الإنسانية بين الخيار والفقوس
مئات آلاف السوريين ماتوا أمام مرأى من العالم، وبقي السوري الحرّ حرّاً، لم تفقده سلبية العالم وهمجيّة المجرمين إنسانيته، فهو يتألم ويشعر بآلام الآخرين، ويعاتب، ويعاني، ويريد العدل.
الخوف والذعر والقلق والبحث عن الملجأ الآمن لعائلتي وجيراني هو ما خطر في ذهني وأنا أنظر إلى ذلك التفجير الذي حدث في مرفأ بيروت على شاشة التلفاز، بحثت عن الأطفال أولاً، ومن ثم اتجه تفكيري إلى كيفية حمايتهم، وإمكانية نزولهم إلى الملجأ، وتجنيبهم آثار التفجير، وكيفية إسعاف من سيصاب منهم، وتلمست جرحي الذي بدأ ينبض بالألم بطريقة لا شعوريّة، واستفقت لأجد نفسي في منزلي في بلد اللجوء، وأنني مازلت أعاني من ذكريات الموت، وأعيشها.
هذا المنظر رأيته عشرات المرات بعينيّ بشكل مباشر، وإن كان بحجوم متفاوتة، وحدث في أماكن قريبة منّي، نال من أسرتي، وأصاب عدداً من أهلي على تراب سورية، وغيّب بعضهم.
تحرّكت إنسانيّتي وتعاطفت مع الأطفال والمدنيين الذين كانت صورهم تظهر أمامي، وتمنيت لهم الشفاء العاجل.
هذا حالنا في سورية، دفعنا مالم يدفعه أحد، وخسرنا مالم يخسره أحد على يد مجرم سفّاح، باع سورية بعد أن احتلها مع عصابته، وهجّر أكثر من نصف شعبها بعد أن قتل مئات الآلاف ودمر ملايين المنازل، وحطم حتى الحجارة التي لم تخضع لسلطته، لأنهم طالبوا بحريّتهم واستعادة حقوقهم المنهوبة.
ومع ذلك لم يستطع أن يقتل إنسانيتنا ويمنعنا من التعاطف مع أبناء جلدتنا البشر، نحن أبناء الشقاء أولياء الدم في سورية، نتعاطف مع الأبرياء من أمثالنا ونقف إلى جانبهم، فنحن بشر لنا إرث إنساني وحضاري وأخلاقي عظيم، ولسنا مجرمين قاتلين، نحن طلاب حرية لا قتل، وسنقف مع كل مقهور وأخ في الإنسانية. “طبعا قد يعترض على كلامي قسم من الذين بلغ بهم حجم وتكرار الألم حدّ الاعتياد”.
أنا إنسان وأشعر بالألم والجرح لتجاهل العالم لمعاناتنا، وأشعر بآلام الآخرين، ومع ذلك فلا أستطيع أن أمنع نفسي من العتب على أولئك الأبرياء الذي عانوا ما عانيناه من آثار ذلك التفجير الكبير في بيروت، ألم يشاهدوا طائرات الأسد تحلق فوقنا وتقتلنا، ألم يصلهم خبر النازحين واللاجئين السوريين في كل بقاع الأرض، ألم يعلموا حجم الدمار الذي أصابنا، ألم يروا بأعينهم آلاف حالات الجرح والبتر الجسدي والروحي التي سببها لنا نظام الأسد.
لماذا لم نراكم، لماذا لم تمنعوا أقرباءكم وجيرانكم وشركائكم في المسكن والحكم من المشاركة في تدميرنا.
عتب المحب لا عتب الكاره، وسألتمس لكم عذراً، وسأقول إنه الخوف أو عدم الوعي للخطر الذي يحيق بكم من حزب الله، عدم عيشكم المعاناة التي نعيشها، مع أن ذاكرتكم لا يجب أن تنسى ما سببه لكم حافظ الأسد ومنظومته من مآس، وما فعله حزب الله بكم، هل استطعتم نسيان رفيق الحريري وجبران ومي..
وأقول لكم هل ستمتلكون الجرأة كي تنتفضوا على مسببي مأساتكم الحالية حزب الله وإيران ونظام الأسد، وثقوا بأننا سنقف نحن المظلومين معكم، وسنشارككم الفرح والجرح، وسنكون ظهراً وسنداً لكم.
الفطر ذلك الشكل الجميل المحبب في الوجبات الشهية، الذي تفضله السيدات على موائدها الفاخرة، يحمل الدمار والموت عندما تراه يحلق في السماء بسرعة رهيبة، ساحباً كل ما كان في دائرة انطلاقه مهما ثقل وزنه أو كبر حجمه، ليتساقط على الأماكن القريبة مطراً من مواد صلبة قاتلة مدمرة.
فطر بيروت رآه العالم على شاشات التلفزة، خرج مئات وآلاف المحللين ليدلوا بآرائهم وتحليلاتهم، ينعون القتلى ويتمنون الشفاء للجرحى، ويطالبون بإرسال الأموال، والتغاضي عن الأعمال الإجرامية التي يمارسها حزب الله ولو إلى حين، إلى ما بعد إصلاح ما يمكن إصلاحه مما خرّبه الفطر، أو إعادة إعمار ما دمره، والتعويض على المتضررين والنهوض بالمدينة التي سال دمعها، وتجاهلوا أن الفطر القاتل السام هو حزب الله الإرهابي.
نشطت ذواكر السياسيين واستحضرت من الماضي فطور هيروشيما وناغازاكي، وتجاهلت فطور الغوطة، وفطور حمص وإدلب وحلب والرقة.
أين كانت أعينكم عن فطر الغوطة الذي قتل المئات من نسائنا وأطفالنا وشيوخنا وشبابنا، أم أن دمنا السوري مباح لذلك الصبي الأسدي كي يفعل بنا ما يشاء، مقابل البقاء على رأس عمله الوظيفي في كبح جماح الشعب السوري، واستعباد ذلك الإنسان الذي أهدى العالم أبجديته، وساد بحارته العالم القديم قبل أن تعرف البشرية معنى الحضارة، حين كانت شعوب العالم تعيش بهمجية ويأكل بعضها بعضاً.
أين كانت إنسانيتكم عندما كانت الفطور تتعالى في السماء في أحياء حمص وحلب وريف اللاذقية وإدلب ساحبة معها أرواحنا، لتنقلها إلى السماء مباشرة دون المرور بمراسم الموت والدفن والتعزية.
أين كانت إنسانيتكم عندما كانت المواد التي سببت ذلك الفطر القاتل تنتقل بالشاحنات التي يقلّها ويحميها حزب الله اللبناني إلى مواقع قتلنا في القصير وتلكلخ والرقة ودير الزور.
أين كانت عدالتكم عنما كان فطر أصوات النساء المغتصبات في محاريب الجوامع يعلو عبر المكبرات الصوتية، لينتشر في الفضاء دون مغيث أو مجيب، وكان المغتصبون من أصحاب مواد ذلك الفطر البيروتي.
أين كنتم عندما خزّن حزب الله المتفجرات في المرفأ، وبالقرب من أماكن سكن المدنيين، وكان يستخدمها لصناعة صواريخه وقذائفه التي تقتلنا في سورية.
من يتحمل المسؤولية عن قتلى بيروت هم أنفسهم الذين يتحملون المسؤولية عن قتل الشعب السوري.
حزب الله خادم مطيع لإيران ومنفذ لسياساتها، وسيطر على لبنان بفضل دعمها المادي والعسكري والمعنوي، وتدخل في سوريا بأمرها وإمدادها وتمويلها.
إيران ونظام الأسد وروسيا شركاء في الجريمة التي وقعت في بيروت، لأنهم يتشاركون في التجهيز والتحضير واستيراد ونقل المواد المتفجرة إلى نظام الأسد، ويحمون حزب الله ويعطونه الشرعية الغطاء والحماية.
والمنفذ الحقيقي ذلك الصبي الأزعر حزب الله اللبناني.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”