التسوية السياسية بين إسرائيل وسوريا
لم تدخل مصر برنامج التسوية السياسية مع إسرائيل إلاّ مع بدء موجة الحريات السياسية التي كسرت عصر القهر الذي أسسه عبد الناصر، ما يعني أن أحلام الأسد في البقاء غير ممكنة، لذلك فانطلاق العملية السياسية على مستوى الشرق الأوسط هو عنوان المرحلة القادمة، لن تكون بمشاركة نظام الأسد مهما حاول ذلك، سواء من خلال محاولات إعادة اللاجئين، أو غيرها من التنازلات التي سيعمل على إطلاقها نظام الأسد بما في ذلك ما سيتكشف في الأيام القادمة من خلال تمرير رسائل تفيد أن الأسد يمكنه اتخاذ خطوات لإخراج الإيرانيين.
تماماً لم تفلح مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بغض الطرف عن فساد جبران باسيل، فأصبح تحت سقف العقوبات الأمريكية، ما يعني التحييد الكامل للمستقبل السياسي. انطلاقاً من ذلك نقول إن نظام الأسد راحل، لأنه ينتمي لحقبة دموية لا يمكن تبييضها مطلقاً، والنظام القادم في سوريا سيكون معادياً بتكوينه البنيوي لإيران، لأن الحلم الفارسي هو حلم إمبراطوري، يعيد تركيب العالم وفق عالم ما قبل الحرب العالمية الأولى، وهذا غير ممكن.
الميزان الأمريكي:
الخطأ التاريخي للرئيس الأمريكي السابق أوباما هو أنه فتح الباب للتمدد الإيراني، ظناً منه أن إيران ستفكر في النهاية بمنطق الدولة، وأنها في أقصى ما تفكر فيه هو إنشاء حكومة عراقية موالية، وهذا لن يؤدي إلى تضرر المصالح الامريكية، غير أن إيران، وعلى مدار السنوات الماضية أسقطت فكرة الدولة في العراق نحو نظام اللادولة (دويلات المليشيا) ومن العراق امتدت إلى سوريا ولبنان واليمن. ما يعني أن ثمة خارطة واسعة من الفوضى لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن إعادة تأهيلها في المستقبل بسهولة.
هنا يمكن أن نقول أن الرئيس الأمريكي ترامب، باقٍ لفترة طويلة حتى بعد رحيله عن ولايته الحالية، التي هو عنها راحل لا محالة، وهو بلا شك رسم ملامح مستقبل السياسة الأمريكية لسنوات طويلة إلى الأمام، فهو باختصار، عقدة المنشار التي لا يمكن لأي رئيس أمريكي قادم أن يتجاوزها، خصوصاً على صعيد الشرق الأوسط، لأن الحديث عن مغادرة الأمريكان لهذه المنطقة هو محض خيال، لأن أمريكا التي تغرس وتعزز تحالفاتها الاقتصادية(والعسكرية) في محيط الصين، من غير الممكن أن تنسحب أمام العملاق الصيني في منطقة حيوية مهمة تمثل عصب السياسة والاقتصاد العالمي.
التسوية في الميزان الإسرائيلي:
منذ كامب ديفيد كانت إسرائيل تبحث عن تسويات سياسية رابحة، وكان العرب يبحثون عن خطط رابحة لتوريث الحكم والسيطرة على الأوضاع الداخلية ولم يكن أمامهم خيار سوى سيف البطولات (لأجل فلسطين) والاستعدادات الواسعة للتحرير، وهكذا استقرت البلدان العربية لأجل مسمى، وحققت السلام غير المعلن مع إسرائيل، ولكنها الآن باتت أمام تحويل السلام غير المعلن إلى واقع جديد، فرضه تأثير السياسة الأمريكية الجديدة، التي أخرجت بلداً مثل السودان أمضى 30 سنة في خندق معاد لأمريكا، إلى بلد يحظى بدعم أمريكي واهتمام إسرائيلي واسع.
ولكن في العرف الإسرائيلي لا يمكن للسلام، كما هي مصر، أن يتحقق بلا انفراج سياسي، وكما هي الحالة في الأردن، التي شهدت انفراجاً سياسياً وحياة برلمانية ونمط مميز من الحريات التي لم تكن مسبوقة. لأن إسرائيل في النهاية تعرف تماماً أن الدول التي تفكر مثل كوريا الشمالية لا تخدم مصالحها أبداً، لذلك فالمستقبل السياسي لسوريا، هو ماض قطعاً باتجاه التسويات الداخلية، التي ستنهي نظاماً كاملاً ينتمي لحقبة الموت التي تميزت بها الأنظمة التي كانت جزءاً من ساحات الحرب الباردة.
خلاصة:
في معركة تحرير مخيم اليرموك استخدم حزب الله والمليشيا الإيرانية أحدث أنواع الصواريخ التي قامت بتسوية مئات الأبنية بالتراب، وأما في معركة تحرير القدس، فقد نجحت هذه المليشيا خلال الأسابيع الماضية في زراعة عبوة ناسفة بجانب الشريط الشائك في الجولان، والتي حتى لو أبقتها إسرائيل بمكانها لم يكن بمقدورها أن تؤدي إلى مقتل كلب شارد، ما يعني أن دور إيران انتهى في سوريا، فمن يريد أن يحارب، يفعل أكثر من ذلك، لكنها محاولات لمسح ماء الوجه بقليل من الغبار، قبيل استعداداتها للرحيل أمام قطار التغيير الذي تدرك إيران أنه أصبح في سوريا.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”