fbpx

التخلف الاجتماعي.. أسبابه وكيفية تفكيكه في حياتنا الاجتماعية

0 301

ظهر مصطلح التخلف الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك التاريخ، نُشرت آلاف المقالات والأبحاث، التي تنهل من أطرٍ ونظريات متعددة، وغايتها دراسة هذه الظاهرة دراسة علمية، من نواحٍ وأوجهٍ مختلفة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية.

الحديث عن تخلف فرد أو مجتمع ما، يعني أننا نقيسه على نموذج أكثر تطوراً وتمدناً، أي يكون القياس نسبياً مع نماذج الدول المتقدمة، وعليه، يمكن تعريف التخلف الاجتماعي: “على أنه عدم قدرة الدول على إدارة شؤونها والنهوض بواقعها الاقتصادي والاجتماعي والتخلص من تبعيتها للدول المتقدمة”.

وبالنظر إلى أغلب الدول التي حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن القول أنها بصورة عامة وليست مطلقة فشلت في تطبيق سياسات اقتصادية تعمل على تنمية مواردها الزراعية والصناعية، ولم يستطع رأس المال وحده من خلق فعالية تنموية تّخرج المجتمع من جموده، مما أدى إلى انتشار الفقر، وارتفاع في حجم البطالة، والاندفاع نحو الهجرة إلى خارج الوطن، بحثاً عن وظيفة أو عمل، إضافة إلى استمرار الاعتماد على عمليات استيراد السلع من الخارج، وهو استيراد يكشف غياب خطط تنموية حقيقية، هذا الاعتماد غير المبرر على استيراد السلع هو من أوقع الدولة في شرك الديون، وعمّق من تبعيتها للدول الأقوى اقتصاديا .

إن البحث في مسألة التخلف الاجتماعي تستدعي بالضرورة دراسة بنية النظام السياسي، مما يضيء أفق توجه السلطة الحاكمة حيال مسألة حاسمة للمجتمع هي مسألة تنميته بصورة متسقة ومتوازنة على قاعدة خطط ملموسة، تنهل من توفر الخامات الوطنية التي تساعد على الدفع بعملية تنمية شاملة ومستقلة.

إن البحث في طبيعة النظام السياسي في بلدٍ ما تقود إلى ضرورة معرفة سياق تطوره الاجتماعي، هذا التطور، يتعلق بالفرد وحجم انتاجيته، ونوعية علاقات الإنتاج القائمة، وكيفية إدارة الإنتاج، وشفافية هذه العملية برمتها، وانعكاس تلك الإنتاجية على تطور دخل الفرد والمجتمع وبنى الدولة، والتي يجب أن تلعب دور تحقيق هذه التنمية بموجب برامج اقتصادية واجتماعية واضحة يتمّ طرح رؤى مختلفة حولها.

في البلدان المتخلفة، يتمّ النظر إلى الإنسان من خلال انتماءاته العائلية، أو الطائفية أو الحزبية الحاكمة، حيث تتمّ تربيته وفق ما تطلبه الجماعة، مما يدفع إلى قتل روح المبادرة الفردية ومتطلباتها، كالتفرد، والخيال، والإبداع. وهذا يؤثّر على قدرة الأفراد على الاندماج بشكل كامل في المجتمع، والمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بنفس القدر الذي يمكنهم من خلاله تحقيق تطلعاتهم وإمكاناتهم الكاملة.

في هذه الظروف يعيش الفرد في حالة عجز اجتماعي تفقده الثقة بقدراته، فلا يستطيع شيئاً إزاء قوى التسلط.

ولكن يمكن تسليط الضوء على أهم أسباب التخلف الاجتماعي، ويأتي في مقدمتها الفقر. فعدم قدرة الدولة على استخدام مواردها بكفاءة عالية، يؤدي بها إلى انخفاض مستوى دخل الفرد فعلیاً، مما يجعل من تأمين لقمة العيش هدفاً أساسياً قبل اية أهدافٍ أخرى.

لذلك، ينبغي على الدولة أن تضع افراد المجتمع في المجتمع في حالة قدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والسكن اللائق، وهذا يؤثر على قدرتهم في تحفيز مبادراتهم الفردية خدمة للتنمية الوطنية الشاملة، هذه التنمية هي من يوفر فرص العمل والقدرة على الابتكار إذا ما اقترنت بالحريات الفردية وفي مقدمتها الحريات السياسية.

أما الأسباب المهمة في فشل سياسات التنمية في هذه الدول، فياتي في مقدمتها زيادة أعداد السكان زيادة كبيرة قياساً على الناتج المحلي الوطني، مما يخلق اختلالاً بين ميزاني الموارد والانفاق، لذلك من متطلبات التنمية الاجتماعية ضبط عملية التوازن الاقتصادي بين الموارد والنفقات العامة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التمييز والتهميش الاجتماعي إلى التخلف الاجتماعي. على سبيل المثال، قد يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبة في الوصول إلى المرافق العامة أو فرص العمل المناسبة لقدراتهم، مما يجعلهم يشعرون بالعزلة والتهميش. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التحيزات الاجتماعية المتعلقة بالجنس والعرق والدين والطبقة الاجتماعية إلى تفاقم التخلف الاجتماعي وتعزيزه.

كذلك، تتجلى مظاهر التخلف الاجتماعي في عدة جوانب من حياة الأفراد، والتي تنعكس على المجتمع ككل. فقد يعاني الأشخاص المتخلفون اجتماعياً من صعوبة في إيجاد فرص عمل ملائمة، وبالتالي، يعيشون في ظروف اقتصادية ضعيفة، تؤثر على قدرتهم في بناء علاقات اجتماعية صحية ومستدامة، ويشعرون بالعزلة والانفصال عن المجتمع، ويمكن أن يؤدي التخلف الاجتماعي أيضاً إلى زيادة مستوى الجريمة والعنف نتيجة اختلال العدالة الاجتماعية العامة..

أما معيار دخل الفرد السنوي فهو يعدّ من أهم المعايير لقياس مدى تخلف مجتمع ما، لارتباطه بمعايير أخرى، مثل مستوى التعليم، ومستوى الحالة الصحية، أو متوسط أعمار الأفراد، ومستوى التغذية، ويقاس أيضا من خلال سلوكيات أفراد المجتمع ومنها احترام الأنظمة العامة، والالتزام بالقوانين، واحترام الوقت، والالتزام بقوانين السير، والعناية بالجسد ومظهره وأناقة اللباس، وأيضاً احترام أدبيات الحوار، والنقاش، وعدم إقصاء الآخر، والقناعة بأهمية التفكير الجدلي، بالإضافة الى نظرة المجتمع لمكانة المرأة و تمكينها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وعدم اللجوء للعنف والعدوانية بشتى مظاهرها لحل الخلافات بين الافراد والجماعات .

إن عدم وجود هذه السلوكيات التي مررنا على ذكرها في مجتمع ما ، يكون نتاجاً طبيعياً ومباشراً لقصور وعي الإنسان بقيمته، تلك التي لا يمكن إدراكها سوى بتنمية مستوى العلم ومستوى الثقافة ومستوى التنوير في ظل سياسات تنموية، تضع بناء الانسان هدفا أولياً واستثماراً أساسيا ًلتنمية مجتمعية مستدامة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني