fbpx

الآتي هو مستقبل قاتم

0 1٬476

في الأردن جريمة جماعية فريدة من الجوانب كافة، سوف تدخل قاموس علم الاجتماع العربي وربما الدولي شئنا أم أبينا، والسبب أن الجماعة التي نفذت الجريمة بحق فتى الزرقاء استلهمت ما هو أبشع مما فعله تنظيم القاعدة أو داعش، وما هو أسوأ من الصورة الطائفية البغيضة التي استخدمت واجهة لتمرير أهداف سياسية، فهي إذاً نزعة الانتقام فقط؟

وفي العراق تختلط الشواهد على الأم بين العدو والصديق فترمي أطفالها في النهر، وبجوارها وعلى مقربة منها مجزرة بشعة في بلدة تدعى الفرحاتية، تقوم بها مليشيا منظمة، ما يعني جريمة جماعية من نوع آخر، كما هي المليشيا في سوريا واليمن ولبنان أيضاً، والضحايا ليس أولئك الذين يذهبون إلى الحرب بمحض إرادتهم أو مرغمين، فثمة جيل بأكمله بات ضحية ثقافة مشوهة، تطحن مجتمعات بأكملها وتقودها نحو المجهول، فالأفراد يستلهمون ما يفعله المتطرفون باختلاف أشكالهم، وينقلون الجرائم الكبرى في الاختلافات العائلية والمشاكل المجتمعية الطبيعية التي لم يكن العنف وسيلة لحلها يوماً.

ما الذي يحدث؟

المليشيا والدولة لا يلتقيان، لأن ثمة عالمين لا ينتمي أحدهما للآخر، فشاهدنا أن دولة المليشيا التي جلبها حافظ الأسد، من خلال عشرات الأجهزة الأمنية، كل منها يعمل كــ مليشيا منفصلة، دفع المجتمع السوري نحو حالة من التمزق، بين اصطفاف خلف المليشيا الأمنية بدوافع المصلحة أو الخوف، وبين الجمهور الذي يتم استنزافه، وهو ما يمكن أن نرى مشهده في العراق أو لبنان واليمن. ثم ما ينتج عنه من حالة مجتمعية على حافة الخطر، تختفي فيها مظلة القانون، وينشأ منطق البطش والقوة، وتختفي المعايير الإنسانية، هنا تماماً لا تذهب الدولة نحو الدولة، وإنما تختفي رويداً رويداً، ما يجعل الأنماط البشرية الأولى تعيد نشاطها، من منطق القبيلة، إلى منطق الجماعة التي تختار شكل القانون الذي تفرضه على غيرها، وما يعني ذلك أن الأنماط المجتمعية تعيد تشكيل نفسها على شاكلة القرون الوسطى.

فالتعامل مع تبعات الحروب القصيرة أمر ممكن، لكن الحروب الطويلة، ينتج عنها نمو جيل كامل، ليس من السهل إخراج هذه الحرب من تكوينه الداخلي، وخصوصاً أن تأثيرات الحرب لم تعد موجودة داخل ميدان المعركة، أمام مساحة الإعلام المفتوح، ومنصات التواصل، ما يتيح انتقال أوبئة مجتمعية، وثقافة لا تنتمي للعصر الحالي، كما في مكان آخر، عندما تغدو صورة العربي أنه قاطع لرؤوس، يترجمها مجرم شيشاني لا يسمح له عمره بحفظ الأشهر القمرية بالترتيب، لكنه على صلة برجل دين عربي، ما يعيد الأزمة للعمق العربي، في القصة المضطربة بين الدين والمنطق، والعلم والوعي والإدراك المعرفي.

مؤثرات مجتمعية:

هنا تبدو مسألة إعادة تأهيل جيل كامل تطرح آلاف الأسئلة، أمام ازدياد مساحة الجريمة، التي باتت تبنى بالأساس على المخلفات المشوهة، التي أنتجها سلوك المليشيا، التي قدمت نفسها كبديل للدولة، فهي أسهمت بشكل مباشر في تفكيك بنية المجتمع، ودفع الأطراف القوية للتوجه نحو خيار القوة، على حساب وحدة المجتمع، وهو ما يؤشر إلى مستقبل قاتم ينتظر مفهوم الدولة، وماهية إعادة هيبة الدولة، ما يبقي المجتمعات في الحقبة القادمة أقرب إلى القبول بخيارات الحكومات المستبدة، أو سلطة العسكر على حساب بناء مجتمع متجانس قادر على الانطلاق للمستقبل بخطى ثابتة.

قبل الوصول إلى فكرة حماية الطفل والمرأة، ثمة سؤال أكبر، وهو كيف يمكن استعادة قطاع من المجتمع ذهب باتجاه القرون الوسطى، معتقداً أن استعارة الحلول من الحقبة الجوراسية أمر ممكن، وكيف يمكن أن نقلل من حجم ظواهر التنمّر والتسلط والسلب وغير ذلك، التي باتت أكثر خطورة من أي ظاهرة مجتمعية كانت مقلقة من قبل؟

بالتالي نحن في مواجهة، عملت على إعادة تشكيل فكرة الاستبداد لتصبح واحدة من الحلول المطروحة وهذه قمة المأساة، لأن الاستبداد بأشكاله لم يعد يعني صورة الدولة المستبدة فقط، بل ثمة شرائع يمكن أن تفرضها جماعة وأفراد، وربما أسرة على أبنائها.

نحو المجهول:

استعادة المجتمع، هي واحدة من الأسس الغائبة عند النخبة المثقفة، ولا تحصد أي من الأوليّات أمام صخب الحديث عن الحلول السياسية، وهو ما يبقي المجتمعات رهينة الحالة السياسية الراهنة، التي أقل ما فيها أنها لا تزال تراوح في المجهول، فيما تغيب منظمات العمل المجتمعي، التي دائماً يقع على عاتقها إعادة تأهيل المجتمع، من خلال برامج غير حزبية، تقوم على أسس علمية حديثة.

نحو المجهول أيضاً لأن المتاح والمتوفر في مساحة الإعلام لا يتعدى الخبر السياسي، ولا يتعدى إعادة تكرار المشاهد الدموية المتاحة، بينما نحن أكثر ما نحتاج إليه، في فكرة إعادة إحياء ثقافة الحلول بدلاً من ثقافة الانتقام.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني