الأسد بين كماشة تل أبيب وأنقرة
أعلن الرئيس التركي في أكثر من مناسبة رغبته بلقاء بشار الأسد، ضمن وساطة روسية، وخلال كلمة الرئيس السوري في القمة العربية – الإسلامية يوم Nov11, 2024، انسحب الرئيس التركي من القاعة، مما دفع الإعلام للظن بأن الرئيس التركي منزعج من وجود بشار الأسد في القمة، ولكن سرعان ما بررت الخارجية التركية الأمر بأن الرئيس أردوغان كان مضطراً للمغادرة لإجراء حديث مع العاهل السعودي خارج القاعة، وقد ناب عنه في الاجتماع السفير التركي في السعودية.
العلاقة السورية – التركية معقدة جداً، فرغم أن الأتراك يدعمون فصائل المعارضة المسلحة المنتشرة على رقع جغرافية واسعة في الشمال السوري، إلا أنهم مضطرون للتعامل مع بشار الأسد، لأنهم يستشعرون الخطر على أمنهم القومي، بحال توسع الإسرائيليين في سوريا، وتحالفوا مع قوات سوريا الديموقراطية التي تكن العداء لتركيا.
فإسرائيل قوة إقليمية لا يمكن الاستهانة بها، بالإضافة إلى أنها ذات نفوذ دولي كبير بفعل لولبيات الضغط التابعة لها في مختلف دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني تهديداً للنفوذ الإقليمي الذي تسعى تركيا لتعزيزه في سوريا والعراق.
بشار الأسد وأخوه ماهر بحالة ضعف عسكرية شديدة، وهما غير قادرين على الاشتباك العسكري مع الإسرائيليين، إلا أن الخطاب الإعلامي لبشار الأسد هو مناهض للدولة الإسرائيلية، في دلالة على تمسكه بالمحور الإيراني، خاصة وأن أراضيه مفتوحة لعموم المليشيات المدعومة من طهران، ودولته مركز عبور للأسلحة نحو حزب الله، هذا الأمر دفع إسرائيل لمهاجمة الأراضي السورية بشراسة، واستحوذت على عدة أراضي سورية جديدة في محافظة القنيطرة، ونشرت نقاط مراقبة جديدة على الحدود.
ورغم وجود ثمانية نقاط مراقبة روسية متقدمة على الحدود السورية – الإسرائيلية، إلا أن الأخيرة لم تشتبك مع الجنود الإسرائيليين، لابل أغلب الطلعات الجوية الإسرائيلية مرّت من أجواء هضبة الجولان وعلى مرأى من القوات الروسية، وبما أن الروس شركاء للأتراك فكما يبدو أعلموا الاتراك باحتمالات توسع العمليات الإسرائيلية لتطال أراضي أوسع في سوريا وصولاً لدمشق.
الإسرائيليين حكماً غير مهتمين باحتلال دمشق، ولكنهم قد يضطروا لذلك، فرغم الكمّ النوعي للضربات الجوية الإسرائيلية على مستشاري الحرس الثوري الإيراني، ومقاتلي حزب الله، المنتشرين في سوريا، إلا أن عدد المستشارين العسكريين الإيرانيين لم يتغير في سوريا، فقد صرح مستشاري وزير الخارجية الإيراني “علي أصغر حاجي كبير” لوكالة نوفوستي يوم Nov14, 2024: “يبقى وجود مستشارينا العسكريين في سوريا، مستمراً، ولا توجد قرارات بشأن تغييرات في عدد قواتنا وأفرادنا، كل شيء لا يزال على حاله في هذا المجال”.
وفعلياً هذا التصريح يتقاطع وتصريح علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خلال زيارته للبنان يوم Nov 15, 2024 الذي أكد على استمرار دعم المقاومة والدولة اللبنانية[1] وضمان عدم انهيار حزب الله.
تركيا التي تكره نظام بشار الأسد، هي تفضل الوجود الإيراني في سوريا على أن يكون البديل إسرائيلياً، فإيران دولة ذات نظام إسلامي لا يمكنه أن يطور سوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لتصبح موازية لتركيا، لذا الشراكة التركية مع نظام الأسد بظل الوصاية الإيرانية – الروسية هي أمر مناسب اقتصادياً وجيو سياسياً لتركيا.
وفي حال ظل بشار الأسد حاكماً عل سوريا، وفرض على طهران الخروج من سوريا، بظل تسوية إقليمية تشرف عليها كل من أميركا وروسيا، ستكون تركيا البديل المنطقي لإيران خاصة فيما يعنى بشؤون التنمية والاقتصاد، وبالتأكيد ستفرض أنقرة شروطها على نظام الأسد المتهالك بحيث يشارك المعارضون في حكومته، ويضم الجيش السوري فصائل المعارضة المسلحة، وبما أنهم أقوى عسكرياً من الجيش السوري، فهذا سيضمن لتركيا نفاذاً في المؤسسة العسكرية السورية، وهذا سيعني أن القرار السيادي لسوريا حتى بوجود الأسد سيكون لتركيا، التي ستفرض على القوات المسلحة السورية أن تشتبك مع مسلحي حزب العمال الكردستاني المنتشرين في صفوف قوات سوريا الديموقراطية.
