التضخم النقدي والالتزامات
تلبية الحاجات المستمرة بالتزايد من سلع وخدمات باتت عبئاً على أغلبية المواطنين لنفاذ التغطية النقدية لقيمة السلع والخدمات رغم الحجم المتزايد لكمية النقد المطروح بالأسواق بمقابل انخفاض المبادل خدمة أو سلعة، وهذا التزايد في كمية النقد لا يعبر عن زيادة حقيقة لقيمته وازدهار في الاقتصاد لأن الخدمة أو السلعة نفسها لم تتغير قيمتها بل أصبحت تحتاج لكمية أكبر من النقد بسبب انخفاض قيمته فلم تعد تغطي القيم الحقيقة لمستلزمات الاحتياجات المبادلة بمقابلها.هذا الانخفاض نتيجة الاختلال بالاقتصاد أنتج هذا التضخم وانخفاض قيمة العملة السورية إلى دود لم يسبق لها مثيل.
كيف عالج المشرع السوري التضخم؟؟
تبنى المشرع السوري سياسة الإنشاء القانوني للنقد لإعطائه قيمة أكبر من قيمته المتداول بها، أي أن قيمته القانونية الاسمية تختلف عن القيمة الحقيقة المحددة بالسوق، والحالة الاقتصادية، عن طريق مراسيم قانونية تسمح للبنك المركزي بطرح فئات نقدية أكبر لتناسب حجم المبادلات في الأسواق. عملية الطرح هذه تكررت لمرات منذ تسعينيات القرن الماضي بصك فئة /1000/ ليرة وآخرها صك لفئة /2000/ ليرة لعام /2017/ ويحكى حالياً عن احتمالية طرح لفئة /5000/ ليرة.
تدن خطير لقيمة النقد نتيجة تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
خطوات المشرع السوري الوهمية لم تعد القيمة للنقد بل خففت من الحجم الكمي للنقد بحزمات أقل عبئاً في التداول لا تؤثر على تراجع الحالة الاقتصادية، والسبب الرئيسي الفساد المستشري وعدم، وجود حماية قانونية ضامنة لعمليات الاستثمار حيث بقيت النصوص القانونية جامدة لم تراع الحالة المتغيرة للنقد ما يشكل دافعاً قوياً في وقف عمليات الاستثمار إضافة إلى الخوف من التبادل التجاري الذي يستدعي في غالب الأحيان عمليات ائتمانية من مستلزمات العمل التجاري فالخوف من خسارة متحققة وفقدان الأمل في الربح الذي هو غاية العمل التجاري.
مثال بسيط لأية عملية بيع لسلعة أو حاجة بالدين هي خسارة مؤكدة تصل لاستنزاف رأس المال كون القانون المدني السوري لم يعطي الدائن حق التعويض عن الخسارة نتيجة تدني النقد إلا بقيمة بسيطة لا تشكل شيء قياساً إلى حجم التضخم وفي حال التأخر عن موعد استحقاق الدين بفائدة 4% بالمسائل المدنية و5% بالمسائل التجارية فقط. حيث جاء بالمادة /227/ قانون مدني سوري “إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة بالمائة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية ما إن يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره”
أيضا نصت المادة /228/ مدني سوري “فقرة /1/ يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على معدل آخر للفوائد سواء أكان في مقابل تأخير الوفاء أم في حالة أخرى تشترط فيها الفوائد، على ألا يزيد هذا المعدل على تسعة في المائة فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا المعدل وجب تخفيض إلى تسعة في المائة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا المقدار”
اذاً القانون النافذ لم يعالج الوضع الاقتصادي المتردي وتدهور قيمة النقد بل كان عائقاً أمام العلاقات التجارية والاجتماعية ومشجعاً لأساليب الاحتيال التي كثرت ما خلق نوعاً من التردي في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وزاد من جرائم الاحتيال باستغلال ضعاف النفوس للثغرات القانونية التي تمكنهم من الإفلات من الالتزامات المالية والقانونية والأخلاقية وهذا عامل مهم في فقدان الثقة بالتعامل التي هي أساس عمليات المبادلة المدنية والتجارية.
من تجارب الدول التي مرت بأزمات وحروب وتخطت صعوباتها بنجاح وأعادت بناء اقتصادها ودولها رافقها في ذلك عملية تنمية متكاملة لمختلف المجالات. من تلك المعرفة البسيطة نوضح ما يحتمل أن يفيد الحالة الاقتصادية السيئة والتضخم وتدني القيمة المستمر نتيجة ضعف الدولة وسيطرة تجار وأمراء الحرب ومافياتها على المؤسسات الاقتصادية واستلام المنافذ الحدودية والتحكم بالاستيراد والتصدير حتى أصبح السوق بحوزتهم يتحكمون بالقيمة الفعلية للنقد ما أدى الى سلب مدخرات المواطنين لإنفاقها على المعيشة هذا أدى إلى إفقار الشعب ووصول نسبة من هم تحت خط الفقر إلى أكثر من 80% يعني سحق الطبقة الوسطى الحاملة للمجتمع وتطوره وتمركز الثروة بأيدي فئة قليلة من الأفراد والشركات.
لتخطي ومعالجة التضخم ينبغي أن تكون هنالك إرادة حقيقة لأصحاب القرار بالعمل لصالح البلاد والاعتماد على اختصاصيين وخبراء اقتصاد وقانون مستقلين لوضع الخطط المناسبة للمعالجة وتمكينهم من الدراسة والعمل بحرية تامة والتقيد بتنفيذ تعليماتهم وتوفير كل السبل في سبيل ذلك والأهم تحديث القوانين وسيادتها بما يناسب عملية البناء والتنمية المستدامة لبناء اقتصاد متين يستطيع مواجهة الصعوبات بأقل الخسائر.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”