اشتباكات القامشلي… أسبابها ونتائجها
شهدت مدينة القامشلي منذ مساء يوم الثلاثاء 21/4/2021 اشتباكات هي الأعنف منذ سيطرت قوات سوريا الديمقراطية قسد على شمال وشرق سوريا، بين قوى الأمن الداخلي الأسايش ومليشيات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري شكلياً في القسم الجنوبي من المدينة وتحديداً في منطقة حارة الطي التي تسيطر عليها مليشيات الدفاع الوطني.
بدأت الاشتباكات بعد توقيف عبد الفتاح الليلو مسؤول الدفاع الوطني على حاجز شارع الوحدة، حيث وبحسب شهود عيان تم إيقاف الليلو لبضع دقائق أمر بعدها مسؤول الحواجز خالد ملحم عثمان بترك الليلو وبحسب الشهود بعد سير الليلو بسيارته مسافة قصيرة قام بالتوقف وإطلاق النار باتجاه خالد ملحم الذي استشهد بثلاث رصاصات في لحظتها وبدأت ميليشيات الدفاع الوطني بإطلاق الرصاص باتجاه الحاجز من أحد حواجزها القريبة ما دفع عناصر الحاجز للرد على مصدر النيران وكانت بداية الاشتباكات التي استخدم فيها الدفاع الوطني المتهيئ سابقاً للهجوم قذائف الهاون و(RBG) لاستهداف نقاط الأسايش، استمرت الاشتباكات بوتيرة عنيفة حتى صباح اليوم التالي حيث قام عناصر الأسايش بتأمين خروج المدنيين من المنطقة واستقدمت تعزيزات ضخمة للمنطقة شملت قوات خاصة HAT وقوات كومندوز مع مدرعات وآليات ضخمة.
الاشتباكات التي استمرت ليلة الثلاثاء ويوم الأربعاء كان نتيجتها سيطرة قوات الأسايش على مقر للدفاع الوطني المعروف باسم مقر الليلو بالإضافة لمواقع أمنية ضمن الحي، هذه النتائج دفعت القوات الروسية الموجودة في مطار القامشلي للتدخل بين الطرفين ووصلت لتفاهم يقضي بوقف الاشتباكات تعهد خلالها الوفد الحكومي المشارك بمحاسبة اثنين من قيادات الدفاع الوطني التي تسببت في نشوب الاشتباكات، الهدنة الروسية لم تدم إلا ساعات حيث قامت ميليشيات الدفاع الوطني بخرق وقف إطلاق النار ومهاجمة نقاط الأسايش بالقذائف والرصاص، التي ردت بدورها على الميليشيات وبدأت بحملة واسعة لتمشيط الحي وملاحقة عناصر الدفاع الوطني بعد تأمين خروج من تبقى من المدنيين من المنطقة نحو المناطق الآمنة في المدينة.
ميليشيات الدفاع الوطني بدأت بعد خرق الهدنة باستهداف المدنيين ومنازلهم وممتلكاتهم ما أسفر عن عدد كبير من الجرحى واستشهاد طفل يبلغ من العمر عشر سنوات إضافة لاحتراق منازل للمدنيين ومعمل للبلاستيك قريب من مواقع الاشتباك.
ازدادت قوة الاشتباكات وامتدت نحو حي حلكو القريب من مطار القامشلي فقامت القوات الروسية بطرد عدد من عناصر الدفاع الوطني من منطقة المطار حيث كانت قد أقامت حواجز في المنطقة فيما قام عدد من المثقفين ووجهاء العشائر العربية والكردية وممثلين عن المجلس المللي السرياني والأرمني بتشكيل وفد لبحث هدنة جديدة بين الطرفين مع ضمانات بعدم تكرار هذه التوترات مرة أخرى
الهدنة التي أعلن عنها بعد مفاوضات الوفد المحلي بوجود ممثل شخصي لقائد قوات قسد مظلوم عبدي لم تنجح أيضاً وعاودت عناصر الدفاع الوطني خرقها إضافة إلى اغتيال أحد وجهاء العشائر المشاركين في الوفد أثناء عودته لمنزله في حي حلكو القريب من نقاط الدفاع الوطني من عشيرة بني سبعة وهو الشهيد هايس الجريان والد لشهيد من قوات YPG وشقيق قيادي في قوات الأسايش، خرق الهدنة هذه المرة نتج عنه سيطرة قوات الأسايش على كامل حارة الطي وحي حلكو وما فيها من مراكز وحواجز للدفاع الوطني.
خلال عدة أيام من الاشتباكات المتواصلة لم يصدر عن الحكومة السورية أي تعليق رسمي، حتى الإعلام الرسمي لم يتطرق لها، باستثناء ما قاله قائد الفوج 154 في طرطب التابعة للنظام بعدم مشاركتهم في الاشتباكات ونفى أية نية لمساعدة الدفاع الوطني بسبب قيام الأخير بمهاجمة الأسايش دون تخطيط مسبق مع الفوج.
تصريح قائد الفوج دفع محللين للاعتقاد برغبة كل من النظام وروسيا في إنهاء الدفاع الوطني الذي بات تابعاً لإيران وفقد الطرفان إمكانية السيطرة عليه والتحكم به.
القوات الأمريكية الموجودة في شمال وشرق سوريا وبعد فشل القوات الروسية في الوصول إلى تهدئة جدية بين الطرفين تدخلت عبر تصريح لـ كينيث ماكنيزي قائد القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي الذي صرح أنهم سيفعلون كل ما يمكنهم من أجل تهدئة الوضع في القامشلي وأنهم يريدون حل الأمور بالحوار وأكد على أن قسد حليفهم الأساسي في المنطقة فيما يبدو أنه تهديد مبطن للأطراف كافة.
يوم الجمعة شهد هدوءاً نسبياً بعد أخبار عن التوصل لهدنة من الساعة السابعة مساءً من يوم الجمعة حتى العاشرة من صباح السبت على أن يتم خلال هذه الفترة نقاش نقاط الخلاف لحين الوصول لحل نهائي للتوتر.
هيئة أعيان شمال وشرق سوريا وأحزاب سياسية وشخصيات عشائرية ومثقفون أصدروا بيانات تدعو في مجملها للتهدئة ونبذ الفتنة والتصدي لمحاولات ميليشيات الدفاع الوطني التابعة لإيران بخلق الفتنة، خلال الاجتماعات الأخيرة يوم الجمعة التي حضرها وفد عسكري قادم من دمشق ركز المجتمعون من أبناء المنطقة على ضرورة الحفاظ على حياة وممتلكات المدنيين وعودة آمنة للأهالي إلى بيوتهم وعدم تكرار مثل هذه الاشتباكات.
ولا تزال المدينة تشهد خروقات ويتكرر سماع أصوات قذائف ورصاص بين الحين والآخر على أمل أن تتوقف هذه الاشتباكات نهائياً وتفضي الاجتماعات بين الأطراف إلى حل نهائي للأزمة.
مصادر من داخل الاجتماعات أكدت موافقة النظام وروسيا على حل ميليشيات الدفاع الوطني نهائياً في القامشلي، واقترح النظام نشر الشرطة المدنية التابعة لوزارة الداخلية السورية في حارة الطي ونشر عناصر للجيش في حي حلكو، في حين أن محافظ الحسكة الذي يبدو أنه كان نائماً طوال أيام الاشتباكات لايزال يتحدث عن شروط قسد التعجيزية وارتهان الأخيرة للأمريكي وأعاد خطاب الفتنة الذي لا يجيد سواه على ما يبدو حول ضرورة وقوف أبناء العشائر العربية في وجه قسد وأكد على دور الصديق الروسي الذي يستمعون لنصائحه، وأن قوات قسد كانت على الدوام هي التي تخرق الهدنة علماً أن صديقه الروسي أكد مراراً على عدم التزام ميليشيات الدفاع الوطني بالهدنة وخرقها وعدم احترام الاتفاقيات.
الاشتباكات بين الأسايش وميليشيات الدفاع الوطني التابعة للنظام نظرياً ولإيران فعلياً لم تكن اشتباكات بين قوات كردية وعربية فقوات الأسايش تشمل عدداً كبيراً من المكون العربي كما حاول المحافظ وغيره من مثيري الفتنة العرقية في المنطقة ترويجها، وإنما كانت بين قوات تتكون من المكونات كافة وبين ميليشيات تابعة لإيران بات معظم سكان المنطقة مستائين منها ويرغبون في الخلاص منها لما تتسبب به من أعمال سلب ونهب وتهديد لحياة وأمن أبناء المنطقة وممتلكاتهم.
هذا وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد رصد يوم الجمعة أن النظام يجهز لحصار جديد على مناطق الشهباء في حلب للضغط على قسد في القامشلي، وعلى ما يبدو فإن حكومة دمشق وصديقتها القوات الروسية تتجهزان لإنهاء الدفاع الوطني المدعوم إيرانياً، ويرى مراقبون أن هذا الإنهاء سيكون مقابله تشكيل قوات تسيطر عليها الحكومة السورية من أبناء العشائر الموالية للنظام والمستفيدة منه تحمل اسم المقاومة الشعبية.
ما جرى ويجري في القامشلي عبارة عن محاولة جديدة فاشلة لزرع فتنة عرقية بين مكونات المنطقة المتعايشة منذ مئات السنين والتي يبدو أن النظام وروسيا سيفشلان دوماً في الوصول إليها بسبب وعي أبناء المنطقة الذي ظهر جلياً خلال الأحداث الأخيرة ورفضهم تسميته بالاقتتال الكردي العربي.