fbpx

الذمة المالية للزوجة في ضوء القانون والواقع

0 222

عرفت المجتمعات البشرية الزواج كأول مؤسسة مالية، تربط بين شخصين في علاقة تشاركية تحقق مصالح متبادلة للطرفين (رجل وامرأة) كزوجين في تقسيم الأدوار بينهما، يقوم الزوج بالحماية وتعمل الزوجة في المنزل من طهي ورعاية للأطفال. ضمن هذا النطاق يندرج الزواج في معناه التعاقدي للناحية الاقتصادية ليشكل التزامات مالية وقانونية بين الطرفين، أما للناحية الأخلاقية يفترض أن يقوم على المحبة والاحترام بين الزوج والزوجة.

خضعت مؤسسة الزواج لقوانين مختلفة، حسب الزمان، والمكان، والعامل المشترك في كل مراحلها هو العرف القائم، والمعتقدات الدينية التي كان لها القسم الأكبر في رسم قواعد العلاقة الزوجية وفق قوانينها، وتحديد التزامات كل طرف في العلاقة، فغالبية الأديان تحمل الزوج المسؤولية في الإنفاق على الأسرة. وبنفس الوقت له الملكية الكاملة للأسرة (رب الأسرة) أي انه يمتلك السلطة، والمال. رسخت هذه المعادلة بالقوانين التي سارت على خطى ونهج الأديان وهذا حال القانون السوري المستمد من الشريعة الإسلامية حيث نظم قانون الأحوال الشخصية العلاقة الزوجية للناحية المالية بأن جعل الذمة المالية مستقلة لكلا الزوجين وطبق القانون إلى وقت قريب على معظم المواطنين بغض النظر عن أديانهم.

إذاً إلى وقت قريب كان نظام الإرث الإسلامي مطبق على أغلب المواطنين السوريين باعتباره حجر الأساس بالملكية وتوزيع الثروة المالية. لكن هذا النظام لم يبق الوحيد المعمول به فمنذ العهد العثماني طبق نظام الإرث القانوني الذي يختلف عن الإرث الشرعي الإسلامي بأنه يساوي بين الذكر والأنثى بالميراث، لكن للأسف يطبق على العقارات الأميرية فقط، وليس على كل الملكية التي يطبق عليها الإرث الشرعي بالنسبة للمسلمين كالأموال المنقولة وغير المنقولة (العقارات الواقعة ضمن المخطط التنظيمي) وما يسمى بالعقارات الملك. يختلف الحال لدى بقية الأديان فمعظم الطوائف المسيحية عدلت قوانين الإرث لديها وساوت بين الذكر والأنثى في الميراث.

يعاب على نظام الإرث الشرعي الإسلامي عدم مساواته بين الذكر والأنثى في الميراث ومجافاته للعدالة لظلمه للمرأة وانتقاصه من حقوقها كإنسانة يجب أن تتمتع بكامل حقوقها ومنها الحقوق المالية. وقد برر فقهاء المسلمون في تمييز الرجل عن المرأة في الميراث أنه ملزم بالإنفاق على الأسرة والمرأة غير ملزمة بذلك وأن الزوجة مستقلة في ذمتها المالية عن الزوج وليست ملزمة بأي إنفاق على أسرتها مهما كان الوضع المادي للزوج سيئاً وترك الأمر لأخلاق الزوجة وتربيتها وهذا أيضاً معيب، إذ يجعل من العلاقة الزوجية علاقة قائمة على المصالح وليس على الانسجام الروحي والمحبة التي هي أساس الزواج.

اعتبر مؤيدو النظام الشرعي الإسلامي أن استقلالية الذمة المالية للزوجة عن زوجها عطاء وميزة كرّم الإسلام المرأة فيها، لكن للأسف من وجهة نظر حقوقية لا يمثل ذلك تكريما للمرأة في غياب حقوقها كإنسانة وتولية الرجل عليها، فافتقادها للولاية وظلمها بالإرث يفقد هذا النظام صفة العدالة. والواقع القائم فإن ذمة الزوجة المالية مستباحة للزوج في حين أن ذمته المالية مستقلة عن زوجته.

معظم النساء ينفقن مالهن في المنزل دون انتظار إنفاق الزوج، والعاملات منهن يكون الأمر مضاعفاً بالخدمة المنزلية ورعاية شؤون الأسرة والعمل خارج المنزل وكونه لا يعفيهن من أعباء المنزل دون مشاركة الزوج في هذه الأعباء، ورغم ذلك نجد بعضاً منهن لا يمتلكن حرية التصرف بأموالهن لأن الزوج هو المقرر بذلك فتقضي المرأة حياتها تحت سلطة الرجل بداية من الأب والأخ ثم الزوج فالقانون والمجتمع أمدا الرجل بالسلطة والمال في حين بقيت المرأة تلهث وراء حقوقها حتى تلك التي أقرها القانون تنتقص بالعرف والعادات السائدة.

البعد عن السمة التشاركية في الحقوق المالية بين الزوج والزوجة من الناحية القانونية وتبعية الزوجة للزوج يجعل من ادعاء استقلالية ذمتها صورياً إذا ما تمت مقارنتها مع الواقع الفعلي، ففي غالب الأحيان تبقى ذمة الزوج مشغولة تجاه زوجته لتحكّمه بمالها وعدم تمكنها من التصرف فيه، وهذا الأمر لا يعني أن الاستقلالية لذمة الزوجين هي المطلوبة، بل المطلوب الوصول إلى علاقة تشاركية تجعل من الزواج مؤسسة قائمة على المحبة والتسامح بين الزوجين دون تغليب طرف على آخر أو بالأحرى اعتبارهما شخصية معنوية واعتبارية في نفس الوقت بنيتها ونواتها الحب وهدفها بناء أسرة تكون خلية خيرة فاعلة بالمجتمع يؤدي وجود هذه الخلايا إلى تنمية مستدامة وتطور مستمر للمجتمع المكونة له.

وحده القانون القائم على المساواة بين أفراد المجتمع دون تمييز أو اعتبار لجنس أو لون أو لغة أو رأي  أو…. هو الكفيل بتقدم المجتمع ونموه والسبيل الوحيد للوصول لعدالة التي هي غاية القوانين ومبتغاها. 

يجب أن ندرك أن تقدمنا والخلاص من عجزنا يبدأ بإلغاء القوانين التمييزية والمساواة بين المواطنين وهو سبيلنا الوحيد نحو دولة المواطنة والقانون.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني