التخفي حيلة يستخدمها الشباب في اللاذقية للهرب من الخدمة في صفوف النظام
في مستودع مهجور في أحد أحياء مدينة اللاذقية يمضي الشاب حسن (اسم مستعار) عامه الثاني، فهو لا يخرج منه، منذ تم إبلاغه للالتحاق في صفوف الجيش لخدمة العلم الإلزامية، ينتظر على أمل الهرب خارج البلاد أو نحو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو أن ينتهي هذا الوضع، يروي “لنينار برس” تفاصيل عن حياته، فهو لا يخرج أبداً خوفاً من حواجز النظام أو دوريات الأمن، حيث يقوم والديه بتأمين الطعام وحاجاته، معتبراً أن هذا الوضع الذي يعيش فيه رغم سوئه إلا أنه يضمن له البقاء على قيد الحياة وعدم الاشتراك بالجرائم التي يرتكبها جيش الأسد.
كما أنه يمضي اليوم بصعوبة كبيرة في السجن الذي يعيشه، وغياب معظم الخدمات الأساسية كالكهرباء والتدفئة وغيرها، فهو يحاول معرفة الأخبار وتفاصيل الحياة من خلال الإنترنت فهذه طريقته الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي إضافة إلى بعض المعلومات التي تحملها له والدته بين الحين والآخر، أشار إلى أن جميع أصدقائه وأقاربه يعرفون أنه سافر خارج البلد، ولا أحد منهم لديه علم بقصته وبتخفيه، وهو حريص جداً في هذا الأمر وذلك بسبب الوضع الأمني السيء وكون الكثير ممن بقي في اللاذقية لديه علاقات مع عناصر وقوى الأمن وليدهم أولاد يخدمون في صفوف النظام.
يضيف أنه يستخدم اسماً غير حقيقي على حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ويضيف فيها الكثير من الأصدقاء المعارضين للنظام ويعرف من خلالهم الأوضاع في المناطق الأخرى ويخبر بعضهم أنه مقيم داخل المدينة ويتخفى دون الكشف لهم عن هويته واسمه الحقيقي، منوهاً أنه يوجد العشرات من الشباب يعيشون نفس حالته ووضعه ممن لا يرغبون بالانضمام إلى النظام من المطلوبين للاحتياط أو الخدمة الإلزامية، لكن حياتهم هذه تحمل الكثير من الخوف والمخاطرة خصوصاً في ظل قيام قوات الأمن بحملات تفتيش ومداهمة بين الحين والآخر بحثاً عن المطلوبين، معتمدين في بعض الأحياء على التقارير الأمنية والإخباريات من عملائهم.
“س.ب” شابة فقدت ابن عمها الذي تخفى داخل المدينة لأكثر من ثلاثة أعوام بعد أن داهمت دورية للأمن المكان الذي يختبئ به وتمكنت من إلقاء القبض عليه ليتم إخبارهم بوفاته بعد أسابيع قليلة.
تروي لنينار برس تفاصيل حول أسباب تخفيه لهذه الفترة الطويلة واصفة الوضع داخل المدينة بالصعب جداً فتكاليف الخروج منها نحو المناطق المحررة مرتفعة جداً تصل إلى ألفين دولار وهو مبلغ يصعب تأمينه على الشباب الراغبين بالهرب من الخدمة مع النظام وحتى على أهاليهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار وعدم توفر فرص العمل فنسب الفقر كبيرة جداً، لذلك يلجأ عدد من الشباب إلى التخفي ريثما يستطيعون تأمين المبلغ أو ينتظرون تحسن الأوضاع أو ضمان الطريق ليكون آمناً ومتاحاً، ففي بعض الأحيان يكون التفتيش دقيقاً وشديداً على الحواجز أو لتأمين بعض الأوراق الثبوتية المزورة لاستخدامها من أجل عبور الحواجز بشكل آمن، منوهة إلى أن المخاطر التي يواجهونها في عبور عشرات الحواجز كبيرة جداً، كما أن إيجاد فرصة للسفر إلى خارج البلاد بشكل نظامي أمر صعب للغاية، وأسماء المتخلفين عن أداء الخدمة الإلزامية معممة على الحواجز والمطارات وغيرها، ويستطيع أي حاجز اعتقالهم وسوقهم إليها.
تعتبر أن موضوع التخفي يحمل مخاطرة كبيرة في حال صادفوا مصيراً يشابه مصير ابن عمها، لكنه أفضل خيار في ظل هذه الأوضاع ويعتبر أقل خطورة من التوجه نحو الجبهات للموت أو لارتكاب الجرائم.
ينتشر هذا الأمر بشكل كبير بين الشباب الموالين للنظام في اللاذقية ويأتي في كثير من الأحيان نتيجة الضغط عليهم من قبل أهاليهم لمنعهم من الموت وحمايتهم.
نشطاء معارضين من المدينة أكدوا أن الأسر الموالية لا ترغب في خسارة ما تبقى لديها من شباب خصوصاً وأنهم قدموا الكثير، ولا تكاد توجد أسرة من قرى وبلدات الساحل إلا وفقدت أحد أولادها بين قتيل أو جريح، وحفاظاً على ما تبقى لديهم يدفعونهم للتخفي، خصوصاً أنهم عاجزون عن الهرب نحو مناطق سيطرة المعارضة، لذلك، فإن خيار التخفي والبقاء ضمن منازل آمنة هو الأفضل بالنسبة لهم، وزاد هذا الأمر بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين مع تضاعف أعداد قتلى وجرحى النظام من الموالين في الساحل، ووصول الحال إلى وضع صعب، إذ تحولت مدن الساحل إلى مدن خالية بشكل شبه كامل من الشباب علماً أن بعض الأسر فقدت أكثر من شاب. إضافة إلى عدم وجود تعويض حقيقي ومقارنة وضع أبناء هذه الأسر الذين يقتلون على الجبهات بشكل يومي، بأوضاع أبناء عائلة الأسد وأبناء المسؤولين المنشغلين بالسرقة وجمع الأموال وتجارة المخدرات.
يذكر أن النظام يقوم بحملات تجنيد واسعة تستهدف الشباب في أعمار مختلفة، لتغطية النقص العددي لديه، تتزامن غالباً مع المعارك التي يخوضها ضد فصائل المعارضة منذ حوالي تسعة أعوام، والتي يخسر فيها عدداً كبيراً من المقاتلين، لذلك يسعى لسد النقص العددي ويعتمد بشكل أساسي على المدن الموالية له كاللاذقية وطرطوس التي تشكل خزاناً بشرياً له.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”