الدعوة إلى الإطاحة بالدستورية تخدم النظام.. والمطلوب إطار وطني يحميها
لنتفق منذ البدء على حقائق أتى بها القرار الدولي 2254 لعام 2015، فهذا القرار دعا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية من كل الأطراف السورية، ووضع دستور للبلاد، أو أن يتم إصلاح دستوري، يلغي من الدستور القائم كل ما من شأنه منح الاستبداد وأدواته كل دور وصلاحيات، وتحديداً ما يتعلق منها بأهم مؤسستين (مؤسسة الجيش ومؤسسة الأمن)، ثم يتم بعد ذلك إجراء انتخابات بإشراف تام من الأمم المتحدة.
هذه السلال كما يطلق عليها، هي سلال متكاملة ومتزامنة، لكن الروس عملوا في ظل غياب إرادة المجتمع الدولي على مفاوضات بدون سقف زمني وبدون إلزام من قرار مجلس الأمن المذكور ما يجعل من قضية الانتقال السياسي في سوريا أشبه بالمستحيل.
إن الدعوات التي تطالب بالإطاحة باللجنة الدستورية، ورفض مشاركة وفد المعارضة وهو شريك رئيسي في هذه اللجنة، إنما هي دعوة تلتقي مع أهداف النظام السوري، ومع المخطط الروسي للحل السياسي، والذي يريد تخريب مفاوضات جنيف واستبدالها بحل سياسي يعيد انتاج نظام الأسد رغم مئات آلاف الضحايا وملايين المهجرين.
هذه الدعوة لا تخدم قضية إنهاء نظام الاستبداد، هذا النظام الذي التحق بست جلسات تفاوضية مع وفد المعارضة في جنيف، كان يعمل خلالها على التهرب من التفاوض حول المبادئ الدستورية، لأنه يدرك كل الإدراك أن وضع دستور وطني يقر بالتعددية السياسية وتداول السلطة عبر انتخابات شفافة تراقبها وتشرف عليها الأمم المتحدة، هو نهاية لنظامه القهري، وبداية لفتح ملفات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري، ولا يزال يرتكبها.
الدعوة للإطاحة بوفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية هي دعوة تحتمل أكثر من مقدمة لأصحابها، فبعض دعاتها يقعون ببروبوغاندا ثورجية لا تقرأ بنية الواقع وموازين القوى الدولية والإقليمية فيه، مما يحيلها إلى دعوات لا ترى غير حلمها بالإطاحة بنظام الاستبداد دون وجود برنامج عمل أو خطة بديلة تحقق ما يصبون إليه.
وهناك دعوات للإطاحة باللجنة الدستورية يقف خلفها بعض المندسين الذين يعملون لمصلحة نظام الاستبداد بقصدية وتوارٍ عن الظهور العلني.
إن الدفاع عن وجود وفد المعارضة في اللجنة الدستورية يعني منع النظام من الإعلان عن عدم وجود شريك معارض يتفاوض معه، ولهذا فهو يهرب إلى مقولاته الكاذبة الممجوجة التي تتحدث عن الإرهاب وهو سيد هذا الإرهاب.
إن انسحاب المعارضة من مفاوضات جنيف هو انسحاب يسيء للقرار الدولي رقم 2254 ولبيان جنيف1، وبالتالي يبدو هذا الانسحاب وكأنه التحاق بالحل الروسي الذي يعمل على إعادة تأهيل النظام، كما أن الانسحاب سيضع قوى المجتمع الدولي في مربع لا يخدم توجهها في خدمة ومساندة القضية السورية بكل جوانبها، سواء العملية السياسية للانتقال من نظام حكم استبدادي إلى نظام حكم تداولي ديمقراطي، أو عملية إعادة إعمار سوريا بعد حدوث هذا الانتقال السياسي وقيام حكومة تمهد لانتخابات عادلة تنتج عنها حكومة تأتي على قاعدة ديمقراطية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحتاج عملية فرض تنفيذ القرار الدولي 2254 إلى بناء وإطار جديد لعمل المعارضة وقوى الثورة، فهذا البناء ينبغي أن تكون قاعدته التي يرتكز عليها هي قاعدة وحدة قوى الثورة والمعارضة والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، هذه القاعدة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مؤتمر وطني جامع، تحضره كل القوى والشخصيات والأحزاب المعارضة، مؤتمر له مخرجات ملزمة، ألا وهي انتخاب أو اختيار قيادة عمل وطني، تحمل مهمة تأطير قوى الشعب السوري، وجعلها قوة فاعلة في الضغط على المجتمع الدولي، وفرض ميزان قوى فاعل بمواجهة النظام وحلفه.
إن بقاء الشرذمة القائمة لقوى الثورة والمعارضة لن يخدم إنهاء نظام الاستبداد، ولهذا يكون على مؤسسة الائتلاف أن تدعو ممثلين عن الأحزاب والقوى على الأرض إلى مؤتمر جامع، بحيث يكون الائتلاف ممثلاً كغيره من قوى الفصائل أو الأحزاب والتيارات السياسية بغض النظر عن وزنها الكمي.
إن قوة وفد المعارضة في اللجنة الدستورية ضرورة للجم تهرّب النظام ومراوغة الروس باستحقاق كتابة مسودة دستور جديد، أو تغيير بنية دستور سابق بحيث تنتفي منه أي إمكانية لعودة الاستبداد.
إن بعض الجهل وعدم قراءة الواقع بصورة علمية وملموسة تدفع بعض القوى إلى القول أن النظام لن يهمه وجود دستور أو لا، وهذه رؤية خاطئة، لأنه لولم يكن خائفاً من وضع دستور جديد، لرأيناه ينكب على المساهمة بكتابته مع قوى المعارضة، لكنه يدرك تماماً أنه يحكم بموجب دستور فصّله على مقاسه، أما كتابة دستور جديد تنتفي منه كل ركائز الاستبداد فهو يعني أنه لن يحكم كما حكم طيلة خمسين عاماً ونيّف.
بقي أن نقول أن أي دعوة تطالب بالإطاحة باللجنة الدستورية كإطار للتفاوض، بغض النظر عن نوايا أصحابها، إنما هي دعوة لن تخدم قضية إنهاء الاستبداد، بل تخدم بقاءه ‘ذ لا شريك تفاوض يجب أن يأخذه بالحسبان.
إن الموقف من شخصيات موجودة ضمن وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، واتهامها بالتفريط والتعامل مع النظام وإن بطريقة سرّية، إنما غايته الإساءة لشخصيات وطنية معارضة، كما غايته التشكيك بهذه الشخصيات على قاعدة خلق حالة عدم ثقة بها، وفتح الباب أمام نسف وفد المعارضة واللجنة الدستورية، وهذا يخدم دون ريب النظام الاستبدادي، بقي أن نقول عن هذه الدعوات أن الطريق إلى جهنم مبلط بالنوايا الحسنة.