fbpx

إلغاء الدولة

0 213

نشأت الدولة كحاجة ضرورية للمجتمعات، للانتقال بها من حالة الفوضى والعشوائية إلى التنظيم والتراتبية بدءاً من قيادة المجتمع حتى أصغر أفراده، في هذا المعنى كان نشوء الدول، لتصبح فيما بعد مؤسسات تدير المجتمعات وتعمل على تطويرها عبر قوانين وأنظمة وأهمها الدستور الذي ينظم جميع العلاقات بين مؤسسات الدولة والأفراد وبين الأفراد أنفسهم، فكان تطور القوانين مرافقاً لتطور الدول، أو العكس هو الصحيح، تطور القوانين تبعه تطور الدول أي أن القانون العام الذي يمثل المصلحة العامة أخذ بالتطور التدريجي ليصبح منسجماً مع القانون الخاص الذي ينظم علاقة الأفراد فيما بينهم لأنهم نواة المجتمع، فلو تابعنا تطور القانون العام في مختلف الدول، لاستطعنا معرفة السياسة العامة للدولة من خلال قواعده، التي من المفترض أن تمثل المصلحة العامة أو المصلحة العليا للدولة، لأن مصطلح المصلحة العامة قد ينظر إليه من وجهات نظر مختلفة، فهل هي مصلحة المجتمع (الشعب) أم مصلحة الدولة كمؤسسات بغض النظر عن تصنيفها، أم مصلحة القائمين على هذه المؤسسات (النظام).

كما أن تصنيف الدولة كمؤسسات يختلف عندما تكون الدولة ذات نظام دكتاتوري عن دولة ذات نظام ديمقراطي. حاولت تبسيط وشرح مفهوم الدولة، وعلاقته بالقوانين القائمة، وبالسياسة العامة فيها، وهذا يدلنا على أهمية بناء الدول كمؤسسات تخضع لقوانين شأنها شأن الأفراد، لا أن تكون تابعة لمن يتولى إدارتها لتمثل مصلحة عامة وليس مصلحة القائمين على إدارتها، لذلك كان لغياب مفهوم الدولة كمؤسسات عن النظام القائم في سوريا أثره المدمر على بنية الدولة وتهتكها، كونه يعتبر نفسه ومصلحته هي مصلحة الدولة العليا، لم يقتصر هذا الإدراك العبثي والفوضوي على مخيلة النظام بل عمد إلى تطبيقها على الواقع وأخذ يحل محل الدولة أو بمعنى أدق اختزل الدولة في شخص الرئيس، فنجد أن الدستور الذي وضعه النظام منذ استلامه الحكم في سوريا حتى الآن يجمع كل السلطات والصلاحيات بشخص الرئيس، فهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة وهو رئيس السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وله صلاحيات التشريع عبر مراسيم جمهورية والأكثر انتهاك لمفهوم الدولة يتجلى بالمادة /114/ من دستور /2012/ فهي تخول الرئيس التصرف بالدولة كيفما يشاء بمفرده ودون الرجوع إلى أي مؤسسات أخرى (السلطة التشريعية) فكان نص هذه المادة “إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر” لم يقتصر الأمر على هذه المادة الخطيرة التي تشكل اعتداء صارخاً على مؤسسات الدولة واختلالاً في توازن المصالح العامة، وتغليب المصلحة الخاصة للنظام على مصلحة الدولة، وبالتالي إلغاء للدولة، وقد شهدنا في السنوات السابقة جملة من القرارات الإدارية التي تخالف الدستور وتنتهك حقوق وحريات المواطنين حتى بعض القوانين التي صدرت بعد الثورة كانت تنتهك حقوق الإنسان ومنها حق الملكية (القانون رقم /10/ والقانون رقم/3/)، وقد شهد هذا العام جملة من القرارات الانتهازية والعدوانية على حقوق المواطنين، المخالفة لأبسط قواعد حقوق الإنسان منها اختراع البطاقة الذكية (شركة تكامل) التي تشارك المواطن في رغيف خبزه وجملة من المواد الأساسية الضرورية كالمحروقات والمواد التموينية.

لم يقتصر الأمر على (تكامل) فالنظام يسلب الشعب ممتلكاته ويجبره على تسليم مدخراته إن وجدت، فقد حرمه لقمة عيشه، وليس غريباً عليه أن يسلبه موارده بفرض ضربية على دخول الأراضي السورية وإلزام كل مواطن بدفع مئة دولار، وصرفها حسب السعر المحدد من قبل النظام فيكون قد سلب من المواطن العائد إلى بلده أكثر من 75% من القيمة بسبب اختلاف السعر الرسمي المحدد من قبله عنه في السوق السوداء علماً أنه في سوريا فقط يوجد سعرين مختلفين للصرف والفارق بينهما كبير جداً، لكن هذا الفارق يستغله النظام لدعم الخزينة العامة – التي استهلكها في الحرب ضد شعبه – وهذه مخالفة الدستورية تفرض ضريبة من غير صاحب صلاحية وهي السلطة التشريعية، عدا قرارات إدارية بالجملة – تلبس لبوس التشريع –لرفد الخزينة من جيوب المواطنين بينما أموال الشعب منهوبة وتتكدس في الخارج، والمفارقة التي تدعو للاشمئزاز والسخرية من عفن هذا النظام أنه يتعامل بازدواجية في حساباته فمن جهة يفرض سعر الصرف الرسمي المنخفض عن تحريك وانتقال أموال المواطنين ومن جهة أخرى يعتمد سعر الصرف في السوق السوداء عندما يصادر أو يفرض ضريبة أو رسماً على أعمال المواطنين كما هي الحال في القرار الصادر عن وزير المالية رقم /426/ تاريخ 17/2/2021 الخاص بضريبة الدخل على النشاط التجاري والصناعي وعلى فعاليات الاستيراد والتصدير غير الممولة من المصارف العاملة في سوريا فجاء بالمادة 3م من القرار “تقوم الهيئة العامة للضرائب والرسوم بالتنسيق مع المصرف المركزي لاستصدار متوسط البدلات والعمولات من تاريخ 1/1/2020 وما بعد وذلك لأغراض ضريبية بحته فقط حتى يتسنى للمكلفين تطبيق هذه النسب من أجل تقديم البيانات الضريبة عن عام 2020 وما بعد” يعني ذلك أن المصرف المركزي يحدد سعر الصرف للضريبة المستحقة حسب سعر السوق السوداء، وكما هي الحال أيضاً بالنسبة للبدل عن الخدمة الإلزامية يفرض النظام دفع البدل بسعر الصرف بالسوق السوداء. علماً أن فكرة البدل نفسها تخالف الدستور كونها تمييز بين المواطنين لجهة الحقوق والواجبات، لكن في الغالب النظام لا يهتم لا بقوانين ولا بدستور وإن كل ما قام ويقوم به هو تفكيك للدولة وللقواعد التي بنيت عليها قبل استلامه الحكم في سوريا.

حقيقة لم نعد نستوعب ما يجري وهل نحن في دولة أو في غابة تسيطر عليها عصابات تبتز من فيها.

هذا الإلغاء للدولة والحلول محلها عبر مافيات النظام يشكل خطراً ليس على الشعب السوري فقط بل على المنطقة والعالم بأسره فهو يقوض ويهدد السلام العالمي ويخلق اختلالاً بالتوازن، فتفكك الدولة يتبعه الفوضى التي ستنعكس آثارها على العالم بأسره وخطر لا يمكن تدارك عواقبه إن لم يساند العالم متمثلاً بالأمم المتحدة الشعب السوري وينقذه مما هو فيه بتنفيذ القرار الأممي /2254/ وتطبيق قرارات جنيف 1 ككتلة واحدة. 

ليس هنالك من خيارات أخرى أمام المجتمع الدولي وإلا سيكون الندم حليف الضمير العالمي على التقصير في مساندة الشعب السوري. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني