fbpx

التموضع الإيراني وقسد.. خطران على الجزيرة والفرات

0 146

اللجنة التي شكلها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة تحت مسمى “لجنة الجزيرة والفرات” بدورته الثالثة والأربعين التي انعقدت بتاريخ 12 و13 يناير كانون الثاني عام 2019 هي لجنة ذات أهمية قصوى على مستوى رصد ومتابعة كل التغييرات، التي تعمل عليها سلطات الأمر الواقع “قوات سوريا الديمقراطية” في مناطق الجزيرة والفرات، ورصد ومتابعة محاولات إيران عبر الميليشيات التابعة، لما يسمى الحرس الثوري الإيراني، بمحاولة التموضع في هذه المنطقة الهامة من سوريا.

إن مجاورة الجزيرة والفرات للحدود مع العراق، يجعل هذه المنطقة الغنية بثرواتها المائية والنفطية والهامة بموقعها الجغرافي منطقة حيوية لمشروع “الهلال الشيعي”، الذي تعمل عليه إيران لتحكم سيطرتها على “طريق الحرير الجديد”، الذي تنوي ترسيخه للسيطرة عبر طهران على التجارة العالمية بين أوربا وأفريقيا وآسيا.

“طريق الحرير الجديد” هو ذاته من يُطلق عليه تسمية (الهلال الشيعي)، هذا الهلال يمتد من طهران عبر العراق وسوريا إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، وهو الطريق الذي تريد طهران أن يكون بديلاً عن طريق الحرير القديم، كي تحكم قبضتها على سريان التجارة العالمية عبره.

“طريق الحرير الجديد” هو قاعدة متقدمة، تريد أن ترسخها إيران في المنطقة لتحقيق أهداف متعددة في آن واحد، من هذه الأهداف، ويقع في محورها الرئيس، هو بناء إمبراطورية صفوية جديدة، تهيمن على المنطقة المسماة الشرق الأوسط، وتحديداً الجوار العربي، باعتباره جواراً غنيّاً بالثروات النفطية وغير النفطية، ولهذا، فهي تستخدم سلاح الأيديولوجيا “الشيعية السياسية” للهيمنة على المنطقة، من خلال استغلال الظروف الاقتصادية السيئة لشعوبها، عبر نشر التشيّع، أي نشر الفكر الطائفي الشيعي.

الحلقة السورية في المشروع الإيراني هي حلقة مهمة، ولهذا تتدخل إيران للدفاع عن نظام استبدادي هو النظام الأسدي، الذي قدّم لها تسهيلات سياسية وعسكرية وثقافية لفرض أجندتها، فلن يكتمل الهلال الشيعي بدون تغيير في ثقافة وهوية سكان المناطق التي يمر بها، وهي منطقة الأنبار والموصل العراقيتين، ويقابلها سورياً منطقتا الجزيرة والفرات.

وفق هذه الرؤية، وضمن شروط كل منطقة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي، تسعى إيران للتموضع في هذه المناطق الحيوية لمشروعها، فإذا لم تستطع التموضع فإن مشروعها (الهلال الشيعي) لن يكون ممكناً، ولهذا فهي تستخدم وسائل مختلفة وأدوات متعددة، لتحقيق هذا الهدف، علماً أن ما تفعله لا يتمّ في ظروف مريحة لمشروعها، فإيران مستهدفة من قوى داخلية هي الشعب السوري الرافض للاستبداد ولدورها في دعمه ودورها في المذابح التي فعلتها بحق السوريين من أجل تغيير ديمغرافي وسياسي يخدم هدفها البعيد (الهلال الشيعي).

إن تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة للجنة الجزيرة والفرات هو خطوة هامة، ولكنها خطوة غير كافية، وكي تصبح مفيدة وذات قيمة ملموسة، يجب أن يكون هناك معرفة بكل التفاصيل السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية في منطقة الجزيرة والفرات، فهذه المعرفة الشاملة والمستمرة، والتي تتابع رصد تطورات المنطقة المعنية، يجب ان تشكل قاعدة لفكرة تفكيك التموضع الإيراني وتجفيف بؤره.

ولكن التموضع الإيراني في هذه المنطقة يقابله علاقات ذات دلالة سياسية قديمة، ونقصد علاقة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD)، الذي يلعب واقعياً وفعلياً دور ذراع عسكرية وسياسية للحزب الأم، حزب العمال الكردستاني التركي الأصل، أي الحزب صاحب المشروع السياسي العابر للوطنية التركية في بلاده، والذي يريد اقتطاع منطقة شرق الفرات (الجزيرة والفرات بمحافظاتها الثلاث دير الزور والرقة والحسكة) لمصلحة خلق نواة لدولة كردية حلم بها ذات يوم عبد الله أوجلان مؤسس هذا الحزب.

العلاقة بين PKK والتموضع الإيراني هي علاقة تحكمها جذور طائفية، فغالبية المنتسبين من أكراد تركيا لهذا الحزب المصنّف كحزب إرهابي هم من جذور طائفية علوية، ولهذا، تشكّل هذه الحالة خطراً وجودياً على منطقة الجزيرة والفرات، باعتبارها تقع في مركز التعاون بين إيران الشيعية وحزب ال PKK، الذي يتمّ تسليحه وتقديم المساعدات له إيرانياً، لأهداف لا تخفى على المراقبين للأوضاع في هذه المنطقة.

هذه الرؤية أتاحت للإيرانيين أن يقوموا بنشاط تموضع عسكري واجتماعي واقتصادي، لا يزال محدوداً في منطقة الجزيرة والفرات، نتيجة لمعوقات كثيرة من بينها رفض العشائر العربية لهذا المشروع الخطير.

إن “لجنة الجزيرة والفرات” التي أحدثها الائتلاف تحتاج لتطوير عملها إلى ركائز عملية على أرض الواقع، من هذه الركائز، تعميق العلاقات مع سكان هذه المنطقة، وبيان خطر المشروع الإيراني عليهم وعلى وجودهم وعلى وحدة الأراضي السورية.

إن القيام بحملات توعية إعلامية وثقافية عامة بين سكان الجزيرة والفرات بكل مكوناتهم هي مهمة عاجلة وتقطع الطريق على التموضع الإيراني وعلى مشروع قسد. هذه الحملات لا ينبغي أن توجّه لمكون بحاله، بل لكل مكونات الجزيرة والفرات الاجتماعية والسياسية والاثنية، فالخطر واحد على جميع هذه المكونات من ذات العدو المتربص بهم.

إن دعوة “لجنة الجزيرة والفرات” لعقد مؤتمر خاص بهذه المناطق يحضره ممثلون عن المكونات السورية فيها (عرب كرد سريان آشوريين وغيرهم من مكونات) هي خطوة ستساعد على قطع طريق التموضع والتنسيق بين الإيرانيين وجماعات قنديل التابعة لحزب PKK، وهي خطوة ستقوّي دور الائتلاف كقيادة سياسية للسوريين في كل مناطقهم، على أرضية التحرير والانتقال السياسي لدولة المواطنة الحقيقية.

لهذا تبدو مهمة بناء الجسور بين الائتلاف الوطني وجماهير المكونات السورية وفعالياتها السياسية والاجتماعية ضرورة هامة على طريق رسم درب الخلاص من نظام الاستبداد ومن داعميه الإيرانيين ومشروعهم، والخلاص من الدور الخطير الذي تلعبه قوى كردية عابرة للوطنية السورية يمثلها حزب الPYD

السوريون ينتظرون من قيادة الائتلاف صاحبة مشروع الإصلاح الشامل الدعوة لعقد هكذا مؤتمر خاص بمناطق الجزيرة والفرات، ونتوقع أن يحدث ذلك في أقرب فرصة ممكنة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني