إعادة تدوير نظام الأسد و”صندوق الثقة للإنعاش المبكر!”
للمرة الأولى، ظهر مصطلح “التعافي المبكر” في قرارات مجلس الأمن، وذلك في القرار رقم 2585 لعام 2021، الذي أكد في الفقرة الرابعة ترحيب المجلس بجميع الجهود والمبادرات المبذولة لتوسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك مشاريع التعافي المبكر التي تهدف إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى.
“صندوق الثقة للإنعاش المبكر” هو مبادرة تهدف إلى دعم الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة بسوريا، وتوفير التمويل الضروري لتحقيق نتائج فعالة ومستدامة على المدى الطويل. يعمل الصندوق بالتعاون مع الشركاء الإنسانيين والدوليين، مع التركيز على تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وتحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين في سوريا، دون التدخل في الشؤون السياسية. “صندوق الثقة للإنعاش المبكر”، لا يهدف إلى تقديم المساعدة الإنسانية والتنموية للسكان المتضررين في سوريا دون تحديد أو تغيير في الهياكل السياسية أو الحكومية. يدير عمليات الصندوق فرق متخصصة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المعنية بالعمل في سوريا، مع التزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية. ومن المهم التأكيد على أنه لم يتم بعد الإعلان الرسمي عن الموافقة على الصندوق، ولا تتوفر معلومات دقيقة حول تاريخ الإعلان عنه أو تفاصيل أخرى ذات صلة.
بعد إغلاق الفيتو الروسي لمعابر المساعدات في 2020، استخدم النظام السوري المساعدات الإنسانية كورقة تفاوض، مطالباً بزيادة تمويل مشاريع التعافي المبكر. ردت الأمم المتحدة بإعلان “صندوق الثقة للإنعاش المبكر” في دمشق، ما أثار قلقاً بشأن توظيف المساعدات لمصالح سياسية تخدم النظام السوري في إعادة تدويره، وزيادة قوة آلته العسكرية.
وفي القرارين رقم 2642 لعام 2022 والقرار رقم 2672 لعام 2023، أكد مجلس الأمن دعمه لمشاريع التعافي المبكر في القطاعات المذكورة سابقاً، بالإضافة إلى إدراج قطاع جديد وهو “دعم مشاريع الكهرباء”. يعتبر هذا القطاع أولوية مهمة بالنسبة للنظام، ويظهر ذلك من خلال التركيز المستمر الذي يوليه مسؤوليه على هذا القطاع في تصريحاتهم.
أثار موقع مقر الصندوق في دمشق ومصدر التمويل تساؤلات حول طبيعة وأهداف الصندوق وطريقة عمله، خاصة مع الدعوة المستمرة من النظام السوري لزيادة عدد مشاريع التعافي المبكر، وتوسيع نطاقها لتشمل جميع القطاعات. بالرغم من رؤية الأمم المتحدة لهذا الصندوق كوسيلة لمساعدة الشعب السوري في جميع المناطق وطريقة موثوقة للحصول على تمويل بعيداً عن العقوبات، يرون بعض المحللين أنها خطوة لتجاوز عقوبات “قيصر”، إلى جانب المخاوف من احتمال استغلاله لأغراض شخصية من قبل النظام أو أشخاص مقربين منه، والذين يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، كما كشفت تحقيقات سابقة.
هذه الخطوة غير مجدية، لأن النظام السوري هو الجهة الرئيسية المسؤولة عن معاناة الشعب السوري، بفعل فساده وجرائمه المستمرة. لا يدخر النظام وسائل الاحتيال للاستيلاء على أي موارد تصله من مصادر خارجية، بما في ذلك “صندوق التعافي المبكر”، ويسعى جاهداً لتوجيهها نحو مصالحه الخاصة. إذا تم تقديم المساعدات لهذا النظام، فسيستخدمها في تعزيز جهازه العسكري القمعي وفي معاقبة الشعب السوري المنكوب الذي يعاني من الفقر المدقع.
“صندوق الثقة للإنعاش المبكر” ليس إلا أداة في يد نظام الأسد لتلويث المشهد بمحاولة يائسة لتجديد وجهه الفاسد. هو مجرد غطاء لتمويل ودعم نظام فاسد ومجرم، يساهم في استمرار حكم الظلام والقمع والإرهاب.
الحل الناجع يكمن في التخلص من هذا النظام الذي يعتبر عائقاً أمام أي تغيير حقيقي، والعمل نحو تحقيق حل سياسي عادل وفقاً للقرارات الدولية، بما في ذلك القرار رقم 2254. يجب على المجتمع الدولي التعامل بحزم مع هذا النظام الذي يستمر في انتهاك حقوق الإنسان واستخدام القمع ضد شعبه، وتقديم الدعم للجهود التي تسعى إلى تحقيق العدالة والحرية للشعب السوري.