التشكيك بمؤسسات قوى الثورة.. هدفه تعطيل إصلاحها
تتعرض مؤسسات قوى الثورة والمعارضة لهجمات إعلامية مختلفة، تقوم بها جهاتٌ تعتمد مبدأبذر الشك في سردها لروايات تتعلق بشخصيات تقود عمل هذه المؤسسات، أو بسردها لقضية تعمل عليها هذه المؤسسات، دون أن يتوفر لديهم أي مستندٍ وملمس واقعي يستندون إليه في هجماتهم الاعلامية، وهو أسلوب له فعالية مؤقتة لدى العامة من الناس، غايته إثارة احتجاجات، الهدف منها حصد تعطيل وإرباك، ومحاولة إفشال مؤسسات قوى الثورة.
وللتوضيح، أقصد بمفردة “العامة”، الأشخاص ممن لا ينخرطون في العمل السياسي أو المدني المؤطر، عبر أحزاب أو منظمات أو قوى، وممن لا يعملون في حقلي الإعلام والبحوث والدراسات.
إن هذه الحملات لا يمكن فهمها إلا في سياق حركة واقع القضية السورية، هذا السياق يتّسم بحالة “جزرٍ ثوري”، أساسه انتقال قضية الصراع بين قوى الثورة والنظام الأسدي من مستواه الداخلي ليصبح صراع أجنداتٍ إقليمية ودولية، وهو بذلك أفقد قوى الثورة بصورة عامة قوة اندفاعها، ليضعها في مربع تجاذبات هذه الأجندات، لكن قيادات مؤسسات قوى الثورة كانت تعمل على توظيف القرارات الدولية بما يخدم الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية، وهذا أزعج المتضررين، والذين يخدمون مشاريع تضّر بالثورة السورية وتصبّ في مصلحة استمرار وجود نظام الاستبداد في سوريا.
إن حملة الهجمات الإعلامية التشكيكية بحق قيادات من الائتلاف لا يمكن قبولها لسبب بسيط، وهو إن أعضاء الهيئة السياسية لمؤسسة الائتلاف ليسوا من جهة تنظيمية سياسية واحدة، بل هم من مكونات ذات رؤى وتنظيمات مختلفة، وهم ممثلون لقوى عديدة، وهذا يجعل أمر التصويت بالإجماع أمراً يكاد أن يكون مستحيلاً.
لذلك يمكن استهجان ورفض الأحكام المسبقة بحق شخصيات قيادية في الائتلاف، وهذا لا ينفي أن هذه المؤسسة وقعت عبر قياداتها السابقة بأخطاء، ولعل أهم هذه الأخطاء، هو القفز سابقاً من فوق عملية الإصلاح الجدي في بنيتها، والتي ينبري معطلو الإصلاح سابقاً على إطلاق صفة الإصلاح والتغيير على أنفسهم حالياً، وهذه مفارقة مكشوفة الأهداف، فالغاية لديهم ليس الإصلاح أبداً، بل إصرارهم على المحافظة على مصالحهم الضيّقة التي خسروها نتيجة تغيير بنية الائتلاف السابقة عبر مشروع الإصلاح الشامل، الذي يقوده رئيس الائتلاف السيد سالم المسلط وفريق الإصلاح.
إن انتخاب الدكتور بدر جاموس جاء على هذه الأرضية، فكيف يمكن تفسير انتخابه بالإجماع مرشحاً عن مكون الائتلاف الوطني لمنصب رئيس هيئة المفاوضات السورية، التي يرأسها السيد أنس العبدة حالياً حيث تنتهي مدة رئاسته لها بعد فترة قصيرة.
انتخاب الجاموس بالإجماع يطيح بالاتهامات غير الصادقة بحقه، وهذه الاتهامات تصدر عن جهات أقل ما يمكن تعريفها واقعياً، بأنها جهات فاشلة على مستوى الأداء الثوري، أو جهات تضع أعلام الثورة السورية حول عنقها لإيهام الناس بأنهم ثوريون إلى حد كبير، في وقت هم يخدمون بتطرّف مقولاتهم استمرار نظام الاستبداد في سوريا.
إن عدداً كبير من السوريين الذين كانوا يعملون عبر مؤسسات الدولة السورية قبل الثورة، وانشقوا إبانها نتيجة قمع النظام المفرط للشعب السوري، هم جزء من هذه الثورة العظيمة، ولا يجوز مطلقاً تسويق اتهامات بحقهم دون وثائق مادية، وهذه الاتهامات لحقت بأغلب قيادة الثورة منذ تشكيل المجلس الوطني ومن بعده تشكيل الائتلاف الوطني.
هذه الاتهامات المجانية أساسها الحقيقي ثقافتنا، التي تمتاز بالريب نتيجة قمع النظام سابقاً لمكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية..
فالنظام الاستبدادي ونتيجة قمعه الشديدة لكل من يختلف معه برؤياه السياسية، استطاع زرع هذا الريب فينا، ولم تستطع قوى الثورة وسيلها الجارف من اقتلاع هذا الريب من وعينا السياسي والاجتماعي بالأشخاص والمكونات.
لذلك تبدو عملية اتهام مؤسسة الائتلاف وأعضائها بأنهم في دائرة الشك عملية رخيصة القيمة، لأنها ببساطة لا تخضع لتقييم واقعي مدّعم بوثائق تثبت ما يتم ترويجه من اتهامات باطلة بحق شخصيات كثيرة في هذه المؤسسة السياسية لقوى الثورة والمعارضة.
عجز النخب السورية عن إحداث تغييرات عميقة في بنى التشكيلات السياسية والاجتماعية يكشف عن أمور يجب تلمسها، فهذه النخب عموماً، بقيت عاجزة عن قيادة الحراك الثوري في بداية الثورة، مما دفع الثورة في منعطفات يتحمل نتائجها اليوم السوريون، وهو ما يجعل مهمة الالتفاف حول الإصلاح الشامل مهمة ذات أولوية لتغيير المسار السابق المعطّل.
إن نشر إشاعات كاذبة، وترويج معلومات غير موثقة وصحيحة بحق قيادة مؤسسة الائتلاف، هو تعطيل حقيقي لمسار اًلاصلاح الذي يبتغيه السوريون وينتظرون عبر استعادة مؤسستهم السياسية المعترف بها من المجتمع الدولي.
إن فيديوهات عديدة سوّق ويسوّق لها على نحوٍ ضيّق بعض ممن عجزوا عن الانخراط الفاعل في دفع عربة الثورة إلى أمام، أو بعض من تستأجرهم جهات تريد تصفية الثورة السورية، هذه الفيديوهات غايتها تشويه حقيقة وواقع قيادات مؤسسات المعارضة، فعجز هؤلاء عن نيل الرضا الشعبي والثوري والدولي، يكشف عن انزعاجهم لخسارتهم مواقع تخيّلوا أنها سيشغلونها في قيادة السوريين، ونسي بعضهم موقفه السياسي من إسرائيل ومن أعداء الشعوب المكافحة من أجل حريتها وسيادتها الوطنية.
إن الاتهامات بإعاقة مسار الانتقال السياسي السوري وفق القرار 2254 يجب أن توجّه إلى طابور إشاعة الأكاذيب وقلب الحقائق، وهؤلاء يعرفهم الشعب السوري من هم، وماذا قدموا للثورة، وكيف يحاولون عرقلة انتصارها عبر الادعاء بأن مسار تنفيذ القرارات الدولية مسار فاشل، وهذا ادعاء كاذب، لأن المسار الدولي يتعلق بميزان قوى، بدأت تظهر ملامحه الجديدة، بعد تورّط الروس في حرب عدوانية على أوكرانيا المستقلة وذات السيادة.