fbpx

الجديد في الحلقة الراهنة من صراع تقاسم الحصص في مناطق سيطرة قسد

0 117

لا ينحصر كما يبدو في السبب المباشر التركي، الذي دفع ثمنه مدنيون أبرياء، وترك تأثيره العنيف على طبيعة الرد التركي المشروع، بل يشمل أيضا تشكل توافق واسع، تتقاطع فيه سياسات جميع أطرافه عند هدف تقزيم حجم قسد إلى الحدود الدنيا الممكنة؛ دون أن تصل بفضل الفيتو الأمريكي إلى مرحلة إنهائه!.

فرغم أن التصعيد العسكري التركي الراهن قد وصل إلى درجات غير مسبوقة من التدمير الممنهج للبنى التحتية، المدنية والعسكرية، التي ترتكز عليها سلطة قسد وإدارتها الذاتية، لكنه لن يصل في تقديري إلى درجة القيام باجتياح بري شامل. ما يرجح هذا الاحتمال هو صعوبة أن ينطلق هجوم عسكري بري جديد في هذه الظروف عالية التحشيد الإعلامي والسياسي دون أن يدق بعنف أبواب كوباني ، ويصل إلى مداخل قامشلو، بما يهدد جديا سلطة قسد، ويضع الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة، وبما يشكل مخاطرة لا يمكن توقع عواقبها على العلاقات الصعبة بين الشريكين اللدودين، في ظل غياب ضوء أخضر أمريكي؛ إضافة إلى كونه لا يتوافق بالطبع مع سياسات واشنطن وموسكو التي حرصت على إبقاء الصراع تحت سقف مصالحهم المشتركة، وعدم تحوله إلى حرب إقليمية كبرى، قد تحرق أصابع الجميع، وتُعيد فتح أبواب آمال التحرر والدمقرطة التي أنعشها حراك السوريين السلمي العظيم في ربيع 2011 قبل أن يتكالب جميع أعداء المشروع الديمقراطي على تبديدها وسط بحور من الدم والدمار.

بناء عليه، أعتقد ان سياسات تركيا العسكرية ما تزال في إطار توجيه رسائل إلى أكثر من جهة:

  1. إلى الداخل التركي الغاضب، بما يؤكد قدرة الجيش التركي العالية على مواجهة ارهاب الـ PKK، القادر على رد الصاع بأكثر من صاعين، وجاهزيته لجميع الاحتمالات التي يتطلبها حماية الأمن القومي، بما يحصن الاستقرار الداخلي وشعبية الحزب الحاكم، في مواجهة منافسين أقوياء، يترصدون بشكل خاص عثرات سياساته السورية.
  2. على صعيد النظام السوري، وإظهار تقاطع المصالح في مسعى إنهاء دور قسد، وإعادة السيطرة الحكومية على شريط التخوم الجنوبية، وبما يوفر البيئة السياسية الآمنة لعودة للسوريين.
  3. إلى الإدارة الأمريكية، وضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية التركية، تقوم على التأكيد على أفضلية الاعتماد على شريك تركي قوي، قادر على توفير أفضل ظروف حماية المصالح المشتركة.
  4. على مستوى شركائه الآخرين في مسار آستانة، الروسي والإيراني، فقد وفر لقاء آستانة الأخير فرصة لتوصيل رسائل مباشرة، تؤكد على ضرورة أخذ المصالح التركية بعين الاعتبار الجدي إذا ما أراد الشريكان إنجاز الخطوات الأخيرة في صفقة التسوية السياسية المرجوة. تبين بعض بنود البيان بوضوح نجاح الوفد التركي في تضمين بعض بنود البيان الختامي المشترك ليس فقط ما يتبنى مواقفه تجاه قسد، بل وما يريده من توجيه رسالة واضحة للولايات المتحدة بضرورة التخلي عنها.[1]

إذا صحت قراؤتنا لبيان آستنانة 19 الذي يُظهر وصول تقارب وجهات نظر الشركاء الضامنون للمسار العتيد، التركي والإيراني والروسي، إلى درجة التوافق الكامل، يبدو جليا أن الآفاق لا تبدو واعدة بالنسبة لقسد، وعرابها الأمريكي، الذي باتت حججه أضعف من أن تُقنع أحداً.

فمقابل هذا التوافق على جهود تقويض سلطة قسد، يبدو أن الموقف الأمريكي لم يتطور قيد أنملة، وما تزال الولايات المتحدة تتذرع بضرورة الابقاء عليها من أجل محاربة داعش، والخوف من إعادة انتشار المنظمة الإرهابية، في حال تم إضعاف قوات سوريا الديمقراطية؛ وهي نفس الفكرة التي أكد عليها مظلوم عبدي، عندما هدد بوقف تنسيق قواته مع قوات التحالف الدولي في حال استمرت الهجمات التركية.[2]

على أية حال، وأي تكن حقيقة مواقف القوى، ومآلات النزال الحالي حول مصير السيطرة على قلب سوريا الاقتصادي، وأهم مواقع التحكم بالقرار السياسي السوري العام.

يبدو جلياً أن السوريين هم الخاسر الأكبر، على الصعيدين الراهن والاستراتيجي، وهو ما يوجب على النخب السياسية والثقافية الوطنية الديمقراطية الشريفة ليس فقط إدانة جميع الأعمال الإرهابية التي تُمارس على مستويات الأفراد أو الميليشيات والحكومات، وينتج عنها سقوط ضحايا أبرياء، وتعميق معاناة السوريين وتبديد آمال تحقيق حل سياسي وطني عادل، بل والاعتراف بعجز بعضهم عن إدراك طبيعة الدور الوظيفي للقومية السياسية، الذي كُلفت بأدائه قيادات حزب العمال الكردستاني وشركائها السوريين، وما نتج عنه من خلق أوهام لدى قطاع واسع من الرأي العام لا تتوافق مع حقائق الصراع، ومصالح قواه، التي لن تتوقف عن تجيير مشاعر الشعوب وحقوقهم وتاريخهم ومظالمهم، وقيم الحق والعدالة، وبعض المرتزقة، لتحقيق أهداف سيطرتها، وتوفير البيئة الآمنة لنهب خيرات الشعوب، وانتهاك سيادة أوطانها.

يبدو لي أن حال مَنْ يتباكى اليوم من السوريين على بقايا روج آفا (الديمقراطية) كمَن كتب بالأمس القريب قصائد عصماء في رثاء دولة القومية العربية (الاشتراكية) الموحدة، ورسالة أمتها الخالدة ، وأنه قد حان وقت لمواجهة الحقائق الكبرى!.

إذا كانت أبرز حقائق المرحلة الراهنة[3] من الصراع على سوريا تقول بسعي الولايات المتحدة وروسيا لوضع اللمسات الأخيرة على إنجاز صفقة سياسية شاملة، يتمٍ العمل عليها منذ 2015، في إطار مسار آستانة، من أجل خلق وشرعنة حالة التفشيل والتقسيم الراهنة، وبما يضمن مصالح تحالف القوى المعادية للانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، وأن ما يحصل من صراع بيني لا يخرج عن سياق محاولات تثقيل موازين القوى، فإن الخطوة الأولى على مسار الحل الحقيقي تبدأ بتوافق الرأي العام السوري – خاصة بمكونيه الرئيسيين، العرب والكرد، ونخبهم الوطنية الديمقراطية الشريفة – حول رفض جميع سلطات الأمر الواقع، وفضح أكاذيب مشاريعها الخاصة، وأدوار طوابيرهم السياسية والثقافية، وحول هدف قيام حل سياسي مركزي، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي، ويضمن خروج جميع قوى الاحتلال، وتفكيك سلطات الأمر الواقع؛ أذرعها السورية، ويحافظ على مقومات الدولة السورية.

أية أهداف وطروحات أخرى، لا تصب في إطار هذا الجهد الوطني الديمقراطي، ليست سوى رافد لقوى الاحتلال، وأذرعها السورية.

فكيف يمكن لأي سوري أن يكون وطنياً/ديمقراطياً، بانحيازه لسلطة أمر واقع ميليشياوية، هي عملياً، مرتكز لقوى احتلال خارجي، معادية لصيرورة قيام الدولة الوطنية الديمقراطية، ورافضة لتوفير البيئة السياسية الوطنية، التي تضمن حقوق الجميع.

وكيف يمكن أن يكون وطنياً وديمقراطياً ولا زال يراهن على مسارات حلول سياسية، تسعى لتثبيت سلطات الأمر الواقع، وتحمي مصالح قوى الاحتلال.

وكيف يمكن أن تكون سورياً، ووطنياً ديمقراطياً، وأنت تُدين بصخب الهجوم التركي، على أرضية الانحياز لإحدى سلطات الأمر الواقع اللاوطنية.

الطرح الواضح، غير الموارب، هو المعيار الوطني الديمقراطي لانتماء القوى والأفراد والأحزاب، وهو بداية إطلاق حملة وطنية للعودة إلى ثوابت النضال الديمقراطي.

إنها مرحلة الفرز الحقيقي، التي طال انتظارها..

فهل تكون النخب السياسية والثقافية السورية، والسوريون عموماً، على قدر المسؤولية الوطنية والإنسانية؟!.

السلام والعدالة لنا جميعاً..


[1]– هذا تماماً ما تعبر عنه بعض بنود البيان المشترك لممثلي إيران وروسيا وتركيا حول الاجتماع الدولي التاسع عشر حول سورية بصيغة آستانا، 22-23 تشرين الثاني 2022، بعد التأكيد على الاسترشاد بالاتفاقات التي توصلت إليها القمة الثلاثية للدول الضامنة لمسار آستانا في طهران بتاريخ 19 تموز 2022، وعلى الدور الريادي لمسار آستانا في التسوية السلمية للأزمة السورية، أعرب الشركاء في البند الثالث عن تصميمهم على مواصلة العمل معاً لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والوقوف ضد المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامة أراضيها وتهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة، بما في ذلك من خلال الهجمات والتسلل عبر الحدود ، وأكدوا في البند الخامس على اتفاقهم على أن الأمن والاستقرار الدائمين في شمال وشرق سوريا لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها وبالتالي رفض جميع المحاولات لخلق حقائق جديدة على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، بحجة مكافحة الإرهاب. وجددوا عزمهم على الوقوف بوجه الأجندات الانفصالية في شرق الفرات الهادفة إلى تقويض وحدة سورية وتهديد الأمن القومي لدول الجوار، بما في ذلك من خلال الهجمات والتسلل عبر الحدود، وجددوا معارضتهم للمصادرة والتحويل غير القانونيين لعائدات النفط التي ينبغي أن تعود لسورية. وأدانوا تصرفات الدول التي تدعم الكيانات الإرهابية بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة في شمال شرق سورية.

[2]– إذ يؤكد بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، على تفهم أن لتركيا مخاوف مشروعة ذات صلة بالإرهاب، ويُعرب عن مخاوف المسؤولين الأمريكان الجدية بشأن تأثير التصعيد في سوريا على أهدافهم المتمثلة بالقضاء على تنظيم داعش، يُعبر البيان الصادر باسم البنتاغون، البريغادير الجنرال بات رايدر عن نفس مشاعر القلق البالغ إزاء أعمال التصعيد في شمال سوريا ليس فقط لأنه يهدد التقدم الذي أحرزه التحالف الدولي لهزيمة داعش على مر سنوات لإضعاف التنظيم والتغلب عليه، بل، وعلاوة على ذلك، لان الضربات الجوية على سوريا مؤخراً قد هددت وبشكل مباشر سلامة الأفراد الأمريكيين الذين يعملون في سوريا مع الشركاء المحليين للتغلب على تنظيم داعش والاحتفاظ باحتجاز أكثر من عشرة آلاف معتقل من التنظيم.

[3]– أعتقد أن الواقع السوري الراهن هو بالدرجة والمسؤولية الأولى نتاج جهد مشترك، أمريكي روسي، وعلى مسارات متكاملة، دبلوماسية وعسكرية!.

على الصعيد الحربي، كان لقوى الإسلام السياسي، الجهادي والمقاوم، دور رئيسي في تحقيق الاهداف الأمريكية/الروسية.

على المسارات السياسية والدبلوماسية (جنيف وآستانة)، مارست نفس الدور نخب المعارضة السورية، التي تم تعويمها في منصات وهياكل، والتي تصدرها في منصة موسكو، دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تصدر الإخوان واليساريون هياكل قطر والسعودية وتركيا، وكُلف PKK، وفرعه السوري، بتحييد الكرد عبر خديعة روج آفا، الديمقراطية، وبمساهمة الديمقراطيين السوريين.

الجميع يلعب لصالح المشروع الأمريكي، الذي وضع أمامه في 2011 هدفاً مركزياً، قطع مسارات الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، في سياق وبأدوات تفشيل مقومات الدولة السورية؛ بالشراكة الميدانية الكاملة مع أذرع المشروع الإيراني، وتكامل مع جهد القوى الإقليمية والدولية التي دعمت ميلشة الحراك، وعومت المعارضة السورية!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني