fbpx

التراث السوري وجمالياته

0 297

الرَّحى

الرّحى: حجر لطحن الحبوب 

المثنى رحيان، وقيل: رحوان باعتبار أصل الألف واو “رحا”، والجمع أرحٍ، وأرحاء، ورُحِيّ، ورِحِيّ.

ودارت رَحى الحرب: اشتعلت، واشتدّت.

وفلان رَحى قومه: سيّدهم 

والرَّحى: الضرس من الأسنان

ورَحى الحرب: حومتها.

تعدّ الرّحى من أقدم الوسائل التي صنعها الإنسان، واستخدمها بعد أن فلح الأرض، وزرعها، وقد رافقته عبر العصور، وآلاف السنين، ولا نقول اختفت إلّا بشكلها البدائي، وإنّما تطوّرت على مراحل حتى وصلت إلى هذه المطاحن العملاقة اليوم.

مما تتكوّن الرَّحى اليدويّة القديمة؟ 

تقطع بداية من حجر البازلت الأسود، ذي الملمس الخشن، قطعتان على شكل دائري، بحيث تكون واحدة ثابتة من الأسفل، يتوسّطها ثقب يثبّت فيه عود من خشب، أو حديد يسمّى قطب الرّحى، والقطعة الثانية تركّب فوقها، ويتوسّطها أيضا ثقب إلّا أنَه أوسع بقليل، بحيث يسمح بإدخال الحبوب عبره إلى جوف الرّحى، وهناك ثقب آخر في طرف القطعة العلوية، تثبّت فيه قطعة من الخشب تستخدم كمقبض لتدوير الرّحى.

أجزاء الرّحى وعملية الطحن
1- حجر الرّحى: هي عبارة عن قطعتين دائريتين، علويّة، وسفليّة كما ذكرنا لا يتجاوز قطر كلّ منهما 50 سم
2- قطب الرّحى: عود من خشب أو حديد، يثبّت وسط القطعة السفليّة، وهو محور الرّحى الذي تدور حوله القطعة العلويّة.
3- مقبض الرّحى: وهو عود من خشب ما يملأ قبضة اليد، أو أطول بقليل، في طرف القطعة العلويّة، تدار به الرّحى.
4- ثفال الرّحى: قطعة من نسيج، أو جلد، أو قماش توضع تحت الرّحى ليقع عليها الطحين.
وظيفة الرّحى، وكيفية العمل عليها؟
نجد أنّ المرأة هي من تقوم بهذه المهمّة الشاقّة، إضافة إلى المسؤوليات الأخرى.
حيث تقوم بوضع الثفال تحت القطعة السفليّة، وتركّب عليها القطعة العلوية، وتبدأ بطحن الحبوب سواء أكانت قمحاً، أم شعيراً، أم ذرة، وذلك بوضع “لهوة” من الحبوب، أي ما يملأ الكفّ الواحدة في ثقب القطعة العلوية، وتقوم المرأة بتدوير هذه القطعة، من خلال المقبض الخشبي المثبت في طرفها، وذلك من اليسار إلى اليمين.
وإذا كان الأمر يتطلّب طحيناً، فإنّ تدوير الرّحى يكون ببطء شديد، ويستوجب أن يعاد طحنه مرتين، أو ثلاث، وإن كان المطلوب جريشاً، فإنّ الطحن يكون سريعاً، ولا يستوجب إلّا دورة واحدة.
تطوّرت الرّحى مع إبداعات الإنسان، واحتياجاته عبر العصور، فصنع الرّحى بحجم أكبر، واستخدم الحيوان في تحريكها مثل الحصان، أو البغل، ومن ثمّ اخترع الرّحى التي تعمل بقوة الماء، وذلك من خلال نصبها على حافة نهر، بحيث تتدفّق المياه على محور خارجي لتحريكها، وتدويرها بسرعة كبيرة.
وبعد ظهور النّفط، غدت تديرها محرّكات تعمل على الديزل، ومن ثمّ الكهرباء، حتى وصلت إلى هذه الحداثة في المطاحن العملاقة، التي تطحن اليوم عشرات الأطنان من القمح، والحبوب الأخرى خلال يوم واحد.
من جانب آخر نرى أنّ لفظ “الرّحى” خرج عن معناه الحقيقي، وتوسّع مجازاً إلى مدلولاتٍ أخرى لدى العرب، بناء على عمل الرّحى، وفاعليتها وخصوصاً في مصطلح الحرب، والمعارك من مثل قولهم: “دارت رَحى الحرب”.
وقد استخدم كثير من الشعراء هذا المدلول، فهذا زهير بن أبي سُلمى يصف الحرب بالرّحى، وذلك خلال مدحه الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، عندما أوقفا الحرب بين عبس، وذبيان محذّراً من عواقب الحرب، ونتائجها قائلاً:
وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجّم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
وتضرَ إذا ضرّيتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرّحى بثفالها
وتلقح كشافاً ثمّ تنتج فتتئم
فبعد أنّ شبّه الحرب بالنار المستعرة، رجع وشبّهها بالرّحى في آخر بيت، التي تطحن كلّ ما يقترب من وسطها، وتلقيه بثفالها.
وهذا عمرو بن كلثوم جعل قومه رَحى طاحنة، متى ينقلوها إلى عدو يصبح لها طحيناً كقوله مفتخراً:
متى ننقلْ إلى قوم رحانا
يكونوا في اللّقاء لها طحينا
كما رافقت الرّحى بعض الأساطير، والمعتقدات الاجتماعيّة لدى البدو قديماً، فهي رمز للقوة والفتك، حيث كانت النساء ترفع قطع الرّحى، وتومئ بها إلى العدو في حال نشوب المعارك، إضافة إلى رفع بعض النسيج الأحمر اعتقاداً منهنّ بسوء الطالع للخصم وبنصرة أقوامهنّ، وإثخانهم بالعدو.
وبسبب الصلة الوثيقة بين المرأة، والرّحى فقد اكتسبت هذه العلاقة أبعاداً نفسيّة، واجتماعيّة تمخّضت عن رواية القصص، ونجوى الأحاديث الخاصّة، والأغاني، وكلَها على صوت الرّحى، وبقربها، وخصوصاً عندما يجتمع عليها أكثر من فتاة، حتى انبثقت عنها أغان مازالت ليومنا هذا تردّد في الغناء من مثل:
“ما گِلتلچ يا يمّه على الرّحى عينيني
ما أدري الرّحى ثِجيلة ما أدري الهوى راميني”

ورغم أنّ دور هذه الرّحى اليدويّة انتهى، واختفت منذ بضعة عقود، إلّا أنّها تعدّ من أهمّ وسائل الإنسان في صنع خبزه عبر العصور، وواحدة من أبرز القطع الأثرية الشاهدة على تراثنا الشعبي، وأصالته، وقد يتفاجأ بعض المتابعين إذا قلنا إنّها عادت، واستخدمت في بعض المناطق لطحن الحبوب، بسبب انقطاع الكهرباء، والحصار المطبق الذي طال بعض المناطق، والأحياء السورية قبل أربع سنوات.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني