الأمريكان لا يُولّون أمرهم امرأة
على مدار 59 ولاية رئاسية تعاقب خلالها 46 رئيسا على حكم الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن امرأة واحدة من الوصول إلى البيت الأبيض فهل ستكون كامالا هاريس استثناءً؟
نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات وضمن سلسلة ترجمات الزيتونة عن مجلة فورين أفيرز في عدد أيلول – تشرين الأول 2006 دراسة للكاتب الأمريكي ’’وولتر راسيل ميد‘‘ بعنوان “أمريكا… دولة الله” يبيّن فيها دور الدين وتأثيره في توجيه السياسة الأمريكيّة يقول في مقدمتها: “يلعب العامل الديني دور القوة الرئيسية في السياسة الأمريكية وكذلك في تحديد الهوية والثقافة والتوجه السياسي فقد اسهم العامل الديني في تشكيل شخصية الأمة الأمريكية وساعد في تكوين الأفكار الأمريكية عن العالم الخارجي وكيفية النظر اليه وأثّر في طريقة تعاطي ورد فعل الأمريكيين على الاحداث التي تقع خارج الحدود وأن هذا التوجه الديني يشير إلى أمرين:
شعور الأمريكيين بأنّهم شعب مختار.
والإيمان بأن عليهم واجب نشر معتقدهم وقيمهم في العالم أجمع.
ورغم أنّ ليس كل الأمريكيين يؤمنون بهذا الواجب إلا أن هناك عدداً معتبراً منهم يؤمن به مما يجعل هذه الأفكار والمعتقدات عاملاً مؤثراً في سلوك وممارسة الدولة في داخل البلاد كما في خارجها”. انتهى الاقتباس.
كما يُعتبر العامل العرقي العامل الثاني من حيث الاهميّة الذي يلعب دوراً كبيراً في السياسة الأمريكية، وخاصة في الانتخابات الرئاسية إذ أن السكان البيض يشكلون حوالي 59% من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، بينما يشكل السكان من أصول لاتينية حوالي 18%، والأفارقة الأمريكيون حوالي 13%، والآسيويون حوالي 6%، والعرب والمسلمون حوالي 1% فقط ما يساهم في تحديد سلوك الناخبين وبالتالي ينعكس على نتائج التصويت، فالخطاب الديني والعرقي لهما تأثير كبير في السياسة الأمريكية، خاصة بين المسيحيين البيض والحركات الدينية اليمينية لذلك يلجأ المرشحون لاستخدمهما الدين كأداة خطابية لجذب الناخبين، سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين. وهذا ما رأيناه وسمعناه على لسان أوباما في معرض تعليقه على قرار الجالية الإسلامية بدعم حملة ترامب.
ووفقاً للدراسة المذكورة أعلاه فإن ميزان القوى في الولايات المتحدة الأمريكيّة شهد في العقود الأخيرة تغيّراً خطيراً في موازين القوى الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية، تاريخياً طغى الانتماء للتيار الليبرالي ليهيمن على الكنائس البروتستانتية والتي وصلت ذروتها في عقد الستينات من القرن الماضي، منذ ذلك الحين وبينما كان عدد الأمريكيين المسيحيين يتزايد كان الانتماء إلى هذا التيار المهيمن ينخفض بشكل حاد بناء على ما نشرته ’’المسيحيّة اليوم‘‘ فإنّه بين عامي 1960و 2003 انخفض عدد هذا التيار حوالي 24%، من 29 مليون إلى 22 مليون عضو وقد كان لهذا الانخفاض تأثيرات دراماتيكية.
في عام 1960 كان أكثر من 25% من جميع الأعضاء في المجموعات والأحزاب الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية ينتمون إلى سبع تيارات بروتستانتية أساسية وبحلول 2003 انخفضت هذا النسبة إلى 15%.
ووفقا لتقرير مركز الأبحاث (Pew) أن 59% من البروتستانت الأمريكيين يُعرّفون عن انفسهم على انهم يتبعون التيارات البروتستانتية وذلك عام 1988 وبحلول عام 2002-2003 انخفضت النسبة إلى 46% وفي نفس الوقت ارتفعت نسبة البروتستانت الإنجيليين من 41% إلى 54%.
في عام 1965 كان عدد الأعضاء المنتمين للكنيسة الأسقفية في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 3.6 مليون عضو أي حوالي 1.9% من مجموع السكان بحلول 2005 انخفض العدد إلى 2.3 مليون عضو أي حوالي 0.8% من سكان الولايات المتحدة وهبط عدد أعضاء الكنيسة النظامية المتحدة من 11.2 مليون عضو عام 1965 إلى حوالي 8.2 مليون عضو بحلول عام 2005 وفي نفس الفترة الزمنية انخفض عدد أعضاء الكنيسة المشيخيّة من 3.2 مليون عضو إلى 2.4 مليون عضو كما اشارت كنيسة المسيح المتحدة إلى أن عدد أعضائها يتراجع بنسبة 50%.
وبالرغم من الإشارات التي تدل على تباطؤ النمو بعد عام 2001 إلا أن الكنيسة المعمدانية الجنوبية كسبت أكثر من 7 مليون عضو لتصبح أكبر تيار بروتستانتي في الولايات المتحدة بين عامي 1960-2003 حيث كسبت أكثر مما خسرت الكنائس ’’النظامية – الأسقفية – كنيسة المسيح المتحدة‘‘ مجتمعة من الأعضاء.
هذه التغيّرات في موازين القوى الدينية كان لها الأثر الكبير في السياسة الوطنية الأمريكية فقد منحت المجموعات الإنجيلية حوالي 40% من الأصوات التي نالها جورج بوش في انتخابات 2004 تقريباً وحصل بوش على 68% من أصوات الإنجيليين البيض خلال انتخابات 2000 و78% في 2004 فيما استمرت أغلبية الإنجيليين السود الأفارقة بالتصويت لصالح ’’الحزب الديموقراطي‘‘، وحاز بوش على أصوات أكثر من الأقلية البروتستانتية الإسبانية منها من الأغلبية الكاثوليكيّة الإسبانيّة بالرغم من أنهما كانا أقرب إلى دعم بوش، ويلعب الإنجيليون دوراً رئيسياً في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وقد زاد عدد الإنجيليين في كلا المجلسين من10% عام 1970 الة اكثر من 25% عام 2004.
التأثير في السياسة الخارجيّة:
الإنجيليون حدّدوا أولوياتهم ووسائلها بما يتعلق بالشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان وهي تزيد بشكل عام من دعمها لمسألة المساعدات الخارجية ولسياسات الدفاع عن حقوق الإنسان.
ازدياد قوة الإنجيليين عمّق من دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في حين أن التيار المسيحي الليبرالي قد حافظ على مسافة معينة بينه وبين القدس.
تنظر الإنجيلية الدينية في الولايات المتحدة بشكل مميز إلى دور اليهود في العالم الحديث فهم يتبنون نظريّة ’’المسيحيّون هم الوارثون للوعود التي قطعها الله للعبرانيين القدامى‘‘، وأن الله سيبارك أمريكا إذا ما باركت إسرائيل، ويشعر الإنجيليّون بأنهم يقفون إلى جانب الله بوقوفهم إلى جانب إسرائيل ما يجعلهم أقرب الطوائف المسيحيّة لليهود وهذا ما عبّر عنه ’’جون هاغي‘‘ راعي أبرشية الإنجيلية في سان أنطونيو ولاية تكساس قائلاً: إذا تحرّكت إيران لضرب دولة إسرائيل فإنّ على الأمريكيين أن يكونوا على استعداد لوقف مسار هذا العدو الشيطاني، وبهذا يشتركون مع العلمانيين الليبراليين الأمريكيين الداعمين للصهيونية.
وبناءً على ما سبق، وحيث أنّ المرشحة للرئاسة الأمريكيّة ’’كامالا هاريس’’ تنتمي للكنيسة المعمدانية للسود‘‘ رغم تنوع أديان عائلتها، فوالدها مسيحي، ووالدتها هنديّة ’’هندوسية‘‘، أما زوجها وأبناؤه يهوديو الديانة، وحيث أنّ الرئيس دونالد ترامب يُعدّ تاسع رئيس أمريكي مرتبط بالكنيسة البروتستانتية، وحيث أنّ أصوات 81% من الناخبين البروتستانت الإنجيليين البيض ذهبت لصالح ترامب ’’الجمهوري‘‘ في انتخابات 2020، مقارنة بـ 18% صوتوا لصالح جو بايدن ’’الديموقراطي‘‘.
