وحقوقهن على حساب سلطة الرجل وانتشار الأموال بيد ما يعرف بالشبيحة داخل المدينة والرغبة في تعدد الزوجات وتغيير حياتهم التي باتت لا تعجبهم بعد تغير أوضاعهم المادية.
ظاهرة الزواج:
تتركز هذه الظاهرة في الأحياء الشعبية وبين أبنائها الذين كانوا يعيشون ظروفاً صعبة قبل الحرب وساهمت الحرب بتغييرها خصوصاً لمن انضم إلى الكتائب المقاتلة إلى جانب النظام وحصل على مكاسب من سلطة كقادات للكتائب في الدفاع الوطني وغيرها أو تمكن من تحصيل أموال عبر ما قام به من سرقته وتعفيش.
تتحدث سهى إحدى سكان حي قنينص في اللاذقية لنينار برس، عن هذا الأمر موضحة أن بعض الأشخاص باتوا قادرين على فتح أكثر من منزل والإنفاق على زوجة ثانية لذلك رغبوا بالأمر إضافة إلى قلة الشباب في المدينة وحاجة الفتيات للزواج وحتى وإن كانت زوجة ثانية، وهو ما عزز الثقة لدى الرجال وزاد من الرغبة بالزواج، كذلك لعبت حالات الموت بين الموالين ومقتل شبابهم دوراً هاماً في هذا الأمر إذ إن الكثير من الشباب تزوجوا بنساء أخواتهم بعد وفاتهم ليقوموا بإعالتهن وإعالة أطفال إخوتهم، منوهة إلى أن الحرب وتغير ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية جميعها ساهمت في انتشار هذه الظاهرة.
تعتبر أنه لا يوجد أرقام أو إحصائيات دقيقة من قبل أي جهة حول هذا الأمر لكن من الواضح أنه يزداد فضلاً عن اختلاف الإعلان عنه إذ إنه سابقاً كان من الصعب على الرجل أن يفكر بالزواج الثاني، وفي حال حصوله يبقيه سراً أما الآن فهو أمر مبرر ومتاح في حال كان الوضع المادي للشخص مقبولاً ويستطيع أن يؤمن احتياجات عائلتين خصوصاً وأن الأسعار مرتفعة جداً.
وجود النازحين:
توافدت مئات الأسر النازحة من مدن سورية مختلفة أبرزها حلب نحو مدينة اللاذقية التي كانت تعتبر آٔمنة نسبياً خلال السنوات الماضية، بحثاً عن الأمان وهرباً من المعارك التي كانت تدور في مدنهم وعاش الكثير منهم ضمن أوضاع معيشية صعبة وهو ما دفع الكثير من هذه الأسر لتزويج بناتهم كزوجة ثانية وبأبسط الحقوق.
يوضح ماهر أحد الشباب من أبناء حي السكنتوري في اللاذقية أن من بقي من شباب المدينة وحتى رجالها المتقدمين في السن تشجعوا على فكرة الزواج الثاني بسبب عدد النساء الذي فاق ثلاث مرات عدد الذكور في المدينة أما وجود النازحين فكان عاملاً هاماً أيضاً من خلال تغير عادات المجتمع وحمل كل شخص لمفاهيم وقيم وعادات مختلفة، إذ إن فكرة الزواج الثاني كانت غير مقبولة نوعاً ما في مجتمع أهالي اللاذقية بينما هي أمر عادي لدى أهالي مدينة حلب، معتبراً أنه أيضاً هناك الكثير من الفتيات تزوجن من شباب من طوائف دينية أخرى وهذا الأمر كان مرفوضاً قبل الحرب لكنه اليوم بات مقبولاً رغم صعوبة الوضع وغياب الحقوق ومعرفة الفتاة وأهلها أنها زوجة ثانية وفي كثير من الحالات لايتم تثبيت الزواج بشكل رسمي في المحاكم وإنما من خلال ورقة عبر أحد المشايخ وهو ما يعرف بالزواج العرفي، لأن الحاجة تلعب دوراً أساسياً، إضافة إلى عدم الاستقرار ورغبة الأهل في تأمين منازل لبناتهن مهما كانت الظروف سيئة عند الزوج، لكن بعضهم يعتبر أن الزواج أفضل من أوضاعهن في بيوت أهلهن.
الخوف:
يشكل الخوف الذي يعيشه الناس في مدينة اللاذقية من عناصر النظام ومايعرف بالشبيحة عاملاً هاماً في مختلف جوانب الحياة ومنها الاجتماعية وتحديداً موضوع الزواج، فلا يوجد مساحة أمام الفتيات أو حتى الأهل من أبناء الأسر الفقيرة والبسيطة رفض أحدهم إذا تقدم لخطبة إحدى بناتهم حتى ولو كان متزوجاً. إذ إن النظام أتاح لهم سلطة كاملة ويستطيعون إيذاء أي شخص ولديهم صلاحيات واسعة بالاعتقال والتهديد وقد تصل للقتل. لذلك فإن الكثير من حالات الزواج تمت بسبب هذا الأمر.
تشرح ميادة وهي سيدة من سكان حي السجن وسط اللاذقية أن الوضع صعب لمن رغب وقرر البقاء في المدينة، بعضهم قرر تهريب الشباب لكن وضع الفتيات لا يقل خطورة عن وضع الشباب، فهي تعرف الكثير من الشابات تزوجن من شبيحة مرغمات رغم اختلاف الهوية الدينية والاجتماعية وحتى الفوارق في العمر والتعليم لكنهن كانوا مرغمات لحماية أنفسهن وأسرهن، مشيرة إلى أنهن مدركات أيضاً مخاطر أن يكن زوجات لرجال لايحفظن حقوقهن ولديهم أولويات وهي أسرهم الأساسية، منوهة إلى أن الزواج الثاني أيضاً شكّل نوعاً من زيادة الرجولة بين الرجال في اللاذقية. كمان أن الكثير من هذه الزيجات تمت دون وجود إثبات، فضلاً عن عدم وجود قانون يحمي النساء وانشغال النظام بتعزيز وتقوية الرجال للاستفادة منهم بالحرب مع تركه لهم حرية التصرف من خلال تعدد الزوجات وانتهاك حقوق الفتيات أو تهديهم دون أي رقابة أو حساب.
يشار إلى أن مدينة اللاذقية شهدت عدة جرائم قتل أقدم عليها شباب مسلحون بحق فتيات رفضن الزواج بهم كان أبرزها مقتل شابتين من عائلة جبور بعد هجوم خطيب إحداهن على خلفية فسخ خطبتها به على منزلهم في القرداحة وإطلاق النار على العائلة ما أدى إلى مقتل الشابتين وإصابة والدتهما وأخيهما بجروح خطيرة تم نقلهما إثر الحادثة إلى المشفى ليبقيا هناك عدة أسابيع.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”