هذا السيناريو، مفيد جداً لتركيا، والعرقلة الوحيدة له، أن تتمدد إسرائيل برياً وتحتل دمشق، فإن تم ذلك، فهذا سيعني تشكيل جبهة موحدة من (إسرائيل، والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وقوات سوريا الديموقراطية، والمعارضين السوريين “دروز، عشائر عربية سنية، والفصائل السورية المنتشرة في المنطقة 55”) لمنع التمدد الشيعي من العراق نحو سوريا، أيضاً هذه الجبهة قد تشكل قوة متقدمة تحارب فيها مليشيات الحشد الشعبي العراقية إن اقتضت الحاجة.
بالتأكيد وجود بشار الأسد وأخيه ماهر في دمشق غير مهم، فالثقة الدولية بأن يتغيرا من محور المقاومة والممانعة، نحو المحور الغربي باتت مفقودة، وهذا سيعني هروب الضباط العلويين نحو الساحل السوري في ظل الحماية الروسية، ما يدفع بقايا الجيش السوري من السنة أن يكونوا شركاء في مشروع التصدي للإسلام السياسي الشيعي المنتشر في دمشق، وهذا بالتأكيد سيخلق نواة لجيش سوري تحت وصاية دولية، ويولد إمكانية خلق كانتون علوي في الساحل السوري مجاور لعلوي تركيا، وهو ما لا يريده أردوغان.
من هنا يسعى الرئيس أردوغان في كثير من خطاباته، إلى التركيز على الجانبين التاليين:
الأول: ضرورة الانسحاب الأميركي من مناطق شمال شرق سوريا، في رغبة منه لأن يملأ الفراغ في تلك المنطقة، وفي حال حصل على ذلك الأمر فإنه سيسمح لتركيا بأن تلعب دور الشرطي شمالي سوريا، حيث ستتعاون مع قاعدة التنف لمنع التسلل الإيراني لداخل سوريا، وهذا بالحقيقة خطة ذكية وقد تكون أقل كلفة لواشنطن، وتتقاطع مع رغبة ترامب الذي تم التراجع عنها في ديسمبر/كانون الأول 2024، بخصوص الانسحاب الأميركي العسكري من سوريا. وبالتأكيد هذه الخطة ستقطع الطريق على إسرائيل في حال قررت التوسع في سوريا والتعاون مع قوات سوريا الديموقراطية والتحالف الدولي هناك. ولكنها ستعظم من قوة تركيا إقليميا، وهذا ما لا ترغب به إسرائيل والدول العربية، ولكن إن تم ذلك فسيفشل مشروع التمدد الإسرائيلي إقليمياً.
الثاني: الحفاظ على النظام السوري، عبر الإعلان عن التطبيع مع بشار الأسد، بحيث تضمن تركيا حرب استنزاف طويلة الأمد بين الشيعة والإسرائيليين، فالأسد غير قادر على منع التمدد الإيراني في سوريا، لأنه بالحقيقة صناعة إيرانية، وهذا الخيار سيتسبب بإضرابات في المنطقة، ويلغي مشاريع السلام العربية – الإسرائيلية، ويعلي من مكانة تركيا في الشرق الأوسط، لكونها المكان الأكثر استقراراً، كما سيؤدي لتعاون سني – شيعي في المنطقة بحجة أن الشيعة يدعمون القضية الفلسطينية ويقفون مع العرب ضد الإسرائيليين.
من هنا قد يكون الخيار الأمثل للحليفين الأميركي – الإسرائيلي، أن تتوسع إسرائيل في سوريا، وتقضي على بشار الأسد وأخيه كونهما عميلين إيرانيين، ومتعاونان في تمويل إرهاب حزب الله، وهذا الأمر سيكون مقبولاً عربياً ودولياً ضمن مشروع مكافحة الإرهاب، خاصة إن تم تشكيل حكومة سورية جديدة يتعاون فيها الأكراد والمعارضين السوريين وبقايا النظام السوري، تحت إشراف عربي تساهم فيه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والأردن ومصر، وهذا الخيار قد يكون مؤاتياً للرئيس ترامب الذي يطمح لتحقيق مشروع سلام بين الإسرائيليين والعرب، وفي حال تم هذا السيناريو، فقد تتجنب منطقة الشرق الأوسط حرب إقليمية كبيرة بين إسرائيل وطهران.
أما إن لم يتم ذلك، فقد تتطور الأمور في الشرق الأوسط لتغدو ساحة صراع دولية تعيدنا بالذاكرة لما حدث خلال عاصفة الصحراء عام 2003، ولكن هذه المرة في إيران وليس في العراق.