fbpx

الاستعدادات الدولية والإقليمية لمرحلة ما بعد بشار

0 360

“لقد انتهى دور الأسد” هكذا لخص طلعت أنوروفيتش شتين نائب رئيس الأكاديمية الروسية الوطنية موقف بلاده من نظام بشار الأسد، ورؤيتها لسوريا المستقبلية، وطبيعة نظامها الجديد المنتظر، وهي الرؤية التي بدت تتضح أولى ملامحها في التحركات التي تشهدها الساحة السورية منذ عدة أشهر، سواء على الصعيد الداخلي أو فيما يخص تحركات الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في تلك الأزمة. 

تحركات يستشف منها أن الاستعدادات لرحيل بشار الأسد بدأت فعلياً، وأنه يجري حالياً في الغرف الدبلوماسية المغلفة تحديد المراحل التي سيتم بموجبها الانتهاء من حكم آل الأسد، وتجهيز البديل الذي سيخلفه، والأسلوب الذي سيتم اعتماده لكيفية الإعلان عن كل مرحلة منها على حدة، وهي المراحل التي ستقودها روسيا في الغالب، بالاتفاق مع كل من تركيا وإيران.

التحرك الروسي صوب خيار سوريا بلا نظام بشار، بعد مرور 10 سنوات كاملة على قيام الثورة السورية، دعمت فيهم روسيا نظام الأسد، وكانت سبباً رئيساً في إطالة أمد بقائه في السلطة، جاء نتيجة حالة الانزعاج والصداع المستمر التي أصبح يعاني منها الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً بسبب كثرة الأخطاء التي أصبح يرتكبها الأسد شخصياً والمحيطون به، وهي الأخطاء التي تُكلف روسيا الكثير سياسياً وعسكرياً.

رصدت الاستخبارات الروسية عدة محاولات قام بها الأسد من خلال معاونيه ومستشاريه للتقارب مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وكانت هذه المحاولات القشة التي قصمت ظهر بعير التعاون الروسي مع بشار، إذ اعتبرها بوتين خيانة له، وجعلته متأكداً أن الأسد أصبح شريكاً غير مأمون الجانب، ولا يمكن الوثوق به أو بأركان حكمه، وأنه آن أوان العمل على إقصائه عن سدة الحكم في سوريا بأقصى سرعة ممكنة.

فلاديمير بوتين حدد على ما يبدو خياراته وحسم أمره، حيث اختار رامي مخلوف ابن خالة الأسد ليحل محله في حكم سوريا، اختيار بوتين لمخلوف جاء بعد اجتماعات مغلقة هامة أجراها كل من رئيس الاستخبارات الروسية سيرجي نار يشكين ونظيره التركي هاكان فيدال، مع نائب الأسد لشؤون الأمن اللواء علي مملوك، بحضور ممثلين عن المكونات الإثنية والعرقية للشعب السوري، وذلك في مقر وزارة الدفاع الروسية، لبحث تأسيس سوريا الجديدة. 

المناقشات التي دارت في تلك الاجتماعات كانت إيجابية في مجملها، إلا أن العقبة الوحيدة تمثلت في القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية، والتي تم تجاوزها عبر الضمانات التي قدمتها الأطراف الممثلة في الاجتماعات، والتي تم طرح اسم مخلوف فيها من جانب موسكو، التي أخذت بعين الاعتبار في ذلك الاختيار مصالح كل من الجهات السيادية السورية والدول الإقليمية، بينما تجاهلت رأي السوريين أنفسهم في ذلك الاختيار الذي سيفرض عليهم في المرحلة الأولى لإنهاء حكم آل الأسد على الأقل، واستند ذلك الاختيار على ما يلي:

1 – إن رامي مخلوف يلقى قبول الجيش السوري، ولا يوجد من قياداته من يتحفظ على الرجل أو لديه مآخذ على توليه قيادة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة.

2 – كما أن الاستخبارات السورية تُرحب به كخليفة محتمل لبشار، وتثق في قدرته على تحمل مسؤولية تأسيس سوريا الجديدة.

3 – أما على صعيد الأطراف الفاعلة في الملف السوري فمخلوف يرتبط بعلاقات قوية مع روسيا، ولديه الكثير من الاستثمارات فيها، الأمر الذي يؤهله لتولي تلك المهمة بما يضمن ولاءه لها، ويحفظ لها مكاسبها السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أحرزتها في سوريا، كما أن تركيا ليس لديها أية تحفظات عليه طالما أن اختياره يعني رحيل الأسد، مطلبها الرئيس منذ اندلاع الثورة في سوريا، أما فيما يخص موقف إيران من تلك التغييرات، فقد تعهدت روسيا بمهمة إقناعها بقبول عملية التغيير تلك، حيث ستصب في صالحها، خصوصاً وأنها لن تنتقص من مكانتها مع ضمان ما حققته هي الأخرى من مكاسب على الأرض السورية.

تسريب تلك المعلومات من جانب تركيا، والتي تزامن معها أنباء ترجح احتمالات عقد قمة ثلاثية تضم كل من بوتين وأردوغان وروحاني منتصف الشهر المقبل، أو أوائل شهر يوليو/تموز، حيث من المنتظر أن يتم خلالها إطلاق شارة البدء لتأسيس سوريا الجديدة، وتدشين أولى مراحل تلك العملية. 

وهي المعلومات التي ربما تُلقي بعضاً من الضوء على الأسباب الحقيقية وراء الحملة التي يشنها بشار الأسد ضد رامي مخلوف، ويفسر سبب قراره بفتح تحقيق مع 29 من رجال الأعمال السوريين من بينهم رامي مخلوف بتهمة تمويل الإرهاب، والقيام بعمليات تبييض الأموال، ومصادرة جزء كبير من أموال مخلوف على وجه التحديد.

اتهامات تبدو غريبة لرجل هو أحد أفراد العائلة الحاكمة، والذي طالما كان محسوباً على النظام، ويعد من أهم أركانه وأكبر داعميه اقتصادياً وسياسياً، وهي غرابة لا تضاهيها سوى تلك الشائعات التي تُسَوقُ لأسماء الأسد، التي ازداد ظهورها إعلامياً مؤخراً، كخليفة لزوجها بشار في حكم سوريا، والحديث عن علاقاتها الجيدة مع روسيا هي الأخرى، وهو ما تم نفيه عملياً عبر نشر العديد من فضائحها في الإعلام الروسي.

وبينما جاء التوافق الروسي – التركي – الإيراني مُحققاً رؤية الدول الثلاث لطبيعة الدولة السورية الجديدة من حيث أهمية الحفاظ على وحدة أراضيها، وضمان التمثيل العادل لمكونات الشعب السوري العرقية والإثنية كافةً في المنظومة السياسية الجديدة وعدم إقصاء أي منها، يأتي الموقف الأمريكي – الفرنسي مخالفاً لتلك الرؤية، إذ تناولت وسائل الإعلام الغربية معلومات حول قيام دبلوماسيين من البلدين بتنظيم اجتماعات تضم عناصر من تنظيمي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب والمجلس الوطني الكردي السوري، في قواعد عسكرية بالحسكة ورميلان.

وتشير الأنباء التي تسربت أن تلك الاجتماعات تهدف إلى دمج جميع الأحزاب الكردية بسوريا في  تنظيم وحدات حماية الشعب، التي تعتبره أنقرة أحد أذرع حزب العمال الكردستاني المصنف لديها كمنظمة إرهابية انفصالية، وأن هدف عملية الدمج تلك هو إضفاء الشرعية على وحدات حماية الشعب، ومنحها قيادة  التنظيمات الكردية تحت لوائها في جبهة واحدة، لتمثل الأكراد في أية اجتماعات أو مفاوضات دولية قادمة، حتى يكون لهم حق المطالبة بدولة فيدرالية في سوريا الجديدة، يكون لها حكومة إقليمية، بحقوق دستورية منفصلة عن الدستور السوري، وذلك وفاءً للوعود التي قطعتها الولايات المتحدة للأكراد كمكافأة لهم على مساندتهم لها في حربها على تنظيم الدولة “داعش”، وهي الوعود التي سبق وأن عرقلت تركيا تنفيذها، ووقفت حجر عثرة أمام ترجمتها إلى واقع، وهي الوعود التي تهدد الوحدة الترابية لجغرافية الدولة السورية وتقسمها إلى أجزاء، باقتطاع الشمال السوري من جسد الدولة، ومنحه مكافأة للأكراد.

وفي هذا السياق يمكننا فهم الدوافع الحقيقية وراء التحركات التركية مؤخراً، سواء تلك الزيارة التي قام بها وزير الداخلية التركي إلى ريف حلب، ومعبر شوبان باي الحدودي، والمناطق التي تم تطهيرها في إطار عملية “درع الفرات”، أو التصريحات التي صدرت عن كل من وزير الخارجية مولود شاووش أوغلو، والمتحدث باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالان اللذان أكدا أن أنقره “لن تسمح بتأسيس دولة إرهابية، ولا بشرعنة الإرهاب أو تجميل صورته”، أو التحركات العسكرية للجيش التركي وزيادة عدد قواته وعتاده في الشمال السوري.

الموقف المتشدد المعلن من جانب تركيا للتحركات الأمريكية – الفرنسية يشير إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد صداماً حاداً بين رؤى الفريقين، والذي قد يتطور إلى مواجهة دبلوماسية وسياسية، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر مؤقتاً بدء إطلاق عملية التغيير المنتظرة، والإعلان رسمياً عن ولادة الدولة السورية الجديدة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني