fbpx

الأسد؛ المعارضة والشرعية الضائعة

0 188

تتوالى الأحداث الدولية المؤثرة على الوضع السوري الداخلي في الآونة الأخيرة، ذات الأبعاد المقلقة للأسد وحاشيته، كقانون قيصر، وتعزيز الوجود التركي في المناطق الشمالية في مقابل تعزيز الوجود الأمريكي في المناطق الشرقية، والتدخل التركي في الشأن الليبي بعكس الرغبة الروسية، وحصار أمريكا لإيران، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية اللبنانية المناهضة لمجمل التركيبة السياسية الطائفية اللبنانية، وخصوصاً للحكومة الحالية المدعومة والمحمية من حليف النظام الأول في لبنان حزب الله، فضلاً عن الاحتجاجات الشعبية العراقية وتبعاتها السلبية على حلفاء إيران في العراق وعلى النفوذ الإيراني فيه. وهو ما يبدو معاكساً للأحلام الوردية التي عمل نظام الأسد وحلفاؤه على ترويجها في المرحلة السابقة، كاستعادة سيطرة النظام على كامل الجغرافيا السورية، وتهافت الدول العربية وربما الغربية على إعادة العلاقات مع النظام، وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وتثبيت حكم الأسد بمباركة دولية وعربية، وربما بمباركة سورية عبر توقيع اتفاق سياسي بهوى أسدي مع لجنة التفاوض المعارضة. ليرسم الأسد به نهاية لتطلعات السوريين بوطن عادل وحر لجميع أبنائه.

حيث لم تتأخر الوقائع الميدانية التي تدحض أوهام الأسد تلك، لتعيد التأكيد على أنه، شخصاً ونظاماً قد فقد شرعيته الداخلية دون رجعة، مهما حاول حلفاؤه الخارجيون نفي هذه الحقيقة، لدرجة لم يعد بقدرة أي من حلفائه على حمله طويلاً مهما استفحلوا في اعتداءاتهم على الشعب السوري، ومهما استخدموا حقهم في رفع الفيتو أممياً على القرارات ومشاريع القرارات التي تتجاوز الأسد شخصاً ونظاماً. كما تؤكد الأحداث السورية الداخلية على هذه الحقيقية أيضاً، من تصاعد أصوات مؤيدي الأسد الناقمة على مجمل النظام ولاسيما على بنيته الأمنية، مروراً بالاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدينة السويداء مؤخراً، وصولاً إلى تراجع ثقة السوريين؛ ولاسيما المؤيدين منهم؛ بجدية الأسد أو ربما بقدرته على تجاوز الأزمات الراهنة، ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حتى بما يخص ملف مكافحة الفساد، الذي لم ينجح الأسد في استخدامه لجذب مؤيديه له رغم التصعيد الرسمي بذلك، وخصوصاً تجاه رامي مخلوف أحد أهم أقطاب النظام وأحد أهم رموز الفساد في البلد.

إذاً، هزمت مخططات الأسد في انتزاع الشرعية العربية والدولية، كما فشلت مخططاته في بسط سيطرته السياسية والميدانية على كامل الجغرافيا السورية، ليتبعهما عجز أسدي في انتزاع شرعية شعبية سورية سياسية أو حتى جزئية في بعض الملفات كإعادة الإعمار، واستعادة اللاجئين والمهجرين السوريين، وفي مكافحة الفساد أيضاً. حتى أصبح من المعقول والمنطقي الخروج بنتيجة مفادها أن إعادة منح أو استعادة الأسد لشرعية دولية أو حتى داخلية مستقبلاً أمر مستحيل تماماً، مهما حاول الأسد التلاعب من أجل ذلك ومهما حاول داعموه حمايته وتسويقه. بيد أن ذلك لن يقودنا بصورة أوتوماتيكية حتمية إلى مرحلة ما بعد الأسد، لأن فشل الأسد في معركة الشرعية قد صاحبه فشل المعارضة الرسمية بذات المعركة، أي بمعركة الشرعية الداخلية والخارجية أيضاً، وهو ما حول سورية إلى دولة تجاذبات دولية يغيب عنها أي حضور سوري مهما صغر أو كبر، وبكامل الساحة السورية الجيوسياسية. وهو ما يضعنا أمام واقع سوري معقد ومأسوي وخطير، قوامه الرئيسي فشل جميع القوى السورية الفاعلة في معركة الشرعية الوطنية الجامعة، على مستوى كامل الشعب السوري، وفشلها كذلك في حيزها السياسي العام، أي وسط جمهور الثورة بالنسبة لقوى المعارضة الرسمية، وفشل الأسد في حيزه الاجتماعي المناهض للثورة. وهو ما يدفعني للاعتقاد بأن المعركة الحقيقة والرئيسية الملحة اليوم في سورية هي معركة الشرعية الشعبية السورية تحديداً.

طبعاً، لا يمكن التقليل من تأثير العامل الخارجي في مسار الوضع السوري، دون أن يعني ذلك الانجرار خلف أوهام سبق أن جربتها العديد من الشخصيات والقوى السورية المعارضة والمؤيدة للنظام، التي اعتقدت أن كسب تأييد ودعم المجتمع الدولي هو مدخل الانتصار في معركة الشرعية، أوهام دفعت رامي مخلوف في يوم من الأيام إلى الإدلاء بتصريحه الشهير”لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية”، ودفعت آخرين لزيارة دولة الكيان، وإرسال رسائل السلام والاستقرار والأمان لها، دون أي نتيجة ملموسة تذكر، سوى صمت المجتمع الدولي عن مجمل الجرائم المرتكبة في سورية، وحماية النظام الأسدي من السقوط المدوي عبر إفساح المجال أمام الإيرانيين والروس لنصرته بتدخل عسكري مباشر ومعلن، دون أن يسهم أي من ذلك في شرعنة النظام أو المعارضة.

أي لم يمنح التواطؤ الدولي شرعيته لأي طرف سوري على حساب آخر، رغم تهافت الطرفين الرسميين على ذلك، بحكم افتقادهما للشرعية الداخلية السورية، وطبعاً بحكم التجاذبات؛ وربما الصراعات؛ الدولية التي تسعى إلى استغلال الوضع السوري الراهن بأفضل شكل ممكن. وهو ما يعيدني إلى النقطة الرئيسية والمركزية في حسم الشأن والقضية السورية مستقبلاً، وهي انتزاع ثقة وشرعية الشارع السوري، فنظام الأسد قد انتهى سياسياً واجتماعياً منذ مدة طويلة، قد تعود بنا إلى أشهر الثورة السورية الأولى في أواسط الـ 2011، وما نعيشه اليوم هو نتيجة عجزنا عن دفنه، عجز يعكس فشل المعارضة في انتزاع ثقة السوريين ونيلها شرعية سياسية منهم وحدهم. شرعية يمكن لها أن تفرض ممثليها على مجمل المجتمع الدولي، وتنزع عن الأسد ورقة التوت الأخيرة التي يستر بها عجزه وضعفه وانهياره.

لذا لم تهزم الثورة حين نجح حلفاء الأسد في استعادة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وإن كانت هزائم مؤلمة وقاسية وفادحة، بقدر ما تعزى هزيمة الثورة الفعلية إلى هروب جميع القوى المعارضة السورية من خوض معركة الشرعية الشعبية منذ الـ 2011 وحتى اللحظة، فسورية اليوم تائهة وضائعة ومنقسمة ومتصارعة نتيجة غياب أو افتقاد السوريين لمن يتحدث باسمهم وعنهم، لمن يمثلهم، لمن يعبر عنهم وعن طموحاتهم، لمن يشعر بهم وبآلامهم وآمالهم. وعليه فإن انقسام السوريين اجتماعياً وسياسياً هو نتيجة طبيعية ومنطقية لسقوط نظام الأسد وانتهاء مرحلته في الوجدان والعقل السوري المؤيد والمعارض، سقوط لم يترافق مع صعود قوى ذات امتداد وتعبير شعبي، أو على الأقل قوى تسعى للتمدد بين السوريين والتعبير عنهم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني