fbpx

الأحزاب الكردية في سوريا، أسباب التراجع ومعالم الواقع

0 51

شَهدِتِ الأحزاب الكردية في سوريا تراجعاً ملحوظاً في نفوذها السياسي بين أبناء الشعب الكردي خلال السنوات الأخيرة. فقد تزامن هذا التراجع مع عزوف الشباب عن الانخراط في صفوفها، وتكلّس بُناها التنظيمية، وتخندقها بين أجندات إقليمية، أثّرت على استقلاليتها وفعاليتها، وفي ظل هذا الوضع، تتضحُ ضرورة الحاجة لإجراء مراجعة نقدية لمسار الحركة الكردية في سوريا، بهدف امتلاكها لقرارها الوطني، والاستجابة للتحدّيات المستقبلية ضمن إطار الوطنية السورية. يعكسُ هذا التراجع أَزْمةً عميقةً تتجاوزُ العسكرة والهجرة والاقتصاد، لتشمل مسائل جوهريّة تتعلقُ بالقيادة، والشعارات، والواقع الموضوعي، والانقسامات، ووصول الأحزاب إلى درجة من الضعف والهشاشة، لم تشهدها في أي وقت آخر…؟

تعاني أغلب الأحزاب الكردية في سوريا من ظاهرة “تدوير” القيادة، وغياب البدائل، حيث تهيّمن نفس الشخصيات، وتتكرّر نفسُ الوجوه على المناصب لفتراتٍ طويلةٍ، دون تجّديدٍ فعّال، ما يُشّبه ” التأبيد “. هذا الوضع، أدى إلى ضعفِ القدرةِ على التكيّف مع التغيرات السريعة في المشهد السياسي السوري والإقليمي. فالقادة التقليديون في هذه الأحزاب غالباً ما يفتقرون إلى الفاعليةِ، والقدرةِ على التواصلِ مع الجماهير، وتقديمِ المبادراتِ، وتكويّن رؤية استراتيجية، واتخاذ قرارات جريئةً تُلبّي احتياجات المجتمع الكردي، وتواكب التطورات الإقليمية، بعيداً عن الأوهام والشعارات التي دغدغت عواطف الجماهير لفترات طويلة. العديد من الشعارات التي رفعتها الأحزاب الكردية لم تَعُدْ واقعية، لأنها تجاوزت قدرتها الفعلية على التطبيق، لأسباب موضوعية وإقليمية ودولية، ما خلق شعوراً بالإحباطِ واليأسِ لدى الجماهير….!

لقد لعبتِ الانقساماتُ الداخليةُ، والصراعُ على القيادة بين الفصائل الكردية المختلفةِ، دوراً بارزاً في تفكّك الحركة الكردية السورية، ما أضعف قدرتها على تحقيقِ الأهدافِ المشتركة، وعزّز من ضعفها وتشتتها في مواجهةِ التحديات، ولا يمكن إغفال تأثير الأجندات الإقليمية على بعض الأحزاب الكردية في سوريا، وتخندقها في المحاور الكردستانية. هذه الأجندات، رغم أنها قد تكون مدفوعة بمصالح قومية كردية، لكنها في الغالب تتجاهل خصوصيات الواقع الكردي السوري، وتزيدُ من تآكلِ قرارِ الأحزاب الكردية في سوريا، وتُضعف الأهداف الوطنية لها، وتخلقُ فجوةً بين الشعارات وطموحات الكرد، الأمر الذي ساهم في ضعف الدعم الشعبي لها.

يعيشُ المواطنون في المناطق الكردية أزماتٍ اقتصاديةٍ حادةٍ، تشملُ الفقر والبطالة، ونقص الخدمات الأساسية. هذه الأزمات، تعزّز من الاستياء الشعبي، وتقلّلُ من التأييد للأحزاب الكردية، وتلعبُ البنية التنظيمية التقليدية في الأحزاب مع عدم قدرتها على ابتكار أو تبني أساليب جديدة أو تقنيات حديثة لكسب الجمهور، دوراً مهماً في عدم التكيّف مع الواقع السياسي والعسكري. في حين يعيش الشباب الكردي، ظروفاً اقتصادية صعبة، وأزمات معيشية مستمرة، وهو ما يجعل بنظره الانخراط في صفوف الأحزاب السياسية امراً غير مجدياً. فالإحباط من عدم تحقيق الأهداف المُعْلَنة، يدفعُ الشباب إلى البحث عن فرص أخرى بعيداً عن الأحزاب، بسبب عدم تلبية احتياجاتهم، وغياب استراتيجيات فعّالة لجذبهم ومشاركتهم، وبهذا تفقدُ الأحزاب الكردية انخراط ودعم الفئات الشابة التي تعتبر حيويةً لأي حركةٍ سياسيةٍ نشطةٍ.

 يتضحُ، من كل ذلك. أن ضعف وتراجع دور الأحزاب الكردية في سوريا هو نتاج لمجموعة مركبة من الأزمات الذاتية والموضوعية، الأمر الذي ينبغي ان يدفع الأحزاب الكردية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، وتحديث بنياتها التنظيمية، والتركيز على تحقيق أهداف واقعية تتماشى مع الوضع السياسي والإقليمي في المنطقة، وشروط بناء حركة كردية سورية قوية، تتّسمُ بالمرونة والاستقلالية، وتستعيدُ نفوذها ودورها المفقود في تحقيق تطلعات الشعب الكردي في سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني