fbpx

الدكتورة بتول عيسى لـ نينار برس: التطوير العمراني يجمع الأبعاد الهندسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية والتطوير العقاري هو نشاط تجاري

0 134

لا يمكن فهم إعادة إعمار سورية بعد سقوط نظام الإبادة والتدمير الأسدي بغير فهم الفرق بين مفهومين يتصلان بهذه العملية وهما التطوير العقاري والتطوير العمراني. فالأول هو نشاط تجاري يستهدف الربح من خلال نشاطه في إقامة الأبنية، أما التطوير العمراني فهو يمنح الهوية البصرية للعمران إضافة إلى الاستدامة.

نينار برس التقت عن بعد الدكتورة في علوم هندسة العمارة وطرحت عليها أسئلتها، فكان هذا الحوار.

نينار برس

يتم تداول عدة مصطلحات تخطيطية كالتطوير العقاري والتطوير العمراني لمرحلة إعادة الإعمار في سورية. ما الفرق بين هذه المفاهيم؟

فروق بين مفهومي التطويرين العقاري والعمراني

تجيب الدكتورة في هندسة العمارة السيّدة بتول عيسى على سؤالنا فتقول:

يُفهم التطوير العقاري عادةً كنشاط تجاري أو استثماري يهدف إلى بناء أو تجديد الممتلكات العقارية بغرض تحقيق الربح المالي. ويرتبط غالباً بعمليات البيع والشراء، واستغلال الأراضي لبناء مشاريع سكنية أو تجارية، دون التفكير بالضرورة بالتأثيرات الأوسع على المدينة أو المجتمع.

يتحول العقار وفق هذا المنظور إلى سلعة، ويسبب إفراطاً في استغلال الأرض، ما يضعف البيئة الحضرية ويؤدي إلى فقدان الهوية البصرية والعمرانية، ويتناقض هذا المفهوم فلسفياً مع تحقيق العدالة المكانية.

وتوضح الدكتورة بتول:

لطالما كان لهذا النوع من التطوير في الواقع السوري دور سلبي ساهم في تردي النواحي الفنية التخطيطية للمناطق العمرانية، خاصة مع غياب الرقابة القانونية والتخطيطية الفعّالة.

التطوير العمراني هو الأهم:

تضيف الدكتورة بتول عيسى:

أما التطوير العمراني فهو عملية هندسية تخطيطية، تهدف إلى تحسين نوعية الحياة في المناطق الحضرية من خلال تنظيم الفضاءات المبنية، تطوير البنية التحتية، تحسين جودة السكن، وتوفير الخدمات، مع مراعاة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.

وفي المستوى الأعلى، هو مفهوم شمولي مستقبلي يرتكز إلى مفاهيم التكامل والاستدامة، يجمع بين الأبعاد الهندسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية. ويعكس رؤية استراتيجية لدى أصحاب القرار بتحسين جودة الحياة وضمان العدالة الاجتماعية والبيئية، ويكون المواطن هو محور العملية وليس مجرد مستفيد أو شاغل للعقار.

وتتابع الدكتورة بتول:

بالمقارنة بين هذين المفهومين فإن مستقبل العمران في سورية يتطلب التركيز على التطوير العمراني باعتباره عملية بنائية متكاملة، تعزز تكامل الأحياء، تحترم التراث العمراني، تراعي تحديات المناخ والبيئة، مع التأكيد على العنصر الأهم: إشراك المجتمعات المحلية في القرار.

وإذا نظرنا إلى التطوير العقاري كمرحلة أولى في دورة عمر المدينة، إلا أنه غير فعّال على المدى البعيد في تلبية تطلعات الشعب والمواطن السوري.

ما يدفعنا بشكل حتمي إلى العمل على التطوير العمراني كتعبير عن وعي مستقبلي شامل، نرى وفقه التجمع الحضري كإطار شامل، يتفاعل الإنسان فيه مع البيئة والمكان والإرث التاريخي، ويسعى لتحقيق جودة حياة حقيقية ومستدامة.

نينار برس

متى يمكننا القول إن هناك تطوير حقيقي على مستوى العمران في سورية؟

تجيب الدكتورة بتول:

عندما يشهد الفضاء الحضري تحسناً ملموساً في جودة الحياة بكل ما تتطلبه من تحسن في البنية التحتية، دمج للمجتمعات المحلية في التخطيط، وتحقيق التكامل بين النمو العمراني والتوازن البيئي والاجتماعي ضمن إطار الاستدامة

ويُعدُّ رضا الشاغلين والمستفيدين المحور الأساسي في هذا التطوير

نينار برس

كيف يمكن تحقيق معادلة توازن العلاقة بين الإقليمي والمحلي؟

تقول الدكتورة بتول:

يمكن ذلك بالتركيز على التطوير العمراني القائم على فهم الخصائص البيئية، الاقتصادية، والاجتماعية على المستوى الإقليمي (مثل الموارد الطبيعية، المناخ، الاقتصاد العام…. الخ). ومن ثم تصميم تدخلات محلية تلبي احتياجات السكان وتتناسب مع الظروف البيئية والثقافية.

يجب أن يضمن التخطيط الإقليمي الشامل توازن الرؤية العمرانية بين توجهات التخطيط الإقليمي الشامل والاستجابات المحلية الفعلية، من خلال برامج تنفيذية تحقق استدامة التطوير وحيويته بين الكل والجزء وعلى كافة المستويات بشكل مترابط مع تعزيز دور المشاركة المجتمعية

نينار برس

هل يُعدُّ تطبيق الاستدامة في التطوير العمراني أمراً ضروريا؟؟ وفي حال كان ذلك ما هي ركائز التطوير العمراني المستدام سواء على مستوى اعتباره صديقاً للبيئة، أو على مستوى جماليات الهوية البصرية العمرانية؟ ومتى نطلق عليه صفة الاستدامة؟

تجيب الدكتورة بتول موضحة:

لم يعد موضوع الاستدامة ترفاً فكرياً بل هو حاجة ملحّة، مع التأكيد على البعد الاستراتيجي في عملية التطوير العمراني المستدام من خلال مجموعة من المبادئ الأساسية، التي تبدأ بتوفير بيانات دقيقة عن النطاق العمراني، ورسم خطط عمرانية لمجمعات حضرية تستهلك الطاقة باسترشاد وكفاءة.

يتم ذلك بصياغة آليات تخطيطية تدمج كافة أنواع التحسين الخدمية (البنية التحية والمسطحات الخضراء والمواصلات) بالبنية الاجتماعية واقتصاديات المدينة وسوق العمالة والإسكان ضمن منظومة بيئية إقليمية وفق رؤية طويلة المدى.

وتضيف الدكتورة بتول:

أما بخصوص الهوية البصرية العمرانية، فإن مسائل الحفاظ على الطابع المعماري والثقافي المحلي، وتضمين عناصر جمالية تعبر عن الخصوصية التاريخية والبيئية، أمرٌ ضروريٌ في رأيي، لكن ذلك لا يندرج في سياق الاستدامة فقط، وإنما في سياق فهمنا العميق لبنية المكان واحتياجات الإنسان الروحية والوجدانية فيه، ورغبتنا كمصممين ومخططين بصياغة النموذج العمراني الذي يلامس الروح المتعبة بعد كل هذه السنوات من القهر.

يجب ألا ننسى أننا نبني لأجل مواطنين أنهكتهم الحروب، والمسكن هو المأوى الذي تسكن إليه النفس… وهنا نحن بحاجة إلى فضاءات عمرانية تخاطب الأرواح وتشعرها بالانتماء والراحة وتراعي ظروفهم الاقتصادية، وليس تأمين المكان بشكله المجرد فقط.

نينار برس

قبل الحرب في البلاد نشأت ظاهرة ترييف المدن بدلاً من تحضير الأرياف، من خلال غضّ الطرف عن بناء عشوائيات سكانها في غالبيتهم الكبيرة ينحدرون من أرياف سورية.

هل يمكن إلغاء مناطق السكن العشوائي واستبدالها بسكن نموذجه المعماري يتسق مع الهوية المعمارية للمدن؟ ما الإجراءات اللازمة لذلك وفق رؤية هندسية وقانونية؟

قانونياً:

هل باعتقادكم إن إعادة الإعمار ستضع في حسبانها تحقيق عدالة عقارية لأصحاب سكن العشوائيات؟

المطلوب إصلاحات قانونية

تجيب الدكتورة في هندسة العمارة بتول عيسى:

إن معالجة قضية العشوائيات أمر معقد وذو كلفة عالية، وأفضّل عدم استخدام كلمات من نمط (إلغاء مناطق السكن العشوائي) لأنها تؤدي إلى صدمة لدى الشاغلين لا تتوافق مع مبادئ حقوق السكن والأرض والملكية HLPالتي تشمل: ضمان حق الملكية، حماية السكان من الإخلاء القسري والمشاركة الفاعلة في صنع القرار المتعلق بالسكن والأراضي.

وتضيف الدكتورة بتول:

وسيؤدي إهمال هذه الحقوق إلى تفاقم الفقر الاجتماعي، التهجير، وضعف الاستقرار.

