fbpx

الحكومة الانتقالية المنتظرة.. وفاء الرئيس الشرع لبيانه الأول أم ذهاب إلى تعميق سيطرة اللون الواحد

0 80

لا يزال السوريون بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر ينتظرون تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات حقيقية لا يتدخل بشؤونها ممثلو “الإدارة السياسية” لهيئة تحرير الشام، وتكون معبّرة عن الطيف السوري بكل تلويناته السياسية ومكوناته الاجتماعية، فمثل هكذا حكومة ستكون دون شكٍّ مدخل السوريين إلى معادلةٍ هم بأشدّ الحاجة إلى تحقيقها، وهي تلازم مساري العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من جهة، والبدء بمشروع بناء دولة المواطنة، وإعادة إعمار البلاد من جهة ثانية، وهذه شروط لانتقالٍ سياسي حقيقي في البلاد.

منذ بدء حكمها أغفلت الحكومة التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أولويات خطوات الانتقال السياسي الضرورية، وفي مقدمتها أولوية عقد مؤتمر وطني شاملٍ لكل مكونات الشعب السوري السياسية وتمثيلاته الاجتماعية، إذ عقدت هذه الحكومة مؤتمراً دعت إليه أفراداً ليسوا ممثلين عن تلك القوى والتمثيلات، وهذا أفقد المؤتمر قدرة رسم طريق المرحلة الانتقالية، وبالتالي جعل من مخرجات هذا المؤتمر مرتكزاً صورياً لسياسة اللون الواحد التي لا تزال تُنفّذ في البلاد.

إن عقد مؤتمر “توصيات وطني” لا يمكن أن يرقى إلى أهمية وفعالية عقد “مؤتمرٍ وطني شاملٍ” يتمثّل فيه كل الطيف السياسي والاجتماعي السوري، وهذا لا يخدم عملية انتقال سياسي يرسم طريقها وأفقها السوريون، بقدر خدمته للونٍ سياسيٍ واحدٍ، بدا أن الرئيس الشرع يعمل على ترسيخه من خلال حملة تعيينات في المناصب الأولى وفي مفاصل الدولة العسكرية والأمنية ومؤسسات الدولة.

عقد مؤتمر “توصيات وطني” يعني أداة سدّ ذرائع لا أكثر لترسيخ حكم اللون السياسي الواحد، في حين عقد “مؤتمر وطني شامل” سيكون مرتكزاً لانتقال سياسي يعبّر عن مصالح وأهداف مكونات السوريين كلها، والمتمثّل بدولة مواطنة، ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان، وعلى فصل السلطات، وهذا يعني التوافق على عقدٍ اجتماعيٍ جديدٍ، يعبّر عن وحدة السوريين.

مؤتمر “التوصيات الوطني” كان معبراً للرئيس الشرع لتعيين لجنة على “مقاس رؤيته السياسية” كُلّفت بكتابة الإعلان الدستوري الذي أصدره منذ حين، في وقتٍ كان من المنطقي أن يتمّ اختيار هذه اللجنة من قبل مؤتمر وطني شامل، وهو أمرٌ أفقد هذه اللجنة تمثيلها لكل الطيف السياسي السوري وتعبيرها عنه، ولهذا جاء الإعلان الدستوري تعبيراً عن رؤية العهد الجديد التي يريد فرضها على السوريين، وليس تعبيراً عن توافقاتهم الحقيقية بما يخصّ مهام المرحلة الانتقالية.

الرئيس الشرع الذي برّر تشكيله حكومة تصريف الأعمال من لونه الإيديولوجي والسياسي بالقول إنها حكومة متجانسة، كان يريد من ذلك تمرير رؤيته في بنية الدولة السورية الجديدة بعيداً عن أهداف الثورة السورية في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية بصورة حقيقية. وهو أمرٌ دفع بالقوى الوطنية الديمقراطية السورية وبالمجتمع الدولي إلى التعبير عن قلقه بهذا الشأن، إذ طالبت قوى وطنية واسعة بإعادة النظر بالإعلان الدستوري أو بتعديله، كما صرّح كثير من مسؤولي المجتمع الدولي عن انتظار بلدانهم تشكيل حكومة انتقالية تمثّل كل الطيف السياسي والاجتماعي السوري، بل إن حكومات هذه البلدان ربطت بين تشكيل حكومة انتقالية تمثّل كل السوريين وبين برنامج دولي لإعادة الإعمار في سورية.

لقد قال الرئيس الشرع: “تسلّمت بالأمس مسؤولية البلاد وذلك بعد مشاورات مكثّفة مع الخبراء القانونيين لضمان سير العملية السياسية ضمن الأعراف القانونية وبما يمنحها الشرعية اللازمة”

“وأنه سيصدر في الأيام المقبلة إعلاناً دستورياً، ويعلن عن لجنة تحضيرية لاختيار مجلسٍ تشريعي مصغّر في المرحلة الانتقالية، كما سيعلن عن لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية”.   

هنا يمكن القول إنه بعد تشكيل لجنة صياغة الإعلان الدستوري، واحتمال تشكيل برلمان مصغّر، إن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع يريد رسم ملامح وأفق المرحلة الانتقالية بعيداً عن مضمون القرار الدولي 2254، وبعيداً عن التوافقات الوطنية، وإن الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها ستكون حكومةً متوافقة مع رؤيته، وهذا سيُفقد هذه الحكومة قدرتها على تمثيل السوريين، وقدرتها على تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية الضرورية التي نصّ عليها القرار 2254.  

إن اختيار الرئيس الشرع لأعضاء برلمان مصغّر هو تأكيد إضافي على تنفيذ رؤيته السياسية من خلال اختيار هؤلاء الأعضاء ممن يوافقون على سياساته. وهؤلاء يجب أن يختارهم ممثلو الطيف السياسي والاجتماعي السوري.

الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الشرع هو إعلان لا يمثّل إرادة السوريين بمهام المرحلة الانتقالية بقدر تمثيله لهيمنة اللون السياسي الواحد، وهذا ظهر من خلال رفض طيف واسع من القوى السياسية السورية ومن قوى المجتمع ومكوناته لهذا الإعلان. فقد رفضت قوى سياسية ديمقراطية كثيرة وتمثيلات اجتماعية بنوداً عديدة في هذا الإعلان، وتحديداً ما يخصّ صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث رأت فيها نزوعاً نحو ديكتاتورية جديدة.

إن سبغ اللون السياسي الواحد على تشكيل الحكومة الانتقالية لن يساهم في حل مشاكل البلاد، وتحديداً ما يتعلق منها بالعدالة الانتقالية وتزامنها مع مصالحة وطنية، ومع ضرورة عقد مؤتمر وطني شامل يرسم بالتوافق شكل وبنية الدولة السورية الجديدة، بل إنه وبشفافية يقود إلى تفرّدٍ جديدٍ بالحكم يؤسس لديكتاتورية جديدة. ولهذا إن مشاركة ممثلو الفئات الاجتماعية السورية المختلفة في الحكومة الانتقالية يقرّب السوريين من بعضهم ويطمئنهم على سلامتهم الوطنية.

وفق ما تقدّم من تشخيص واقع ما يجري سياسياً في سورية، فإن كل الخطوات التي تمّ اتخاذها من قبل حكومة تصريف الأعمال بقيادة الرئيس الشرع تكشف عن تناقضٍ عميقٍ بين أهداف هذه الحكومة وبين متطلبات مرحلة انتقالية حقيقية، تسمح بنزع فتيل النزاعات والصراعات، بما يخصّ محاسبة رموز النظام البائد، الذين ارتكبوا جرائم بحقّ الشعب السوري، وأن يتولى ذلك قضاء مستقل عادلٌ.

كذلك إن السيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة من قبل لون سياسي واحد، يدفع بباقي فئات المجتمع السوري السياسية والاجتماعية إلى الإحساس بالغبن، وإلى الدخول بصراعٍ سياسي جديد مع سلطة العهد الجديد التي يطلقون عليها الآن تسمية “سلطة الأمر الواقع الجديدة” التي رفعت شعارها المشهور “من يحرّر.. يقرّر”. وهذا سيجهض انتصار الثورة السورية، ويساعد قوى الثورة المضادة على الانقضاض عليها من باب “المظلومية السياسية”.

إن الخروج من هذا المأزق السياسي، ومن تخبّطات حكومة تصريف الأعمال غير المؤهلة لتوفير خدمات حقيقية على كل الصعد، يحتاج بالضرورة إلى إعادة النظر بالإعلان الدستوري، من خلال إشراك الطيف السياسي والاجتماعي في وضع الخطوط الرئيسية لهذا الإعلان، وإن تجاهل ذلك سيعجّل بصراعات جديدة لا تحتملها البلاد في ظلّ تربصّ قوى الثورة المضادة، وتربصّ أعداء الشعب السوري الإقليميين ممن ساءهم سقوط نظام الإبادة الأسدي، وأفقد نفوذهم في سورية.

كما يحتاج الخروج من هذا المأزق إلى الإسراع بعقد مؤتمر وطني شامل يمثّل كل الطيف السياسي والاجتماعي السوري، من أجل منع أية إمكانية لتسلّل أعداء سورية من غياب مشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية في بناء الدولة السورية الجديدة.

فهل تعيد حكومة الرئيس الشرع المؤقتة ترتيب أولوياتها بما ينسجم مع تعميق بناء دولة سورية ديمقراطية جديدة، أم إنها ستقع في فخّ عدم قدرتها على رؤية ما يتمّ تدبيره من قوى الثورة المضادة وحلفها ضدها وضدّ الشعب السوري ومستقبله؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني