fbpx

الديمقراطية والتحول الديمقراطي (مفهوم وواقع) مفهوم الديمقراطية ومعناها:

0 702

أعتقد أنه لا يوجد تعريف جامع مانع (دقيق) للديمقراطية يتفق عليه جميع البشر ويُجمع عليه الفلاسفة والمفكرون ورجال الفكر والسياسة والاقتصاد وعلماء الاجتماع، لأن الديمقراطية مفهوم متغيّر ومتطور باستمرار مع متغيرات وتطور الحياة نفسها، ولكن يتفق الجميع على أن مفهوم الديمقراطية يرتبط بالمساواة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية واحترام حقوق الانسان والدفاع عنها والتأكيد على حرية الرأي وحرية المطبوعات وحرية التعبير… فالديمقراطية تعبر عن مبدأ هام من مبادئ حقوق الإنسان بأن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات دون أي نوع من التمييز ولهم الحق بالمشاركة السياسية والترشيح والانتخاب.


تتطلب الديمقراطية حواراً يتسم بالاحترام مع الاعتراف بالآخر وهي البوابة الكبيرة للدخول للحداثة والخروج من حالة التخلف وهي جسر الخلاص لأي مجتمع من الاستبداد وتحقيق إنسانية الإنسان.
وهي الضامن الأساسي والرئيسي لسيادة القانون، وتوظيف الفعاليات الاجتماعية، وتوجيه الحراك السياسي والاقتصادي لصالح المجتمع والمحافظة على استقلال البلاد وربط الحاضر بالمستقبل الأفضل.
فهي شكل من أشكال الحكم الذي يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة إما مباشرة أو من خلال ممثلين منتخبين.
الديمقراطية نظام اجتماعي مميّز يؤمن به ويسير على نهجه كل أفراد المجتمع ويعكس ثقافة سياسية في جوهرها الإيمان بمبدأ تداول السلطة سلمياً.
فالمجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي يتعايش فيه أشخاص أحرار ومسؤولون، فهم أحرار لأنهم يختارون ما يريدون بحرية بعيداً عن الضغط والإكراه بل عن وعي وقناعة، ومسؤولون لأنهم يدركون أن حريتهم تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين.
والضامن الأساسي لتنظيم العلاقة بين المواطنين هو القانون وسيادة الدستور.

التحول الديمقراطي
تعريف التحول الديمقراطي
يرى هنتنغتون أنّ أهمّ إجراء في عمليّة التحوّل إلى الديمقراطيّة هو تغيير حكومة لم يتمّ اختيارها بطريقة ديمقراطية واستبدالها بأخرى من خلال انتخابات حرّة وعَلنيّة ونزيهة، مشيراً إلى أنّ عملية التحوّل إلى الديمقراطية قبل وبعد الانتخابات هي عملية معقّدة تستغرق وقتاً لاشتمالها على إسقاط نظام غير ديمقراطي واستبداله بآخر ديمقراطي ثمّ السعي نحو تدعيم أُسس البنية الديمقراطية.
بينما يرى الباحث الفرنسي “جاي هيرميت” عمليّة تتعلّق بالوقت أكثر من تعلّقها بما تدلّ عليه بالفعل، فهي تمثّل الفترة المتغيّرة من الوقت التي تنقضي بين سقوط النّظام الديكتاتوري واللّحظة التي يصبح فيها النّظام الديمقراطي الجديد مُسيطراً تماماً على السلطة، وتنتهي تلك الفترة عندما تقيم هذه الديمقراطية لنفسها دستوراً ومؤسّسات شرعية ودستورية، هذا فضلاً عن ضرورة حصول هؤلاء القادة الديمقراطيين الجُدد على الاعتراف بسلطتهم من قبل الجيش والمؤسّسات الأخرى، ما يجعل من المُمكن انتقال السلطة بالوسائل السلميّة على الأقلّ.
يعرفها جوان لينز بأنها مرحلة وسيطة تشهد تفكيك النظام غير الديمقراطي القديم أو انهياره وبناء نظام ديمقراطي جديد، وفي الغالب تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي مثل: “البنية الدستورية والقانونية، والمؤسّسات والعمليّات السياسية، وأنماط مُشارَكة المواطنين في العملية السياسية”، كما أشار إلى خطورة تلك المرحلة لما تشهده من صراعات ومساومات وعمليّات تفاوض بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين.
أكّد هيرميت أيضاً على أنّ التحوّل هو وضع انتقالي بطبيعته ولا يمكن اعتبار النتيجة الديمقراطية للتحوّل أمراً مفروغاً منه، حيث إنّه قد ينقلب الوضع إلى ديكتاتورية في حال الفشل أو قد تتوقّف عمليّة الديمقراطية قبل أن تكتمل.
يرى إيتيل سولينجن التحوّل الديمقراطي على أنه “حركة النظام السياسي تجاه الأخذ بالإجراءات التالية: نوّاب مُنتخَبون عبر انتخابات حرّة نزيهة، حقّ تولّي المناصب العامّة والوصول إلى السلطة، توفر مصادر بديلة للمعلومات مدعومة قانونيّاً، واستقلاليّة مؤسّسية”.
أمّا برهان غليون، فيعرِّف التحوّل الديمقراطي بأنّه “العمل على امتصاص التناقضات الكبرى والعنيفة، وتخفيف درجة التوتّر العالي الذي لا يمكن احتماله ويهدِّد المسيرة الديمقراطية قبل أن تبدأ”.
استعراض هذه التعريفات يدل على أنه لا يوجد تعريف دقيق جامع مانع للتحول الديمقراطي ولكننا.
نستنتج من التعريفات السابقة:
أنّ التحوّل الديمقراطي هو عملية أو مرحلة وسيطة بالغة التعقيد يقترن نجاحها بحتميّة توفر مجموعة من الشروط التي بدونها قد يفشل التحوّل، وتتمثّل هذه الشروط في مدى إمكانية تحقيق التوافق بين الفاعلين السياسيّين الرئيسيّين حول ترتيبات دستورية ومؤسّسية متمثِّلة في صياغة دستور جديد، وتشكيل حكومة مُنتخَبة لديها من الصلاحيات ما يُمكّنها من ممارسة السلطة ومن إقرار سياسات جديدة تعكس حالة الانتقال إلى الديمقراطية، واستناداً إلى هذا التعريف، يمكن القول إنّ عمليّة التحوّل أو الانتقال الديمقراطي تتّسم بسمتَين أساسيّتَين هما:

  • التعقيد، حيث تشير إلى التحوّلات في البنى والأهداف والعمليّات التي تؤثِّر على توزيع ممارسة السلطة السياسية، فضلاً عن كونها محصّلة لعمليات معقّدة تتفاعل فيها مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية
  • عدم التأكّد، حيث إنّه في حالة عدم اكتمال شروط تحقيق العملية الديمقراطية قد ترتدّ مرّة أخرى إلى النّظام السلطوي، ولاسيّما أنّ مؤسّسات النّظام السلطوي عادةً ما تكون موجودة جنباً إلى جنب مع مؤسّسات النِّظام الديمقراطي الجديد.
    إن عملية التحوّل الديمقراطي من الناحية النظرية هي عملية الانتقال من نظام تسلطي استبدادي فردي إلى نظام تعددي، بعيداً عن الهيمنة والتفرد بالحكم غير تسلطي يقوم على مبادئ أساسية. العدالة والمساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في الحياة العامة واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون.
    أما من الناحية العملية تتجسد أنظمة الحكم الديمقراطي من خلال معايير أساسية تتعلق وتعبر عن مبادئ يجب توفرها، أهمها:
  • مبدأ الحرية التنظيمية والفكرية ويشمل ذلك حرية التنظيمات الحزبية وتكون محمية بالقانون وكذلك حرية التعبير والتعددية السياسية وحرية الصحافة والإعلام..
  • مبدأ التبادل السلمي للسلطة طبقاً لقواعد قانونيه.
  • مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والمبادئ الدستورية التي تصدر عنها القوانين كمرجع رئيسي في التعامل بين جميع أفراد الشعب وبين الشعب والسلطات وبين السلطات وبين المؤسسات الحكومية والاجتماعية والسياسية المختلفة. والعلاقة بين ما هو نظري وما هو عملي علاقة تلازم وتكامل.
    ويمر التحول الديمقراطي بمراحل متعددة وتختلف هذه المراحل باختلاف الظروف الذاتية والموضوعية لأي مجتمع أو دولة أو أمة، لكن يمكن أن نحدد ضرورة المراحل الأساسية الآتية:
  • مرحلة ما قبل التحول حيث تعبر هذه المرحلة عن حالة المجابهة والتصدي للنظام التسلطي الاستبدادي.
  • مرحلة الانهيار أي انهيار النظام الاستبدادي التسلطي وتفكك مؤسساته وأجهزته الأمنية والبدء بإرساء نظام جديد ديمقراطي يعبر عنه بتشريع دستور ديمقراطي وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية.
  • مرحلة التماسك الديمقراطي، يعبر عنها التناغم والتماسك بين مختلف مؤسسات المجتمع المدني وبينها وبين الدولة ومؤسساتها.
    مراحل التحول الديمقراطي:
    عملية التحول الديمقراطي، عملية معقدة وقد تستمر طويلاً وانهيار النظام الاستبدادي التسلطي لا يعني بالضرورة أن يكون بديله ديمقراطياً كما أن نجاح البديل الديمقراطي لا يعني نجاحه التام كنظام راسخ ومستقر، خصوصاً عندما لا تتوفر تلك الشروط والعوامل والمتطلبات الضرورية للنظام الديمقراطي لأن رسوخ النظام الديمقراطي مرتبط بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والمرجعية الدستورية المستندة على مبادئ حقوق الإنسان والشرعة الدولية لحقوق الإنسان وإشاعة الحريات المدنية لجميع المواطنين.
