لم يبق في الدار لا بنت ولا ولد
أهكذا عند جوع يفعل الأسد
لم يبق لا مقلة تبكي ولا كبد
تنوء بالحزن أين الدمع والكبد؟
لم يبق لا نحلة تسعى لشهدتها
ولا رياض ولا كرم ولا شهد
لم يبق الا ذبابات مغفلة حيرى
إلى رزقها تسعى وتجتهد
ويلي على صبية هاموا بملعبهم
ما فارقوه ولكن فيه قد وئدوا
ويلي على مرضع جن الحليب بها
تبكي وتصرخ أين المهجة الولد؟
ويلي على طفلة تبكي ووالدها
قد صار في الغيب لم يعلم به أحد
ويلي على بطل يبكي بطولته
مثل العجوز التي تبكي وتفتقد
يود أن يقلع الأصفاد من دمه
وكيف يقدر وهي الحقد والحسد؟
يموت في قهره غصان مضطهداً
وليس يأسف عند الموت مضطهد
وما رجاؤك من عيش تمر به
لم يبق للعيش إلا أنت والوتد
يا بن الدنية من أعطاك رايتنا
لا الشعب زكى ولا أحراره عهدوا
خطفتها في ظلام الليل ممتطياً
ظهر الخيانة تكبو كلما تخد
خطفتها حين لا سمع ولا بصر
بخطة من يد الموساد تنعقد
عريان من نفق تمشي إلى نفق
كأنك الداء ينشي وهو يتئد
لم يخف دربك عنا منذ أن رُسمت
والراسمون ومن شقّوا ومن مهدوا
لاقوا لك العذر فيما أنت صانعه
لقد أضعت وهم في صنعهم وجدوا
الحرب والسلم بعض من مكائدهم
تهدى إليك فهم حلوا وهم عقدوا
يا من يرى الظلم جلاّباً لهيبته
بعدت في الوهم حتى رحت تبتعد
ومن تمنى علينا أن نخرّ له
إذا رضينا فأين الواحد الاحد
لو كنت سيد عهد كنت منتقياً
من صفوة الناس من يرجى ويعتمد
لكن رغبت بما أوتيت من طبع
إلى الأذلة من هانوا ومن كسدوا
إن قلت قالوا وإن اسكتهم سكتوا
ملجمين وإن قلت اسجدوا سجدوا
ما أهون الحكمَ في شعب يموت به
معنى الحياة ولا رأي ومعتقد
يا للرجال ألم تغضب حميتهم
لهول ما عاينوا فيهم وما شهدوا
كأنهم غنم والذل يجلدهم
يا ليت أنهم ماتوا وما جلدوا
خافوا من الموت والطاغوت فوقهم
أشد خوفاً إذا في وجهه نهدوا
أيأملون إذا عاشوا بطاعته
أن يسلم الدين والدنيا؟ لقد شردوا
ماذا دهاك ففي عينيك ألسنة
من اللهيب وفي أشداقك الزبد
شفيت غيظك بالأحرار تقهرهم
وذنبهم أنهم هموا لينتقدوا
وما أذلك مهزوماً ومنخذلاً
لما فررت وهم في قهرهم صمدوا
أنت الكئيب ولكن لا تقول لنا
تخفي الندامة وهي الخزي يبترد
نثرت في الشعب أرحاماً ملقحة
من الفساد وصارت كلها تلد
يا للحياء تغني وهي تنهشه
نهش الضواري ولا ترضى بما تجد
كيف استطاعوا؟ فلا تسأل لقد ولدوا
على الفساد وقد شبّوا وقد مردوا
تقودهم شهوات من طبائعهم
فهم وحوش ولو أن اسمهم أسد
شدوا ومدوا ظلاماً من غرائزهم
أنيابهم فيه والأظفار تتقد
صالوا وجالوا فما خلوا ولا تركوا
شيئا يعاش به إلا لمن فسدوا
عدوا على الناس أنفاساً وما سمحوا
بأن يزيد لهم عن حده العدد
حتى الأجنة خافت أن تصير لهم
فآثروا النوم في الأرحام واتئدوا
حتى البغايا اللواتي كن صائلة
في الحكم تُبن وقُلن سوف نبتعد
طافت بهم صبوات اللهوا جامحة
في ليل باريس والاغواء يحتشد
يمضون بين فنون العهر في دعة
والناس بين فنون القهر ترتعد
يد تبيع الغوالي من حضارتنا
لتنثر الدر فوق العاهرات يد
صاروا من الظلم أحلاماً منغصة
والناس من خوفهم باتوا وما رقدوا
تمشي بذكرهم الأيام عابسة
وكلما انهزلوا في محفل طردوا
يا خجلة الجبل الغالي إذا ذكروا
فهم بنوه ولكن طبعه جحدوا
خانوا أمانته لم يسمعوا مثلاً
لمن أشاروا ولا نقداً لمن نقدوا
أعطوا لأحراره أقداح غائلة
وأيقظوهم على الأوجاع واضطهدوا
غنوا له فاستحى أن لا يرد لهم
وناولوه من الكأس التي رصدوا
وذكروه بما في القلب من شجن
وحركوه واغروا كلما سردوا
وأركبوه على موج يسير به
بين العواصف والأمواج تطرد
ناديته فَصَحا لكنه تعب
والبحر مضطرب والشط مبتعد
وما بكى من خداع راح يغلبه
أبكاه أن ملكوا الدنيا وما سعدوا
بالأمس كانوا عراة في مساكنهم
واليوم ها هم عراة ما لهم سند
فليتهم أكلوا بقلاً وما بطروا
من النعيم ولا أشقاهم الرغد
وليتهم لم يكونوا وهي أمنية
أوحى بها الحزن والاوجاع والنكد
يا ظالمين لنا يوم سيجمعنا
فهيئوا الظلم كل الظلم واحتشدوا
سنهجم الهجمة الكبرى بلا أدب
ونضرب الضربة العظمى ونبترد
وإن عجزنا فللأيام حكمتها
الظلم يصرع أهليه ويزدرد
يا رب سلط عليهم من يعذبهم
بقدر ما عذبوا منا وما جلدوا
ولا يطيب لهم عيش بما نهبوا
وشملهم بين ذرات الثرى بدد
مالي وللحزن في لبنان أسأله
فلا يرد وأدعوه فلا يرد
كأنه ليس مني آهة شردت
أو خفقة نسيت تأتي وتتحد
غصّان يحسب أني قد غدرت به
وما غدرت ولكن ليس لي أحد
عندي من الحزن ما لو راح يشهده
في نومه لطَفا في جفنه السّهد
أنت الذي مد في لبنان شهوته
ناراً وعاراً ودعوى كلها عقد
ما كان أسعده لولاك في غده
لولاك ما زرعوا فيه وما حصدوا
لولاك ما دبر الجاني جنايته
ولا تلون في الوانه النكد
لاعبت فيه ضروع الحقد فامتلأت
على هواك وغذت كل من حقدوا
فرّقتهم بين مصروع ومعتقل
ومبعد ثم تدعوهم ليتحدوا
ويل لقلبك مسّاهم وصبحهم
بالمرعبات كما يغشاهم البرد
ويل لقلبك ما أقساه باغتهم
بالروع والضربة الصماء فانجمدوا
في كل يوم صباغ أنت لابسه
وزخرف من غرور القول ينجرد
حيض النساء دم يأتي بموعده
وحيضك القول لا يأتي بما تعد
خَلَت حياتك من معنى فلا شرف
تسعى اليه ولا عز ولا رشد
لا والذي خلق الأيام دائرة
لن تستقيم لك الأيام والبلد