fbpx

الثورة السورية انتصرت عسكرياً على نظام الاستبداد..  والسؤال: كيف تنتصر سياسياً؟

0 1٬049

للجواب على سؤالنا الرئيسي كيف تنتصر الثورة السورية سياسياً، ينبغي قراءة انتصار الثورة السورية عسكرياً على نظام الأسد في السياق العام للصراع بين القوى المنخرطة به، سواءً كانت قوى داخلية، أم قوى إقليمية دولية. فهذا الانتصار لم يتحقق بسبب قوة قوات عملية “ردع العدوان” من جهة، وضعف قوات النظام والميليشيات المساندة لها من جهة ثانية فحسب، فهكذا رؤية تهمل عنصراً حاسماً من هذه المعادلة، وهو الدور الروسي الذي بقي محايداً، وتهمل الدور الإيراني الذي كان مربكاً بسبب سحق الصفين الأول والثاني من قيادات ذراع إيران “حزب الله اللبناني”.

انتصار الثورة عسكرياً وانهيار ميليشيات نظام أسد نقل السوريين من حالة الإحباط وانسداد أفق الحل الذي كانوا يعيشون به إلى حالة فرحٍ عظيم، أرادوا من خلاله التعبير عن زوال نظامٍ مافيوي أنهكهم وأرعبهم وهدم بيوتهم وقتلهم وعذّبهم.

السوريون وهم في حالة فرح عظيم كانوا يتابعون القرارات التي تصدرها الإدارة السياسية لقوات عملية “ردع العدوان”، هذه القرارات، بدت في كثير منها بصورة قرارات مرتجلة تصدرها حكومة تصريف الأعمال، التي يمكن تسميتها حكومة تصريف أعمال من لون إيديولوجي سياسي واحد.

لم تشأ قيادة الإدارة السياسية الجديدة الذهاب إلى فتح الباب لعقد مؤتمر وطني شامل، تتمثّل فيه المكونات السياسية للثورة السورية، وتمثيلات مناطقية تعكس واقع هذه المناطق ودورها في العملية السياسية في المرحلة الانتقالية، بل تمّ الحديث عن مؤتمر وطني تتمّ الدعوة إلى حضوره بصورة دعوات فردية، هذا أثار قلق دول إقليمية ودول وقفت إلى جانب ثورة السوريين، ونقصد دول مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وانتهى الأمر بتأجيل عقد هذا المؤتمر.

المؤتمر الوطني لا يزال وسيبقى ضرورة قصوى للولوج السوري الصحيح للمرحلة الانتقالية، فهذا المؤتمر، يجب أن يكون شاملاً من ناحية حضور ممثلي قوى الثورة والمعارضة السورية بكل أطيافها فيه، وحضور ممثلين عن المحافظات السورية بما يعكس تنوعها الثقافي والاثني.

وقبل انعقاد هذا المؤتمر، ينبغي على الإدارة السياسية الجديدة وحكومتها الامتناع عن أي إجراءات سياسية أو قضائية أو اقتصادية أو تعليمية واجتماعية هي في الأساس تكون من اختصاص حكومة انتقالية تمثّل كل السوريين ويتمثلون فيها.

إن انعقاد مؤتمر وطني شامل والتحضير له يتمّ من خلال لجنة عمل وطنية من ذوي الخبرات، هذه اللجنة، يجب أن تمثّل الشعب السوري بكل مكوناته السياسية والمدنية، وبالتالي سيكون جدول أعمال هذا المؤتمر هو التأسيس لبناء دولة جديدة، عبر اعتماد وثيقة دستورية مؤقتة يتمّ العمل بموجبها في المرحلة الانتقالية.

كذلك ينبغي أن يختار المؤتمر الوطني الشامل بصفته المرجعية الوطنية السورية المؤقتة حتى نهاية المرحلة الانتقالية حكومة انتقالية تنتقل إليها السلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد.

هذا المؤتمر يختار لجنة وطنية ذات اختصاصات مطلوبة لكتابة مشروع دستور سورية الجديد، والذي يجب أن يتم الاستفتاء عليه خلال المرحلة الانتقالية، ثم تليه انتخابات شفافة برعاية وطنية وأممية.

المؤتمر الوطني الشامل معنيٌ بتكليف الحكومة الانتقالية تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، وفق القوانين الوطنية والدولية المختصة بجرائم الحرب وجرائم انتهاك حقوق الإنسان.

هذا المؤتمر والحكومة المنبثقة عنه ستوفر على السوريين ارتجال قرارات من قبل حكومة تصريف الأعمال لا تلبّي حاجة الاستقرار الوطني.

إن انتصار الثورة السورية يكون عبر تنفيذ برنامجها الأخلاقي والسياسي في إدارة البلاد، فالثورة لا يمكن أن تتسم بأخلاقٍ طائفية، وبالتالي، يجب النظر إلى كل المكونات الوطنية السورية، الدينية منها والاثنية والطائفية، على إنها مكونات وطنية سورية، لها نفس الحقوق، وعليها نفس الواجبات، بما يحقق استقر ار البلاد وتعميق مفهوم المواطنة.

إن المبادرة إلى تشكيل لجنة وطنية تحضيرية من كل الطيف السياسي الثوري السوري، ومن ممثلي المجتمع الأهلي والمدني، هي خطوة لا ينبغي للإدارة السياسية الجديدة بقيادة السيد أحمد الشرع أن تهملها، أو تتغافل عن العمل بها، فهكذا مبادرة يعني العمل بها تأكيد على المشاركة السياسية لقوى الثورة والمجتمع المدني في صنع القرار السياسي.

وكي تتضح الصورة أكثر، لا يمكن القول الآن إن حكومة تصريف الأعمال تحكم الجغرافية السورية بأكملها، فافتراض كهذا سيكون خاطئاً، فهناك لا تزال في الشمال الشرقي من سورية سلطة أمر واقع تدعى “الإدارة الذاتية” وهي سلطة تحميها قوات عسكرية مدربة ومدعومة حتى الآن من تحالف أمريكي غربي.

كذلك لا تزال هناك حكومة مؤقتة في مناطق شمال حلب، هذه الحكومة لا تزال تمارس عملها، فهل تشكيل حكومة تصريف أعمالٍ من لون واحدٍ سيخدم انضمام هذه المناطق إلى حكومة تصريف الأعمال بدمشق؟

وكي لا يهدر الدم السوري من جديد، فهناك بوصلة يمكن الاهتداء بها للانتقال السياسي في البلاد، ونقصد بوصلة تنفيذ جوهر القرار الأممي رقم 2254، هذا القرار يساعد على منع أي جهة الاستفراد بحكم البلاد من جديد، وبالتالي يفتح باب التوافق على بنية حكم الدولة السورية الجديدة، فهكذا بنية حكم هي من إرادة كل الشعب السوري بكل مكوناته التي ذكرناها قبل قليل.

سورية بحاجة إلى توظيف كل قدرات أبنائها الاقتصادية والسياسية والعلمية والاجتماعية من أجل إعادة بناء ذاتها، وهذا لا يتمّ عبر سياسة الإقصاء.

إن هذا الدور الكبير والحاسم يقع على كاهل قائد الإدارة السياسية الحالية في دمشق، ونقصد، إنه مسؤولية وطنية تقع على عاتق السيد أحمد الشرع، الذي بدا بصورة عامة، إنه مستعدٌ لترسيخ قيم المواطنة والقانون والحريات.

إن ترسيخ قيم المواطنة والقانون والحريات لا يتحقق عبر التصريحات فحسب، بل هو برنامج عملٍ ينتظر السوريون تنفيذه على صعيد الخدمات العاجلة، وعلى صعيد التحضير لعقد مؤتمر وطني سوري شامل وجامع لكل القوى الثورية، التي ساهمت بتضحياتها المختلفة في الانتصار على نظام الاستبداد البائد.

السوريون في انتظار برنامج زمني محدد لانعقاد المؤتمر الوطني الشامل، وبحاجة لتشكيل حكومة انتقالية تهتم بكتابة دستور سوري جديد، ولا نعتقد إن تنفيذ ذلك يحتاج إلى معجزات. فهل تذهب الإدارة السياسية بقيادة الشرع إلى هذا الخيار العظيم؟ السوريون في انتظار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني