الثقافة/المثقف والتحديات الكبرى
بعيداً عن الترويج لإعلان النعوات التيئيسية التي ركَّزت عليها بعض الدوائر الغربية، سواء أكانت تلك التي دشَّن لها، أو ترجمت، بعيد الحرب الكونية الثانية، أو تلك التي ظهرت في ظلّ المرحلة المسماة، من قبل الدارسين المعنيين، بأحادية القطب، وشروع القطب المعول عليه – في المقابل – بإحداث التوازنات الكبرى، أيام الحرب الباردة، لكي يكون مجرَّد رقم ملحق بالقطب الآخر، المتسيد، بعيداً عن منظومة ضوابطه المفترضة، فإن إشاعة ضروب الموت الفكرية، والقيمية، قد تمَّ الحديث عنها، سواء أكان ذلك، نتيجة استقراء لوقائع معينة، والانطلاق منها، أو نتيجة محاكاة لها، من قبل بعض مقتفي آثار خطا السابقين عليهم، لاسيما هؤلاء الهائمون بإثارة الغبار، وراءهم، وقد وجدنا حصيلة ذلك الحديث عن العديد من مثل تلك النعوات: موت الكاتب – موت الشعر – موت التاريخ – موت الأيديولوجيا.. إلخ، بحيث باتت الميتات تتتالى، الواحدة تلو الأخرى، كي تتشكل – في التالي – مقبرة فيها الكثير من مصادر الجمال، والمعرفة، ما يدعو إلى قرع أجراس الخطر.
إن هاتيك النعوات، صدرت من قبل أصحابها، أفراداً ومؤسسات، انطلاقاً من داعيين رئيسين، أحدهما تشريحيّ، استقرائيّ، من خلال الاحتكام إلى معطيات من الواقع، والثاني بغرض نشر ثقافة القنوط، والاستسلام، والتحول إلى مجرد متلقين، خانعين، بما يدور ويخطط من قبل المراكز العظمى التي تريد التعامل مع العالم وفق سياسات العولمة التي جاءت رؤى “هنتنغتون”، تجسيداً لها، ليكون هناك مجتمع المليارين – فحسب – وهو مجتمع صفوة الصفوة، النخبوي، السوبرمانيّ، المنظّر والخالق لآخر مبتكرات التطور، وترك بضعة المليارات الأخرى وقوداً للحرب المسعورة التي بدأت، مترافقة، مع مثل هذه الدعوات، منذ مطلع الألفية الثالثة، وحتى هذه اللحظة، وانصراف حَملة “الريمونت كونترول” إلى لعب دورين متكاملين، هما: تأجيج الصراعات، بغرض مداراتها، واتخاذ موقف المتفرج، ومدّ أتون الحروب، بكلِّ مستلزماتها، وهو ما جعلها تظهر بخطابين متناقضين، لا يتماشيان مع ثقافة القيم الإنسانية التي تنادي بها، وتتدخل في شؤون سواها، باسمها، كي نكون هنا أمام نعوة فعلية، للخصال النبيلة، التي لابدَّ من أن يتمتع بها من يقدم ذاته ليكون الوجه البارز في الأسرة الكونية، وبوصلة التطور، بل ومايسترو أمن العالم، وسلامته.
هذه الازدواجية، في الخطاب، وغياب صورة “الأنموذج” القيمي، على نحو عالمي، معيش، مفروض، انعكسا على سيرورة اللحظة الزمنية، في إطارها الكوني، ما جعل الثقافة، عموماً، والإبداع، خصوصاً، أمام تحديات جدّ كبيرة، من دون أي استثناء، في مطلعها إعادة التنطّع لمهمات جديدة، تقع على كاهل كل مثقف، وكل مبدع، من دون استثناء، البتة، وذلك عبر الانصراف للاشتغال على إشاعة روح الجمال، والانتصار له، وفق قانونهما الخاص، حيث أن مرحلة “ما بعد حداثة الحرب”، الرازحة، على صدورنا، دافعي ضريبة، مشتعلين بها، أو متابعين مكتوين بألسنة سعيرها، تعيدنا، إلى “خط الدفاع الأول”، عن خصوصياتنا، بل وعن المواطن الكونيّ، لاسيما في العناوين المدفوعة للتأجج، والتآكل، والزوال، بما فيها، من بشر، وحضارة، وعمران، وقيم، كي يتم توظيف الكلمة، في لحظة وعيها، وإبداعها، لتكون “السلاح الأمضى”، في مواجهة “الدمار الشامل”، وهو ما يحتاج استنفاراً واسعاً، من قبل كل غيارى العمارة العالمية الواحدة، من أجل مستقبلهم، ومستقبل الحياة..!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”