fbpx

الائتلاف الوطني السوري.. سياسة إعلامية جديدة وسرعة مواجهة للتطورات

0 421

كان مفاجئاً لمراقبي سياسات الائتلاف الوطني السوري النهج الذي بدأت تختطه قيادته الجديدة، التي تسلّمت الرئاسة في انتخابات أيلول الماضي، إذ بدا أن هذه القيادة حملت معها استراتيجية جديدة، ترتكز أساساً على رؤى مختلفة عما سارت عليه قيادات الائتلاف السابقة.

أول أمور هذه الاستراتيجية، هو القرار الداخلي للائتلاف الوطني، بنقل غالبية نشاطه إلى الداخل المحرّر، من أجل خلق تفاعل أعمق وأوسع وأكثر فعالية بينه وبين الحاضنتين الشعبية والثورية، إذ بدون ذلك، لا يمكن قراءة اتجاهات الرأي لدى هاتين الحاضنتين، بما يخصّ مواكبة حراكها مع الحراك السياسي والديبلوماسي للائتلاف الوطني.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتعلق الأمر بتوحيد سلطة إدارة المناطق المحررة من قبل الحكومة المؤقتة المنبثقة عن إجازة الائتلاف الوطني لوزرائها ورئيسها وبرنامج عملهم، فالائتلاف الوطني في هذه الحالة، يكون مرجعية سياسية، وتشريعية، لهذه الحكومة.

عملية نقل نشاط الائتلاف بغالبية مكاتبه ورئاسته إلى الداخل، يعيد تشكيل مشهد إدارة المناطق المحررة في الشمال كله، فتصير الحكومة المؤقتة المسؤولة أمام الائتلاف الوطني، هي سلطة فعلية لإدارة شؤون هذه المناطق اقتصادياً، واجتماعياً، وتعليمياً، وقضائياً، إضافة إلى الأمر الأهم الذي يخدم كل ما سبق، وهو توحيد جهاز الأمن الداخلي بما يخدم المواطنين ويؤمّن على حياتهم بموجب لائحة تحدّد عمل هذه الأجهزة.

هذه الرؤية الصائبة باعتقادنا، ستحوّل مناطق المحرر بعد تنفيذ ما أتينا عليه إلى مناطق ذات جهود ممركزة في الإنتاج والتطوير والأمن، ليصير الداخل المحرر مركز جذب حقيقي للسوريين، أي وكأن الائتلاف الوطني يضع صورة مصغرة متطورة وناجحة بكل المقاييس لسورية المستقبل. 

ثاني أمور هذه الاستراتيجية، هو وضع تصورات شاملة لتغيير السياسة الإعلامية، التي بقيت رهن نقل الخبر وإصدار البيانات، وهذه رؤية صائبة، بما يخصّ إعادة إنتاج السياسة الإعلامية، التي يجب أن ترتكز على توظيف الإعلام في أدوار متناسقة، منها الدفع باتجاه خطاب إعلامي ملموس، يوجّه أساساً لحاضنة النظام، وللسوريين الموجودين في مناطق نفوذه، حيث يتابع هذا الخطاب كل الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، في تلك المناطق، وبيان، أن كل هذه الأزمات ترتبط بجذر واحد، هو جذر نظام استبدادي، لا يهمه غير بقائه في السلطة بالقوة، حتى لو مات غالبية السوريين في مناطقه جوعاً أو قتلاً أو مرضاً.

إن خطاباً إعلامياً يعتمد الموضوعية والحقائق يمكنه أن يعيد تشكيل وعي حاضنة النظام بواقعها المرير، الذي وضعها فيه النظام وإعلامه الكاذب، الذي لا يخدم سوى تأبيد الاستبداد وقتل الحريات والمبادرات الحقيقية بتطوير البلاد وتحصينها عبر قاعدة كرامة الانسان فيها.

هذه السياسة الإعلامية يمكن أن يقوم بها المكتب الإعلامي في الائتلاف الوطني من خلال تغيير بنيته ومهامه السابقة، والتي لم تثمر باعتراف قيادات الائتلاف السابقة، والسبب في ذلك، أن من يتكوّن منهم المكتب الإعلامي هم موظفون فيه، وليس من ذوي الخبرات الإعلامية المتطورة، وهذا يستدعي (إعطاء الخبّاز الخبز ولو أخذ نصفه) كما يقول المثل الشعبي. أي أن أي مكتب إعلامي يحتاج بالضرورة إلى إعلاميين حقيقيين، من أجل أن يأخذ دوره في مواكبة السياسة العامة للائتلاف الوطني.

كذلك، يمكن لقيادة الائتلاف الوطني إيجاد مساحة تعاون إعلامي وطني مع مؤسسات إعلامية خاصة، والغاية من ذلك توزيع المهام الإعلامية على أوسع مدى تخصصي يخدم المعارك الإعلامية للقضية السورية التي يمثلها الائتلاف الوطني.

إن تحويل الإعلام إلى منصات لنقل الأخبار، وتلميع وجوه ائتلافية، أو مهاجمة شخصيات لغايات خاصة ومحدودة، هو عمل لا يخدم الائتلاف، لا بل أنه عمل يكشف عن هشاشة الخبرة السياسية الاستراتيجية لدى بعض شخصيات مرّت على قيادة الائتلاف، أو شغلت مراكز متقدمة في قيادته.

من الواضح أن سياسة إعلامية سيبدأ عملها بصورة جديدة ائتلافياً، وهذا يعني أن قيادة الائتلاف الجديدة معنية بوضع استراتيجيتها الإعلامية على الطاولة، ونقاش أبوابها، وجعلها سياسة فاعلة في المشهد السياسي السوري المحيط بالقضية السورية.

السياسة الإعلامية الجديدة المرجوة ستكون سنداً حقيقياً لسياسات الائتلاف الجديدة، والتي ترتكز بقوة على مبدأ يقول: “اذهب إلى حلول قضيتك برجليك، ولا تنتظر مجيئها برجليها إليك “.

هذا نهج يبدو أنه استراتيجي لدى قيادة الائتلاف الجديدة، والتي تبدو أقل اختلافاً في الرؤى وتحليل الواقع، ومن مؤشراته الأساسية أن القيادة الائتلافية ذهبت إلى باريس، للاستعانة بدولة صديقة، لفرض وقف العدوان الأسدي على إدلب ومناطق ريف حلب.

هذه الرؤى ينبغي العمل عليها بسرعة أكبر، ونقصد نقل نشاط كثير من مكاتب الائتلاف إلى الداخل المحرر وأولها مكتب الرئاسة، وإحداث مركز إعلامي يتبع المكتب الإعلامي المركزي، من أجل خلق الفاعلية المؤثرة على المجتمع الدولي، وذلك من خلال قيادة الحاضنتين بما يخدم تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، وفي مقدمتها تحقيق انتقال سياسي في البلاد.

فهل ستعمل قيادة الائتلاف الوطني الجديدة على تعميق استراتيجيتها، وتوفّر لهذه الاستراتيجية ما يلزمها من أدوات ووسائل وكوادر؟ إنها ضرورة هامة وطنياً وليست ترفاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني