الخلل الأمني في الشمال السوري.. من المسؤول عنه ومن يصححه؟
كان مشهد اصطفاف حرس الشرف على الجانبين، وتقديم السلاح في منطقة غصن الزيتون (عفرين وجوارها) لرئيس الائتلاف نصر الحريري والوفد المرافق له، برفقة وزير دفاع الحكومة المؤقتة، يحيل المرء إلى مشهد لا يخصّ منطقة تسيطر عليها فصائل الثورة المسلحة، بل يحيل إلى اعتقاد، أنك في حضرة دولة مستقرة آمنة، وقد وفد رئيس البلاد، لوضع حجر أساس لبناء صرح صحي أو تعليمي أو ما شابه ذلك.
هذا المشهد، لا يمكن أن يكون مقترناً بوضع أمني غير مستقر، تعيشه ذات المنطقة بين حين وآخر، وهذه الحالة ليست مرتبطة بهذه المنطقة بالذات، بل تشمل مناطق درع الفرات ونبع السلام، فالمناطق المذكورة يكاد لا يمرّ أسبوع عليها دون أن تتعرض لعمليات تفجير تقوم بها خلايا نائمة تتبع أعداء الثورة السورية، مثل النظام السوري، أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو بقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
هنا يمكن أن يُطرح سؤال صريح، لماذا تتم الاختراقات المعادية لهذه المناطق؟، هل الأمر متعلق بغياب جدي لقوات وجهاز أمن قادر على مراقبة ومتابعة كل التحركات غير الطبيعية في هذه المناطق؟ ومن المسؤول عن وضع الخطط الأمنية وتنفيذها؟.
هذه الأسئلة يجب أن تكون الإجابات عليها جدية تصدر عن حكومة فاعلة على الأرض، هي الحكومة المؤقتة، فهل هذه الحكومة هي من يُسأل عن الأمن في مناطق وجودها؟، أم أن وجودها يتعلق بمسؤوليتها عن دوائر خدمات ذات مهام لا علاقة لها بالأمن؟.
هناك خلل عميق ببنية إدارة المناطق التي يُطلق عليها تسمية (الشمال المحرر)، هذا الخلل باعتقادنا، يرتكز على غياب ودور مركزية قرار الأمن في كل هذه المناطق، فالذي يجري واقعياً، هو أن كل فصيل عسكري من فصائل الثورة مسؤول عن إدارة الأمن في مناطقه، دون التنسيق العام مع باقي المناطق.
إن ضرب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المناطق المحررة هو هدف أعداء الثورة السورية، وهو ذو أهداف بعيدة تريد النيل من الدور التركي، الذي يساعد قوى الثورة على تجذير نفسها وتعميق قدراتها في مواجهة النظام السوري، الذي أوصل البلاد إلى هذا المأزق الخطير.
بناء على هذه الرؤية، أليس من واجب الحليف التركي أن يضع رؤيته لإدارة المناطق المحررة بصورة مركزية شاملة؟، أليس المطلوب أن تشكل هذه المناطق قاعدة جذب واستقطاب للاجئين في تركيا؟ ما يساعد الحكومة الدولة التركية على التفرّغ لشؤون بلادها، ويساعد حكومة المناطق المحررة على بسط نفوذها الجدي، وليس المرتهن لإرادة وخبرات فصائل الثورة، التي تجيد القتال، ولكنها لا تجيد صنع الأمن.
إن الانتقال من حالة الفلتان الأمني الجارية في المناطق الشمالية المحررة، إلى حالة الضبط الأمني، تتطلب خطوات ملموسة على الأرض، أولها أن تخرج كل القوات العسكرية للفصائل من بين المدنيين، وهذا يجعلها قوة حماية حقيقية للمناطق، وليس قوة تحتمي بالمدنيين، وثاني هذه الخطوات يتطلب أن تعمل وتساعد الدولة التركية على خلق جيش وطني حقيقي، وليس كما هو الآن، إذ إن الواقع يشير إلى جيش هو عبارة عن تجمع فصائل لا تخضع لنظام الجيوش.
كذلك تحتاج المناطق المحررة إلى جهاز أمن داخلي، وجهاز مكافحة تجسس وأمن، يتبعان إلى الحكومة مباشرة، عبر وزارة مختصة بذلك، فلتكن وزارة الداخلية المؤقتة. وظيفتهما، فرض الأمن وإخضاع هذه المناطق لسلطة القانون، الذي تضعه الحكومة المؤقتة، التي يجب أن تمثل بصورة حقيقية كل السكان في هذه المناطق.
إن توحيد الفصائل بجيش وطني حقيقي لن يتيح للعدو انتهاك المناطق ببساطة، وهذه خطوة تساعد ليس على حماية مناطق الشمال السوري، بل تساعد الدولة التركية على جعل مناطق الشمال مناطق استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وعلمي، ما يدفع غالبية اللاجئين في تركيا إلى العودة إلى وطنهم سوريا.
هذه مقترحات يجب أن تنهض بها قوى الثورة كمهام عاجلة تضعها أمام الحليف التركي المساند لثورة سوريا، ويتطلب ذلك تشكيل وفد وطني من فعاليات الداخل المحرر ومن ممثلين عن اللاجئين السوريين في تركيا للقاء الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان، لشرح رؤيتهم وتفعيل قدراتهم ودورهم.
إن بقاء الأمور في الشمال السوري المحرر بهذه الوضعية المأسوية، يخدم أشخاصاً، ولا يخدم الشعب هناك، وهذا يتطلب التصحيح والتغيير بمساعدة الأشقاء الأتراك.
فهل يذهب السوريون في المحرر إلى هذه المطالب، أم أنهم ينتظرون الآخرين ليفعلوا عنهم، ما يجب أن يفعلوه؟.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”