التسوية السياسية الأمريكية.. في الأهداف والسياقات
تضليل الرأي العام السوري وتهميش دور السوريين في التأثير على مآلات الصراع بما يتوافق مع مصالحهم المشتركة، شكّل أكبر إنجازات قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي بقيادتها الأمريكية – الروسية، ومرتكزاتها في مصالح وسياسات أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية، والسوريّة ومشاركة فاعلة من شخصيات ومنصّات طيف واسع من النخب السياسية والثقافيّة السوريّة.
طوال سنوات، تعمل أقلام وأصوات ومنابر بارزة في النخب السياسية والثقافيّة السوريّة، في المعارضة والموالاة، لدوافع ومصالح خاصّة، على ترويج أكاذيب الدعايات التي تعمل على تغييب وقائع وسياقات الصراع، وقد حققت نجاحات كبيرة في صناعة رأي عام سوري منفصل عن حقائق الواقع، عديم الوزن، إلى درجة بات القسم الأعظم من السوريين، على صعيد النخب والعامّة، إمّا غير مهتمّ بما يحدث، أولا يعرف حقيقة طبيعة ما يحاك من سياسات وخطط لرسم خارطة سوريا الجديدة، في إطار خارطة طريق تسوية سياسية،[1] ولا طبيعة أدوار الأطراف الخارجية والسورية في تنفيذها، بما يساعد القوى المتورّطة في العمل بأريحيّة من خلف ظهر السوريين، أصحاب الحقوق والمصلحة، وفي غفلة منهم!.
حبل طويل من أكاذيب الدعايات، ليس له نهاية، يتحوّل بفعل جهود مشتركة إلى وعي سياسي نخبوي، ويصنّع رأي عام سوري، غير موضوعي، أصبح أكثر العوامل إضعافاً لقدرة السوريين على التأثير في المشهد السياسي، ودفع أحداثه بما يخدم مصالحهم المشتركة!.
أرجو أن يُقرأ بعناية ما أطرحه حول طبيعة التسوية السياسية، في أهدافها وسياقاتها وقواها وآليات عملها في الجزء الاوّل من هذه الدراسة؛ على أمل أن يتناول الجزء الثاني طبيعة الأكاذيب التي يؤدّي ترويجها، وتحويلها إلى وعي سياسي، إلى تغييب حقائق التسوية عن السوريين المهتمين بمعرفة حقائق الواقع، وإدراك مخاطر المرحلة، وسياقاتها، ومآلات تطوّرها، والمعنيين بوحدة سوريا الجيوسياسية، بما هي وطن نهائي لجميع السوريين، دون تمييز في الحقوق والواجبات والضامن لمصالح السوريين المشتركة.
الجزء الأول
مقدمة:
يعيش السوريون ظروف زلزال سياسي مدمّر، لن تقلّ نتائجه خطورة على حاضر ومستقبل حياتهم وبلادهم عن الزلزال الطبيعي، وسيترك نتائج أكثر خطورة على المدى الطويل. فقد تكون أخطار الزلزال الطبيعيّ مؤقّتة، ويصعب ردّها، لكنّ المؤكّد أنّ متطلّبات التعافي منها، ترتبط بوسائل الخروج من دوائر هزّات الزلزال السياسي الارتدادية، وتمر بالضرورة بطريق التعافي من أمراض الوعي السياسي المضلّل، وأكاذيب الدعايات، التي تحرم السوريين من معرفة طبيعة العدو، وآليات مواجهته!.
في التوصيف، يواجه السوريون اليوم عواقب وخيارات تسوية سياسية أمريكيّة، ستغيّر شكل وجوهر سوريا التي عرفناها قبل 2011.
تحت ذرائع وحجج مختلفة، ترتبط ظاهريّا بهدف وضع خطوات عملية من أجل الحد من القتال في سوريا، ووقف الحرب الأهلية، ومن أجل إعطاء المزيد من الوقت لجهود المجتمع الدولي ولإنجاح جهود عملية انتقال وطنية، طَرحَت منذ 2015 في جزأين، مؤسسة مركز بحوث RND الأمريكي (مؤسسة بحثية تعمل على تطوير حلول للتحديات التي تواجه السياسات العامة الأمريكية، وتضع المؤسسة ما تصل اليه من بحوث واستنتاجات على طاولة صنّاع القرار في واشنطن)، ما يعتبره القائمون عليها مسار حل سياسي، ( يتناقض في الأهداف مع ما اعلنته بعض بنود مسار جنيف بشكل ضبابي حول انتقال سياسي)، يؤدّي في النتيجة الى تثبيت مواقع الحصص والنفوذ التي حصلت عليها الدول المتورّطة في الخيار العسكري، التي تحكمها سلطات الأمر الواقع، وتؤدّي في ظل ترحيل هدف الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي إلى أجل غير مسمّى، وفي اعتبار النظام شريك اساسي لإنجاح هذا المسار، الى تقسيم سوريا بين اربع سلطات متناقضة؛ النظام، هيئة تحرير الشام، الجيش الوطني وقسد![2].
إذا صحّ القول بأن المشكلة ليست في وجود تسوية سياسية بحدّ ذاتها – طالما هي الحالة الطبيعية لنهاية الحروب العسكرية، عندما تصل موازين قوى الحرب إلى حالة عجز الجميع عن تحقيق مكاسب على الأرض، فيتداعون الى تسوية سياسية، للوصول إلى صفقة، تشرعن الحصص التي صنعتها معارك الحرب، وموازينها – فإنّ المعضلة التي يواجهها السوريون، الذين دفعوا أثمان الحرب الظالمة، ويأملون بالوصول الى حالة سلام واستقرار دائمة، مركّبة، يمكن شرح طبيعتها، بالإشارة إلى أهمّ حقائق الصراع.
أولاً: في أهمّ حقائق الصراع الذي تفجّر في أعقاب حراك ربيع 2011
1- أدّى تكامل جهود وسياسات القوى المعادية لمسار انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي في دفع حراك السوريين السلمي الإصلاحي على مسارات الحروب الطائفية الميليشياوية إلى قطع مسار صيرورة الثورة السورية السلمية في ربيع 2011، وظهور وتمدد أذرع قوى الثورة المضادة الميليشياوية، المتصارعة على السلطة، وتحوّلها، في نهاية حروب تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين 2015-2020، إلى سلطات أمر واقع ميليشياوية، شكّلت بمجموعها، عناصر النظام السوري الذي كانت تحتكر قيادته وتمثيلة السلطة الشرعية (ما يُسمّى تضليلا نظام الأسد!)؛ ومن غير الموضوعي، بناء على شروط نشأتها ووجودها، وتشابهها في العداء للديمقراطية وفي ارتهانها لأجندات القوى الخارجية من الثورة المضادة، أن تكون قوى أو مشروع سلطة ديمقراطية أو وطنية، كما وتشكّل في إعادة تأهيلها، بشكل منفرد، أو متزامن، وفي أي سياق سياسي، صيرورة تفشيل الدولة السورية، وتقسيمها!.
2- شكّل موضوعيّا أذرع وقوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، جميع الذين انخرطوا في حروب الثورة المضادة، في مرحلتيها الأساسيتين، 2012-2014 و2015-2020، على صعيد الأذرع الميليشياوية الطائفية السورية، المدافعة عن النظام أو الساعية لإسقاطه (التي باتت تشكّل قوى سلطات الأمر الواقع)، أو على صعيد قوى أصحاب المشاريع الإقليمية والدولية المتصارعة على النفوذ والسيطرة، خاصّة الولايات المتحدّة وروسيا، ولا يمكن التعويل على أيّ منها في تقديم مساعدة فعّالة لمسارات وقوى الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي.
3- في ربيع 2020، مع وصول حروب إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ إلى نهايتها، بتوقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي، دخلت قوى الثورة المضادة في مرحلة صناعة التسوية السياسية، بما يتفق مع ما حققته من مصالح في سياق الحرب، وفي غياب كامل للقوى والأطراف التي تمثّل مصالح السوريين المشتركة؛ بعد تحييد نخب الحراك الثوري، وفشل صيرورة تحوّل نخب المعارضة السياسية والثقافية التاريخيّة، العربية والكردية، إلى ممثل حقيقي لمصالح السوريين المشتركة، كبديل، أو كمحاور لسلطة النظام، وسلطات الأمر الواقع الجديدة، وبات ما تقدّمه من وعي سياسي وثقافي يساهم في فبركة رأي عام سوري، منفصل تماما عن حقائق الواقع، يعّزز انقسام السوريين وعجزهم عن إدراك الحقائق، والمساهمة في دفع الصراع إلى المآلات التي تخدم مصالحهم المشتركة.
4- الهدف الأساسي للتسوية السياسية الأمريكية هو إضفاء الشرعية السورية والدولية على الحصص التي أفرزتها موازين قوى الحرب المستمرة بين 2015-2020، (تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين قوى الثورة المضادة)، بما يحافظ بالدرجة الأولى على حصّتها ووكيلها، وعلى وجود سلطات الأمر الواقع المتشابهة في الدور والسياق، ويجدّد بنية النظام السوري، ويحوّل سورية جغرافيا وبشريا إلى كانتونات متصارعة على الثروة والسلطة والارتزاق للأجنبي، وتمنع نهائيا إعادة توحيدها سياسيّا، وتقطع جهود السوريين وآمالهم للعمل معا لمواجهة جميع العواقب التي نتجت عن كوارث الاستبداد والحرب والزلازل.
5- مخاطر نجاح جهود التسوية وأهدافها حقيقية، ليس فقط لأنها تحقق مصالح قيادات الثورة المضادة الخارجية، وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة، بل، والأخطر من ذلك، بسبب تقاطع نتائجها مع مصالح أذرع الثورة المضادة السوريّة، في النظام والمعارضة، على حدّ سواء، وهو ما يجعل الجميع يعمل على تنفيذها، بغياب ممثلين عن الشعب السوري، وعلى حساب مصالح مكوّناته المشتركة!.
ثانياً: في الحيثيات والسياق
1- قادت الولايات المتّحدة، بالتنسيق مع روسيا، منذ تدخّل الدولتين العسكري المباشر خلال 2014-2015، حروب إعادة تقاسم حصص السيطرة التي نتجت عن صراعات المرحلة الأولى من الخيار العسكري الطائفي بين 2012-2014، لصالح الولايات المتّحدة وروسيا وإيران؛ التي كانت تميل لصالح الميليشيات المعارضة، المدعومة من قبل أنظمة تركيا والسعودية إضافة إلى داعش!.
برز تكامل أدوار وجهود روسيا والولايات المتّحدة وإيران ميدانيّاً، في مواجهة شاملة مع ميليشيات الثورة المضادة (المعارضة – المدعومة من قبل تركيا والسعودية)، في الوصول إلى الحالة التي باتت عليها سوريا في مطلع 2020.
في حين تبنّت الولايات المتّحدة (وحلفها، المعادي للإرهاب!)، بشكل أساسي جهود تحييد داعش في مناطق شمال شرق وغرب سورية، (في مناطق التخوم السورية – التركية، وتلك التي تشكّل قلب سوريا الاقتصادي والموقع الجيوسياسي الأكثر تأثيراً بتنسيق مع روسيا والنظام، وباستخدام ميليشيا وحدات حماية الشعب بشكل رئيسي، والبيشمركة وبعض ميليشيات المعارضة تكتيكياً؛ وحوّلتها إلى حصّتها، ووكّلت قسد بإدارتها، بواجهة سياسية لمسد، وغضّت النظر عن تثبيت سلطة خاصّة بجبهة النصرة في بعض مناطق إدلب، نجحت جهود المحور السوري – الإيراني والروسي في تحرير مناطق واسعة، كانت تخضع لسيطرة ميليشيات معارضة وإعادتها إلى السيطرة المشتركة؛ وتمّ ترحيل القسم الأعظم من قوى الميليشيات إلى مناطق في شمال سوريا ووسطها، (وتهجيير، وتغيير ديمغرافي واسع النطاق) وجدت تركيا فرصة في استخدامهم ضحاياهم كأوراق، في مواجهة الجهود الأمريكية والروسية والإيرانية، من أجل إقامة شريط حدودي ومواقع نفوذ، تشكّل حصّتها، والفصائل التابعة لها، من الكعكة السورية، التي عمل المشروع الأمريكي الروسي على إعادة تقاسمها منذ 2015، دون أن يأخذ بيعين الاعتبار المصالح التركية.
تلك كانت، وما تزال، خارطة حصص توزيع الجغرافيا السوريّة، عندما وصلت الحرب إلى خواتمها في نهاية 2019، وقد تمّ توافق الجميع على نتائجها في اتفاقيات 5 آذار التاريخية بين الرئيسين التركي والروسي، ووضعت جميع الخرائط التفصيلية، التي تحدد الحصص ومناطق النفوذ، وقد فشلت جميع الجهود اللاحقة، خلال 2020-2022، التي بذلتها بعض قوى الصراع لتغيير خطوط حدودها.
2- مع نهاية المعارك الكبرى في ربيع 2020، يكون قد حقق المشروع الأمريكي، بالتنسيق والتكامل مع روسيا، هدفه العسكري في إعادة توزيع الجغرافيا السوريّة بين أذرع الثورة المضادة الميليشياوية، التي باتت تشكّل سلطات أمر واقع، ترتبط بمصالح القوى الخارجية، ويضمن أقواها وأكثرها تنظيما، قوّات سورية الديمقراطية قسد وواجهته السياسية مسد، حماية الحصّة الأمريكية؛ وكان من الطبيعي أن تُطلق الولايات المتّحدة مشروع تسويتها السياسية، وجهود وإجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع الجديدة، وإعادة تأهيل النظام، وباتت التسوية السياسية الأمريكية قاب قوسين أو أدنى من التحقق في نهاية 2022، رغم مناورات تركيا لزيادة مكاسبها على حساب قسد، وجهود الرئيسين التركي والروسي لدفع جهود التسوية السياسية بما يحقق السيطرة المشتركة على مناطق قسد.
3- جوهر مشروع التسوية السياسية الأمريكية، (الذي يقوم على مبدأ اعتراف متبادل، يؤسس لقيام تهدئة مستدامة بين جميع سلطات الأمر الواقع، وخارطة طريق تأهيل متزامن، يحافظ على الحصص ومناطق النفوذ التي صنعتها حروب تقاسم الحصص بين 2015-2020)، يضمن مصالح جميع قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، سواء بقيادتها الأمريكية الروسية أو الشركاء الإقليميين والأذرع السورية، ويثبّت سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، ويحوّلها إلى حالة طبيعية مُستدامة، تؤسس لعوامل تفشيل الدولة السورية؛ وتؤكّد النهاية المأساوية لسيرورات الحل السياسي الوطني، وآمال بناء الدولة الوطنية الديمقراطية!
4- ما يجعل جهود التسوية السياسية الأمريكية خطرا محدّقا على وحدة سوريا الجيوسياسية ليس فقط توافقها مع سياسات قوى الاحتلال الخارجية، روسيا وإيران، بل، علاوة على ذلك، تقاطعها مع مصالح سلطة النظام السوري في إعادة التأهيل، ومع مصالح قيادات سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، التي من مصلحتها دوام الوضع القائم وشرعنته؛ كما ومن مصالح المعارضات السوريّة، اليسارية والاخوانية، التي باتت تتبادل الولاء والدعم والارتزاق لسلطات الأمر الواقع، قسد والجيش الوطني والهيئة، تماما كما هو حال نخب الموالاة!
[1]– قدّم مركز بحوث RAND الأمريكي في 2015 دراسة في جزأين حول طبيعة التسوية السياسية التي يعتقدون أنّها تخدم في مآلاتها مصالح الولايات المتّحدة وسياساتها السوريّة، الساعية إلى إقامة موطئ قدم على الجغرافيا السوريّة، يتقاطع مع مصالح وسياسات القوى التي تورطّت في خيار الحرب، دون أن يبالوا لواقع تناقض نهجها ونتائجها في الجوهر مع مسار جنيف، وقيام حل سياسي وطني (وقد تقاطعت مع أطروحات روسية متشابهة في الطبيعة والأهداف!).
الاقتراحات الأساسية في مشروع سلام RAND التي تُنفَّذ خطواتها بحذافيرها منذ 2015 بالتنسيق مع روسيا وإيران، ومشاركة تركيا خلال 2017 وعبر مسار آستنة، بشقّيه السياسي والعسكري.
بعض مما جاء في حيثيات الدراسة، التي شكّلت لاحقا قاعدة لمشروع التسوية السياسية الأمريكي:
- يجب أن يكون الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وشركائها التفاوض على وقف دائم للأعمال العدائية مع دعم الحوار الطويل الأمد حتما بين الفصائل السورية فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية. (ترى أن مستقبل سوريا يُبنى على أساس وجود الفصائل السورية!!، وفي إطار علاقات تفاهم بين قياداتها!!).
ولأنّ هدف إعادة توحيد سوريا في ظل قيادة وطنية متفق عليها ومع مجموعة واحدة من الهياكل الأمنية – هو أمر بعيد، (بمعنى قيام حل سياسي وفقاً لـ 2254 قضية مؤجّلة، إلى أجل غير معروف – لأنّه ليس في خطط وسياسات واشنطن، ولا يتوافق مع مصالحها!) يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية (وهل ستبقى انتقالية؟)، (قيام كانتونات، تحت سلطات أمر واقع!!).
- تنفيذاً لما ورد في وثيقة مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان ديمستورا، (أن تكون سوريا دولة ديموقراطية غير طائفية قائمة على المواطنة والتعددية السياسية، وتمثيل جميع عناصر المجتمع السوري، وسيادة القانون واستقلال القضاء والمساواة في الحقوق، وعدم التمييز وحقوق الإنسان ومبادئ التصالح الوطني، وعلى التزام السوريين بإعادة تأسيس جيش وطني قوي موحد عبر نزع أسلحة الجماعات المسلحة ودمج أعضائها من الجماعات التي تدعم الانتقال لمرحلة جديدة وتأسيس دستور جديد، قد يكون مرغوباً، لكنّه هدف غير واقعي بالمدى المتوسط.
يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية.
ولذلك، نقدم في هذا المنظور أربعة نماذج لتحقيق اللامركزية التي قد تنشأ نتيجة لتسوية سلمية، أو حتى في غياب مثل هذا الاتفاق الشامل. وعلى الرغم من أن إضفاء الطابع الرسمي على هذه الاتفاقات بين الأطراف وتحت رعاية دولية يكون مفضّلا، يكون تطور هذه الترتيبات بحكم الواقع وليس بحكم القانون. وبطريقة أو بأخرى، يجب أن تعكس هذه الترتيبات حقيقة السيطرة المحلية حتى وإن كانت ستستمر بشكل مؤقّت.
[2]– شهدت منطقة إدلب وبالتحديد جنوب الطريق الدولي M4 تصعيداً روسياً منذ آذار/مارس 2021 حتى نهاية نيسان/إبريل 2021، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد منطقة إدلب تصعيداً قوياً كالسابق، خاصة في محاولات التسلل والاشتباكات البرية المباشرة، مع تواصل القصف المدفعي وغارات الطيران الحربي والطيران المسيَّر في المنطقة، في حين شهدت جبهات شمال شرق سورية في منتصف آب/أغسطس 2021 وتحديداً في منطقة عين عيسى تصعيداً كبيراً من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا ضد مجموعات قسد.
ربّما يرجع عدم التغيُّر في نُسَب السيطرة ليس فقط إلى حرص النظام وروسيا وفصائل المعارضة على الالتزام بشروط وقف إطلاق النار في إطار مذكّرة موسكو التي تم توقيعها بين تركيا وروسيا في 5 آذار 2020، وإلى رضى تركيا بما حصلت عليه من حصص، بل إلى قوّة عصا الولايات المتّحدة الغليظة، وحرصها على الحفاظ على الحصص في ظلّ موازين القوى القائمة.
على أيّة حال، وفقاً لخريطة السيطرة العسكرية التي يُصدرها مركز جسور للدراسات بالتعاون مع منصة إنفو رماجين لتحليل البيانات، فإنّ نِسَب سيطرة القُوَى على الأرض هي على النحو الآتي:
- حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، وتتوزع مناطق سيطرة المعارضة في إدلب ( سيطرة مشتركة بين الهيئة المدعومة أمريكياً، وجبهة التحرير، المدعومة من تركيا – الإضافة لنا)، وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة الزكف والتنف (المنطقة 55) في جنوب شرق سورية.
- حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته (المشتركة مع النظامين الروسي والإيراني – إضافة لنا)، وهي: (63.38%) من الجغرافيا السورية، وهي سيطرة شِبه تامة على محافظات الساحل والوسط وجنوب سورية، وسيطرة على أجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب. وتحوَّلت سيطرته على محافظة درعا إلى سيطرة شاملة بعد عملية تصعيد بدأها النظام على درعا في تموز/يوليو 2021 وانتهت باتفاق السيطرة الشاملة على المحافظة في 1 أيلول/سبتمبر 2021، بينما بقيت سيطرة النظام على محافظة السويداء سيطرة هشَّة مقتصرة على الفروع الأمنية ومؤسسات الدولة دون دخول الجيش إليها.
- حافظت قوات سورية الديمقراطية قسد، (المتداخلة مع مواقع نفوذ روسية وإيرانية وحكومية- لنا)، على نسبة سيطرتها وهي: (25.64%) من الجغرافيا السورية، وهي نفس النسبة المسجلة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وتشمل أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب. وأصبح من الممكن تقسيم مناطق سيطرة قسد وَفْق انتشار القواعد العسكرية للتحالف الدولي أو للقوات الروسية، فقواعد القوات الروسية تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي انسحبت منها قوات التحالف، إضافة لقاعدتها الرئيسية في مطار القامشلي.
- بطبيعة الحال لم يَعُدْ لتنظيم داعش أيّة سيطرة عسكرية على الأرض السورية منذ شباط/فبراير 2019.