ومع صعود الأيديولوجية القومية المسيحية البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكيّة ووفقاً لاستطلاعات الرأي فإنّ 33% من الأميركيين يعتقدون بأنّ الله أعطى أميركا للمسيحيين الأوروبيين كأرض موعودة، حيث يمكنهم إنشاء مجتمع مثالي، وأنّ أكثر من نصف البروتستانت الإنجيليين البيض يوافقون على هذه العبارة، وأنّ 77% من الأميركيين يعتقدون أن الآباء المؤسسين كانوا يقصدون إنشاء أمة مسيحية، كما أظهر الاستطلاع أن غالبية الجمهوريين 55% منهم وثلثي الإنجيليين البيض 66% منهم مؤهلون كأتباع أو متعاطفون مع أيديولوجية القومية المسيحية الأميركية وحيث أنّ هؤلاء القوميون المسيحيون يرون أن شعار دونالد ترامب الانتخابي “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” يعني بالأساس إعادة السلطة إلى أميركا المسيحية البيضاء.
وحيث أن استطلاعات الرأي تفيد بأنّ 25% من يهود الولايات الأمريكيّة سيصوتون لترامب وأن أتباع الكنيسة الكاثوليكيّة سيصوتون له كذلك.
وحيث أن استطلاع للرأي أجراه مركز ’’بيو‘‘ في عام 2016 قد وجد أن الكثير من الأمريكيين يهتمون بعقيدة دينهم، وقال نصف المشاركين إنه من المهم أن يشاركهم رئيسهم معتقداتهم الدينية.
وحيث أنّ الشريعة المسيحيّة تعتبر أنّ المرأة هي التي أُغوِيَت من الشيطان، وليس الرجل وبالتالي لا يجوز لها بأن تعلم في الكنيسة أو أن تتسلّط على الرجل كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تلميذه تيموثاوس: “لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي”.
فهي ووفقاً لبعض التوجّهات المعاصرة لبعض الكنائس المسيحيّة من الممكن أن تصير ملكة وممكن أن تصير قائدة الجيش ولكن لا يمكن أن تمارس الكهنوت والحكم.
وحيث أن الأغلبيّة المسيحيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة محسوبة على التيار المحافظ أي الملتزم بتعاليم الكنيسة، وحيث أنّهم يُشكّلون قوة سياسيّة وانتخابيّة قادرة على تغيير موازين القوى في السياسة الأمريكيّة، وحيث أنّ هذه الانتخابات تجري بالتزامن مع قيام الكيان الصهيوني بالعدوان على الشعب الفلسطيني وارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي بحقّهم في غزّة، وشنّ الحرب على لبنان بحجة القضاء على حزب الله، ونيّة نتنياهو بتغيير وجه الشرق الأوسط وبالتالي امكانيّة تمدد الحرب لتنتقل إلى سورية وايران وربّما إلى دول أخرى في المنطقة بعد تبادل الكيان الصهيوني والنظام الإيراني موجات القصف الصاروخي والاستهدافات المباشرة كل منهما للأخر التي طالت مناطق داخل حدودهما وانطلاقاً من عقيدة المسيحيين الإنجيليين التي عبّر عنها ’’جون هاغي‘‘ راعي ابرشية الإنجيلية في سان أنطونيو ولاية تكساس قائلا: إذا تحرّكت إيران لضرب دولة إسرائيل فإنّ على الأمريكيين أن يكونوا على استعداد لوقف مسار هذا العدو الشيطاني، وبهذا يشتركون مع العلمانيين الليبراليين الأمريكيين الداعمين للصهيونية‘‘ فإنّ هذه المهمة لا يُمكن لأغلبية الشعب الأمريكي إسنادها للمرشحة ’’كاميلا هاريس‘‘ باعتباره من غير العرق الأبيض وباعتبارها تنتمي للكنيسة المعمدانيّة للسود، ويبقى الرئيس ترامب صاحب الحظ الأوفر في نيل أصوات الأمريكان لقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة.