الدولة الدينية هي الفخ المنصوب للتغيير الديمقراطي
منذ أن بدأت حركات التحرر العالمي وخاصة العربية بالنهوض والعمل على التغيير الديمقراطي من نير الأنظمة الشمولية والعسكرية الديكتاتورية، التي كانت تخدم القوى الدولية المهيمنة على الساحة والمتصارعة على النفوذ فيها، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فقد رسمت الخطط لإجهاض هذا الحراك بتفجيره من الداخل، وزرع مجموعات متطرفة تحمل شعارات استئصالية واقصائية، تقسم الصف وتثير الصراعات بين قوى الثورة والتغيير من هيمنة الأنظمة القمعية الأحادية، وتدعو لإقامة نظام شمولي أكثر قمعاً وإجراماً.
وتعتبر عملية زرع تنظيم القاعدة في أفغانستان من قبل المخابرات الأمريكية، بالتعاون مع النظام السعودي آنذاك، هي نقطة التحول في تاريخ الحركة الإسلامية من حركة دعوية سلمية إلى حركة مسلحة، تعمل على إقامة نظام ديني شمولي تجاوزه الزمن.
وهكذا تحولت أفغانستان من خلال تنظيم القاعدة إلى وكر لغسل الأدمغة، وتكوين مجموعات العنف والإرهاب لتصديرها إلى الوطن العربي. وهنا لا بد أن نشير إلى أن أغلب الأنظمة العربية استغلت هذا الظهور، لاختراق هذه المجموعات من خلال أجهزتها المخابراتية، لتوظيفها في الوقت المناسب.
وهذا ما حدث خلال انطلاقة الربيع العربي، الحركات الإسلامية هي أكثر تنظيماً، وتتوفر على فضاءات مساعدة مثل المساجد، ومناخات مثل المناسبات الدينية، لبثّ فكرها المتطرف، واستقطاب الشباب المندفع في صفوفها، وكلنا يعرف مدى تأصل العاطفة الدينية لدى مجتمعاتنا، ومن هذا الوضع فقد استطاعت الأحزاب والحركات الدينية أن تحجز لها مواقع الصدارة في حراك الثورات العربية، وهذا ما حدث في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي وفي مصر وتونس وليبيا وبعدها في سوريا من خلال حراك الربيع العربي.
وبالرغم من أن بعض هذه الأحزاب رفعت شعارات ديمقراطية، ولجأت للتشاركية، رغم أكثريتها، مثل حركة النهضة التونسية، عكس ما فعل به الإخوان في مصر، فإن النتيجة واحدة، وهي تسهيل وصول هذه الحركات لتهيئة الجمهور للاحتجاج عليها، وينتهي بجلب ديكتاتور عميل يعتبر المنقذ، كما حدث مع السيسي، وسعيد، ومشروع حفتر.
أو كما جرت محاولات زرع المجموعات الدينية المتطرفة من قبل النظام الأسدي، بالتعاون مع الحريصين على بقائه واستمراره، كمجموعة علوش في الغوطة، والجولاني وحلفائه، وداعش وغيرها، التي عملت ومازالت تعمل لأسلمة الثورة وحرفها عن مسارها الوطني الشامل، لتعطي مبررات لدعم النظام من قبل القوى التي لها مصلحة بعدم نجاح هذه الثورة، وتفكيك مكونات الشعب السوري.
وفي هذا المجال، علينا أن نفرّق بين المشاعر الدينية التي هي متأصلة في نفوس مجتمعاتنا، وتعتبر رصيداً خُلقيّاً واجتماعياً يعمل على وحدة المجتمع، وفق المبادئ الدينية السمحة، وبين استغلال هذه المشاعر ودفعها في مواقف وأعمال تسيء للدين، وتشوه صورته الإنسانية، التي حافظت عليها الأجيال مدة خمسة عشر قرناً، فارضاً الاحترام على جميع العالم.
لذلك إننا نعتبر أن زرع الحركات الدينية المتطرفة، هي عملية مخابراتية محلية ودولية، هدفها إجهاض عملية التغيير السلمي الديمقراطي، الذي قامت به الشعوب العربية ضد الأنظمة الديكتاتورية القمعية، التي همّشت الشعوب.
إن عملية تحييد هذه المجموعات، وإبعادها عن الحراك الشعبي الثوري، أولوية لسحب البساط من تحت أرجل الأنظمة، وفي مقدمتها نظام الأسد، التي تستثمر بوجودها، وضرورة قيام توافق وطني شامل، يضمن الانتقال السلمي، وحماية كل مكونات الوطن على أسس العدالة الانتقالية.