بالتالي، يجب أن تتضمن معالجة العشوائيات إصلاحات قانونية تمكّن السكان من توثيق حقوقهم، وتحسن الظروف المعيشية، مع ضمان المشاركة المجتمعية المستمرة

إجراءات مطلوبة

وتضيف الدكتورة بتول:

يتطلب ذلك إجراءات متعددة على المستويين الهندسي والقانوني:

فعلى المستوى الهندسي يجب إجراء مسح شامل للعشوائيات لتحديد أوضاع الأبنية الفنية، الملكية، والبنية التحتية. ومن ثم وضع خطط تطوير متكاملة تراعي معايير الاستدامة، وتوفر بنية تحتية حديثة وخدمات أساسية فعالة، مع تصميم معماري مستدام يحترم الطابع المحلي، وفق مفاهيم التصميم البيئي المناخي

أما من جهة الإجراءات القانونية فإن نقطة البداية يجب أن تكون بإصدار تشريعات وتحديد برامج عمل تنفيذية لتوثيق الملكية أو توفير بدائل تعويضية عادلة للسكان مع الأخذ بعين الاعتبار رغبتهم البقاء في الموقع من عدمها مقارنة بالبدائل المقترحة. وضمان حقوق السكن ومنع الإخلاء التعسفي بدون تعويض. مع إدماج السكان في عمليات التخطيط لضمان قبول الحلول وتحقيق العدالة الاجتماعية.

نينار برس

هناك دمار واسع في المدن والبلدات السورية خلفته الحرب. كيف يمكن وفق الرؤية العمرانية المستدامة خلق بديل عن المناطق المدمرة؟ هل إعادة الإعمار مشروع وطني فحسب أم إنه يرتكز على دعم دولي مختلف التمويل؟

إعادة الإعمار مشروع وطني

تعتبر الدكتورة بتول عيسى إن سؤال نينار برس مهم جدًا ويدخل في صلب النقاش حول الهوية السياسية والتنموية لإعادة الإعمار، وما إذا كانت عملية فوقية ومركزية، أم تشاركية ومحلية.

فتجيب عليه بالقول:

يُفترض أن تكون إعادة الإعمار مشروعاً وطنياً مرتبطاً ببناء الدولة والمجتمع والمؤسسات، وصياغة علاقة متوازنة بين المواطن والسلطة، بالاستناد إلى عقد اجتماعي يعكس رؤية وطنية للعدالة المكانية المجتمعية والمواطنة والتنمية المتوازنة.

لكن من حيث الواقع العملي فإن التمويل المحلي لا يكفي لتغطية نفقات المشروع، مما يجعل الحاجة إلى تدخل الجهات الخارجية كممول رئيسي أمراً واقعاً مفروضاً.

لا يجوز تسليم القرار للمستثمر

وتتابع الدكتورة بتول حديثها فتقول:

هنا تقع الإشكالية التي نخشاها، فإذا تم تسليم القرار التخطيطي للمركز أو للممول الأجنبي وحده فإن العملية ستتحول إلى مشاريع استثمارية بلا مضمون اجتماعي مما يؤدي إلى تهميش السكان المحليين، وتكريس اللامساواة بين المناطق.

لذلك يقع على الحكومة مسؤولية كبيرة وواجب وطني في اعتماد تشريعات تضمن عدم استئثار الممول أو المنفذ بالقرار التخطيطي، وإنجاز عمليات التخطيط الإقليمي الشامل وحصر الحقوق وتوثيقها قبل البدء بإعادة الإعمار.

مع التأكيد على أن يكون التعاون مع الممول وفق طرق قانونية وشروط تعاقد عادلة تحقق نجاح المشروع زمنياً واقتصادياً ويصون مستقبل المواطن السوري ويحميه.

نينار برس

هل على برنامج إعادة الإعمار أخذ خصوصية الطابع المحلي للمناطق بعين الاعتبار. ونقصد علاقة السكن بطبيعة البيئة وبالمناخ وبنمط الإنتاج المحلي؟

تجيب الدكتورة بتول على سؤالنا:

يرتبط نجاح الإعمار بالضرورة بـفهم خصوصيات البيئة المناخية، الأنماط الاجتماعية ونمط الإنتاج المحلي

كما يجب دمج المجتمع المحلي في القرار من خلال البلديات أو المجالس المحلية أو لجان الأحياء، لضمان القبول الشعبي، والحفاظ

على الروابط المجتمعية، وتضمين التشريعات بنوداً تلزم الممولين بتوظيف اليد العاملة المحلية بنسبة معينة وتوفير فرص عمل محلية.

ومن الضروري تطبيق اللامركزية الإدارية التي تسمح للمناطق بوضع أولوياتها، مع تخصيص جزء من التمويل لصالح للمبادرات المحلية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني