
التباين الواسع بين سياستي الحكومة الانتقالية الخارجية والداخلية.. وأهمية التوازن بينهما
مقدمة:
تجاوز عمر الحكومة الانتقالية مرحلة التأسيس، ودخلت مرحلة تتطلب بناء سياسات متماسكة ومتكاملة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومع أن الحكومة أحرزت تقدماً ملحوظاً في تفعيل علاقاتها الخارجية، إلا أن ذلك وحده لا يشكّل مرتكزاً كافياً لضمان نجاحها أو تحقيق الاستقرار في المناطق التي تديرها.
النشاط الخارجي لا يكفي وحده:
لا شك أن الحراك الخارجي للحكومة الانتقالية يُعد تطوراً مهماً، خاصة في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية، لكن الاعتماد عليه بمعزل عن سياسة داخلية واضحة قد يُحدث فجوة بين تطلعات المجتمع المحلي والمكتسبات الدبلوماسية. فنجاح أي حكومة لا يُقاس فقط بحضورها الخارجي، بل بقدرتها على معالجة الملفات الداخلية الحيوية.
الحاجة إلى سياسة أولويات داخلية:
ما تزال الحاجة ملحة لوضع سياسة داخلية مبنية على أولويات واضحة تدفع نحو الاستقرار العام. ويُعد غياب هذه الأولويات عائقاً أساسياً أمام تحسين الواقع المعيشي، وبناء الثقة بين المواطنين والحكومة.
تعديل الإعلان الدستوري:
من الضروري النظر بجدية إلى تعديل الإعلان الدستوري، ليصبح مظلة جامعة لكل المكونات السياسية والاجتماعية، ما يخلق إطارًا تشاركيًا أكثر توازناً، ويعزز الشرعية السياسية من الداخل.
العدالة الانتقالية كضرورة ملحة:
لا يمكن الحديث عن استقرار دون تفعيل حقيقي وشامل لمسار العدالة الانتقالية، التي من شأنها أن تُنهي تركة الماضي، وتعزز المصالحة المجتمعية، وتفتح الطريق نحو بناء عقد اجتماعي جديد.
المواطنة ومركزية الدولة:
في ظل النقاشات حول اللامركزية، تبرز أهمية ترسيخ مفهوم “المواطنة التوافقية” ضمن إطار مركزية الدولة، بما يضمن الحقوق ويحقق التوازن، دون الذهاب إلى نماذج تقوّض وحدة القرار أو تؤسس لانقسامات جغرافية أو سياسية.
قوانين الأحزاب والحريات الإعلامية:
إقرار قانوني الأحزاب والحريات الإعلامية سيشكل خطوة محورية نحو تعزيز الحياة السياسية، وإرساء مناخ يتيح التعبير والتعددية، وهو ما تحتاجه أي مرحلة انتقالية جادة.
التوازن في توزيع المناصب:
إشغال المناصب في مؤسسات الدولة ينبغي أن يتم على أسس الكفاءة والتمثيل المتوازن لكل المكونات السياسية والاجتماعية، دون أفضلية لمكون واحد أو جهة بعينها، بما في ذلك الجهات العسكرية أو الفصائلية.
لا استقرار بلا عدالة:
الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بعدالة سياسية واجتماعية تُشعر الجميع بأنهم شركاء في الوطن، وأن فرصهم وحقوقهم مصونة دون إقصاء أو تهميش.
خاتمة:
إن نجاح الحكومة الانتقالية لا يُقاس بحجم نشاطها الخارجي فقط، بل بمدى قدرتها على إيجاد التوازن الضروري بين سياستها الخارجية واحتياجات الداخل. فالتكامل بين هذين المسارين هو ما يصنع الشرعية الفعلية ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والبناء.