    أما طرق التحول فقد تكون من الأعلى أي من داخل النظام بتأثير عدة عوامل، أو من الأسفل، يقوده الشعب بشكل مباشر أو من خلال أحزابه ومنظماته.
    وقد يكون التحول من خلال التفاوض بين السلطة الحاكمة وممثلي قوى الشعب (المعارضة) ويتم التحول أيضاً عسكرياً، أي حرب وصراعات وصدامات وأعمال قتالية ويؤثر فيها وتتحكم بمقدراتها مصالح وتوازنات داخلية وخارجية دولية وإقليمية. ويلعب الدور في ذلك رفض النظام الحاكم للتغيير مواكباً متطلبات الشعب ورغبته بالتحول الديمقراطي واختياره للحسم العسكري بالمقابل عدم توفر القوة لدى جناح التغيير لإجبار النظام على التغيير أو حسم الصراع لصالح الشعب وهنا تكون القوى المعارضة ذات المصلحة بالتحول الديمقراطي ضعيفة مشتتة.
    والجدير ذكره، إن بمرحلة التحول الديمقراطي تبرز مجموعة من التحديات، أهمها، التحديات الاجتماعية، فمن الصعب تغيير مستوى الوعي الشعبي وتخطي المألوف كما أنه من الصعب جداً تغيير الأنماط
    الاقتصادية الاجتماعية المترسخة.
    لذلك، فإن التغيير الديمقراطي يتطلب المضي قدماً نحو الديمقراطية بنضال دؤوب ومستمر.
    ومن التحديات أيضاً، التحديات السياسية التي تتمثل بتدعيم الديمقراطية ومواجهة القلق الشعبي وفوضى الأزمات والعمل لترجيح كفة القوى الديمقراطية المتصارعة مع النظام الديكتاتوري والعمل لبناء حكومة تتمتع بقدر كاف من الثقة والدعم الشعبي، تعمل هذه الحكومة على تفكيك المنظومة الرئاسية والحزبية والأمنية المرتبطة بالنظام الاستبدادي.
    أما التحديات الاقتصادية فتتمثل بالسعي للاستقرار الاقتصادي والعمل على أن يلعب هذا الاقتصاد دوره في دعم التحولات السياسية الديمقراطية ومحاربة البطالة ومعدل التضخم والفقر والعمل على تقليص الفارق بين الطبقات الاجتماعية والحد من الفوارق المبالغ فيها في اللامساواة بين الطبقات وتطوير مستوى الاستثمار والتعليم، وتمتين البنية الأساسية بتحقيق نمو اقتصادي مصحوب بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، والمساواة.
    فالانتقال للديمقراطية ومواجهة التحديات السابقة يتطلب اتخاذ إجراءات هامة منها الدستور، أي، عقد اجتماعي جديد ووضع الترتيبات الجديدة بقطع الصلة مع المرحلة السابقة عن طريق المشاركة الشعبية وتطوير دور الأحزاب لتساهم إيجابياً ببناء الحياة الديمقراطية واعتماد التوافق بين الأطراف المتعارضة من خلال المبادئ العامة للمجتمع الديمقراطي وإعادة تأهيل دور الجيش والشرطة وربط الاجهزة الأمنية بوزارة الداخلية ووزارة العدل بما لا يخالف الدستور ويخدم فترة التحول الديمقراطي. ولا بد من القول: إن هذه الإجراءات تأخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة حسب ظروف كل دولة وكل مجتمع، ويجب التأكيد على دور القضاء واستقلاله في عملية التحول الديمقراطي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني