الحرب وتهتك النسيج الاجتماعي السوري
سنوات طويلة من الحرب في سوريا، وما سبّبته من نزوح ولجوء، ومواجهة مشاكل وتحديات كبيرة، أدت إلى تدمير النسيج الاجتماعي، حيث لم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت في الماضي، فنجد في كل أسرة سورية مشاكل اجتماعية تواجههم، فالطلاق، وزواج القاصرات، وتعدد الزوجات، والعنف ضد المرأة والطفل، كلها تفاقمت خلال عشر السنوات الآنفة.
ويمكن من جهة أخرى ملاحظة ازدياد نسبة الفقر، واتساع مساحة الظروف المعيشية القاسية، والبطالة، كل هذه الأمور ساعدت على تفكك هذا النسيج الذي كان متماسكاً بشكل كبير سابقاً.
تقول الدكتورة صوفيا بانديا من جامعة (لونغ بيتش) بولاية كاليفورنيا الأمريكية: “إن النسيج الاجتماعي في بلدان الحروب، دُمّر إلى حيّز بعيد، بسبب فرار الملايين من بلدانهم الأصلية”.
إذا نظرنا إلى ظاهرة الطلاق، نجد أنها ازدادت بنسبٍ كبيرة وملحوظة، فغياب الرجل عن منزله بسبب القتال، أو العمل خارج البلاد، لتأمين لقمة العيش، أو الاضطرار للسكن مع الأهل والأقارب، بسبب الأجور العالية للمنازل، كلها أدّت إلى انتشار عددٍ من الظواهر إحداها الطلاق.
كذلك لعبت أزمة اللجوء دوراً كبيراً في خلق مشاكل كثيرة، ففي الأردن بلغ عدد اللاجئين السوريين 660 ألف شخص، سواء الذين أقاموا في المدن الأردنية نتيجة مقدرتهم المادية على دفع تكاليف العيش في هذه المدن، أو من الذين اضطروا للإقامة في المخيمات التي أقيمت لاستقبال السوريين، نتيجة أوضاعهم المادية السيّئة.
ومن مراجعة أحوال السوريين في هذه المخيمات، نجد أن عوائل بأعداد كبيرة، تغيّرت شروط حياتها، فصار بعضها يتعرض للعنف بشكل ملحوظ، حيث أن خروج الزوجة للعمل أحياناً خارج المخيم كمعيلة لأسرتها، يعرّضها للعنف الاجتماعي سواء داخل أسرتها بسبب خروجها، وعدم احتمال الرجل لذلك، أو تعرضها للعنف خارج المنزل من قبل رب العمل.
كل هذا التغير السلبي كان نتيجة لتغير الظروف الاقتصادية، حيث أخذت معالم الأسرة تتغير، وتعيش أطواراً مختلفة، تعتبر غير تقليدية مقارنة مع طبيعة حياتها السابقة، في محاولة للتعامل مع واقع جديد مفروض.
أما في لبنان، الذي يستضيف نحو مليون ونصف المليون من اللاجئين، نجد أن التعامل الحكومي والأهلي هناك، يختلف عن تعامل الحكومة الأردنية والشعب الأردني مع لاجئيه، فاللاجئون السوريون في لبنان يتعرّضون من حينٍ إلى آخر إلى تضييقات كبيرة من قبل المواطنين اللبنانيين، بسبب العلاقة المتوترة مع السوريين، الذين يتهمهم اللبنانيون بأنهم استولوا على فرص عملهم، نتيجة قبولهم بأجور قليلة.
أما ما يتعلق بالسكن في المخيمات اللبنانية، فإن معظم اللاجئين يعيشون في مساكن سيئة، فهم يضطرون أحياناً للعيش في بيوت قديمة، أو في مبانٍ غير مكتملة أو مهجورة، أو في مخيمات عشوائية، ما يزيد من حدة التوتر بين أفراد العائلة الواحدة، بين الزوج والزوجة، أو بين أحدهما والأولاد، وأحياناً تحدث مشاكل مع الأقارب إذا عاشوا في مخيم واحد أو منطقة سكن واحدة.
مثل هذه الحالات ينتج عنها حالات عنف وطلاق، وأحياناً يتصرف الرجل بطريقة غير محسوبة، حيث يلجأ إلى الزواج من امرأة أخرى، وهذا يسمى تعدد الزوجات.
ولا يختلف أمر السوريين المعيشي في تركيا كثيراً عما يعانيه إخوانهم من اللاجئين في الأردن ولبنان. ولكن يمكن ملاحظة أن تركيا فيها أكبر نسبة لجوء قياساً لدول الجوار، فنرى الأسرة السورية تعاني من ضيق العيش، بسبب تدني أجور العاملين السوريين فيها، لغياب أذونات العمل، هذه الأجور لا تتناسب مع ساعات العمل الطويلة، ومع تكاليف المعيشة، من أجور المنازل، وأمور الطعام، أو لزوم الحاجات الضرورية وغيرها.
ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية ومتطلباتها دفع إلى نشوء خلافات بين أفراد العائلة الواحدة، وخصوصاً الخلافات بين الزوجين، وحيث أن القانون التركي يقف مع المرأة بشكل عام، نجد أن المرأة لا تُضطر لاحتمال أي ضغط معيشة، أو أي ضغطٍ من الرجل، أو تهديده بالزواج مرة ثانية لعدم اعتماده قانونياً.
اضطر السوريون وسط هذه الظروف إلى متابعة حياتهم، من خلال لجوئهم إلى بيع كل ما يملكونه من عقارات، أو غيرها، وهو أمرٌ أدى إلى حصول مشاكل داخل الأسرة الواحدة حول التوافق على عملية البيع، ونتائج ذلك عليهم بعد نفاذ مدخراتهم وتبدد قيمة بيع أملاكهم. كل هذه الظروف ساهمت في ضعف النسيج الاجتماعي.
هنا نطرح سؤالاً ضرورياً، ما الذي ينبغي علينا فعله اليوم، لمعالجة هذه المشكلات الاجتماعية، التي خلفتها الحرب، والتي لعبت دوراً في تفكك المجتمع بكل قيمه وأنساق حياته السابقة؟.
الجواب على ذلك يكمن بالعمل على تعميق البناء الاجتماعي، أي إعادة اللحمة إلى بناء الأسرة السورية، وهذا يتطلب تغييراً للعلاقة بين الفرد والأسرة، ويتطلب أيضاً مدّ جسور الثقة بين أفراد المجتمع، وأفراد العائلة، بالتوعية والحوار والتمكين، وطرح أفكار جديدة لحل هذه المشكلات الأسرية.
كما يمكن اعتبار الدعم النفسي والاجتماعي لأفراد الأسرة ضرورة، ويجب أن يكون هذا الدعم جزءاً من المشاريع الإنسانية، بالإضافة إلى محاولة دعم الأسرة وتمويلها بالمشاريع الصغيرة، للوصول إلى الاستقلال الاقتصادي، مع ضرورة إيجاد مشاريع تقوية وتدريبات مهنية، والقضاء على أشكال عمالة الأطفال كافةً، وإعطاء مساحة أوسع لمنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان ومنظمات تمكين المرأة وحماية الطفل.
إن اتباع سياسات تهتم بالحفاظ على تماسك مجتمعنا، هو حاجة رئيسة، حيث أننا نمرّ بمرحلة خطيرة، قد يكون لها انعكاسات أكثر خطورة، لذلك سيكون التلاحم والشعور بالمسؤولية قاعدة لإصلاح ما تمزق من هذا النسيج الاجتماعي.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”