إعادة الإعمار في سورية بين الرغبة الروسية والتمنع الأميركي
تحاول روسيا ومعها النظام السوري دعوة العديد من الشركات الإقليمية والعالمية للمشاركة في (معرض دمشق الدولي) في دوراته السنوية المتتابعة الذي يقام في مدينة المعارض على طريق مطار دمشق الدولي. حيث سبق وأعيد إطلاق دوراته من جديد بعد توقف دام حتى العام 2017، وكان انقطع لست سنوات قبلها، وقد حرص النظام السوري أن يزج مسألة (إعادة الإعمار) عبر تشجيع الشركات للحضور دون جدوى حقيقية.
عمل النظام السوري ومن أجل أن يظهر للعالم تعافيه الأمني مما جرى في سورية، ومنذ عام 2017، كل ما بوسعه لإظهار ذلك وإقناع الخارج بأن (عودة الحياة الطبيعية) لسورية باتت واقعاً ملموساً.
لكن تلاشت كل آماله في ذلك بعد معرض عام 2018، وكذلك بعد معرض سنة 2019. ثم 2020 حيث دخلت سورية حالة مستفحلة ومستعصية من الأزمات المعيشية، وطارت في الفضاء كل الاتفاقات التي ادعى وجودها مع بعض الدول وبعض الشركات حيث قال إنها تجاوزت بقيمتها 30 مليار دولار، عام 2018، وأنها ستساهم في وضع سورية على بداية الطريق في عملية إعادة الاعمار المزعومة، ومن ثم تغيراته الاقتصادية الإيجابية المفترضة، لكن كل ذلك لم يُجدِ نفعاً بل واكب المعرض، وما بعده، الهبوط الكبير في قيمة الليرة السورية.
ثم راح وتحت دعوى المشاركة في إعادة إعمار سورية ليعمل مع حليفتيه روسيا وإيران لاستقدام شركات خارجية، ولم يكن ذلك ممكناً، ثم تهيأ مع داعميه ليشجع ويدعو للمشاركة في المعرض الذي جاء بعد معرض دمشق الدولي بعشرين يوماً، وهو ما سمي بـ معرض (عمِّرها5) الذي أقيم في دمشق بين 17 و22 أيلول / سبتمبر 2019، وهو الخامس من أجل تسويق عملية إعادة إعمار سورية وتم تمويل وتسهيل كل آلياته من قبل إيران، حيث شارك السفير الإيراني (جواد ترك آبادي) في افتتاحه وبدء دورته، وهو الذي أكد على دور طهران المهم في إعادة إعمار سورية التي “شتتها وقضت مضاجعها الحرب”. حسب تعبيره. وأعرب السفير الإيراني عن سروره لأن المعرض يقام بالقرب من بلدة (السيدة زينب) الواقعة في ريف دمشق، لما لها من أهمية دينية لدى الإيرانيين/الشيعة.
كانت واضحة للعيان المضامين والشعارات السياسية للمعرض التي طغت على البعد الاقتصادي، وتجاوزته بكثير. حيث ركز عليها الجميع وأولهم رئيس مجلس الوزراء، ووزير إعلام النظام السوري، في كلمات الافتتاح، ليحيلوا أسباب الحرب والخراب الاقتصادي، (وكما هي العادة لديهم) للمؤامرات الخارجية. وقد تم الإيحاء بوجود بيئة استثمارية مواتية في سورية.
يمكن القول إنه بالرغم من المشاركة الإيرانية والروسية الكبرى عبر الكثير من الشركات، حيث وصلت إيران إلى 90 شركة، وروسيا التي حجزت 500 متر مربع لعدد من شركاتها المتخصصة في الصناعة والمواد الغذائية وإعادة البناء والإعمار، كما كان هناك معرض بالأساس، مع مولدافيا ولبنان، وبلغاريا، وبعض الدول الصغيرة التي تدور في فلك روسيا.
ويبدو أن معارض ومؤتمرات إعادة الإعمار كانت المنفذ الإيراني، لتعزيز النفوذ المتواصل في الجغرافيا السورية، ويلاحظ أن مثل هذه الفعاليات تكون عادة برعاية من الحرس الثوري الإيراني مباشرة.
(سعيد زاكري) مسؤول منظمي المعرض الإيرانيين والمنسق لكل الشركات الإيرانية في سورية، اعترف بأن “نحو 72 شركة تشارك في المعرض على مساحة واسعة بهدف تعزيز التعاون والتبادل الاقتصادي المشترك مع الجانب السوري”. ثم أكد “أن أكبر وأضخم الشركات الإيرانية المتخصصة بإعادة الإعمار جاءت للمشاركة في هذا المعرض، وهي على أتم الاستعداد للتعاون مع الشركات السورية ورجال الأعمال لإعادة إعمار ما دمره الإرهاب في سورية.” حسب زعمه.
لكن الأمريكان الذين لا يريدون إعادة تأهيل النظام، قبل انتهاء العملية السياسية، ولا يوافقون على أي نشاط لإعادة الإعمار قبل ذلك، كانوا حريصين ومارسوا كل الضغوط اللازمة وهددوا بالعقوبات لكل من يشارك في المعرض أو عمليات إعادة الإعمار في سورية، وقد أعلنت السفارة الأميركية في دمشق عبر حسابها الرسمي “إن مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري قد يعرضانهم لعقوبات أميركية” ثم أضاف البيان “الولايات المتحدة لا تشجع على الإطلاق الشركات التجارية أو الأفراد على المشاركة في معرض دمشق التجاري الدولي.”
كل هذه السياسات الروسية والإيرانية باءت بالفشل في محاولاتها من أجل تفعيل إعادة الإعمار في سورية، مع أن الروس لم ييئسوا بعد من العمل على إغراء الدول والشركات من أجل المشاركة في إعادة إعمار سورية.
تكلفة إعادة الإعمار:
تقول بيانات وتوثيقات الأمم المتحدة “إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سورية تصل إلى 400 مليار دولار”. وقد تم التصريح عن ذلك عبر اجتماع اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة الذي عقد في بيروت، 8 آب/ أغسطس 2018، والذي حضره ما ينوف عن 50 خبيراً دولياً وسورياً. وبالطبع فإن هذا التقرير يستوعب حجم الدمار في سورية فقط، ولا يشمل الخسائر الإنسانية البشرية التي فاقت المليون شخص، أو تكلفة التهجير القسري الذي جرى للسوريين داخلياً وخارجياً.
هذا الرقم يتمسك به بشار الأسد ، منذ نيسان/أبريل 2018، وهو الذي قال: “إن إعادة إعمار البنية التحتية في سورية تحتاج 400 مليار دولار، في فترة تمتد من 10 سنوات إلى 15 سنة” في محاولة منه للتساوق مع تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة.
علماً بأن تقديرات عالمية أخرى ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير حيث وصلت بعض الأرقام التي روج لها الاعلام الغربي وأيضاً صندوق النقد الدولي والإدارة الأميركية إلى نصف تريليون دولار، وأخرى تجاوزت هذا الرقم بكثير ووصلت الى 950 مليار دولار.
رأي الاقتصاديين:
يبقى السؤال: هل تسمح الإدارة الأميركية بإعادة الإعمار قبل عملية الانتقال السياسي؟ وهل يمكن للمصالح بين الروس والأمريكان أن تتجاوز هذه المعضلة وصولاً إلى البدء بإعادة الإعمار في المستقبل القريب؟
وهو ما حاول الإجابة عليه الدكتور أسامة القاضي الباحث الاقتصادي السوري بقوله:
“إن الشركات العالمية التي يمكنها أن تدخل السوق السورية تدرك تماماً مدى الخطورة في معاندة الإرادة الأميركية التي تؤكد مؤخراً أنها ضد أي مشروع إعادة إعمار دون حل سياسي، وقد نبهت صراحة أكثر من مرة هي والأوربيين أن أصول أي شركة ونشاطها سيكون عرضة للحظر الاقتصادي، وقد حذرت السفارة الأميركية كل من يشارك في معرض دمشق الدولي، ثم أتبع وزير الخارجية تلك الرسالة بزيارة للشرق الأوسط وأوصل رسالة قوية للدول التي أرسلت وفوداً اقتصادية، وأنها ستكون عرضة للعقوبات الاقتصادية الأميركية”. وأضاف القاضي “هذا يعني الكثير للشركات التي لها نشاط عالمي أو خارج سورية، فمن السهل احتجاز أموالها في بنوك العالم. الرسالة الأميركية واضحة لروسيا بأنه مالم تدفع روسيا بالحل السياسي وتضغط على النظام السوري الذي تحميه، فإن النظام لن يتمكن من تسيير عجلة إعادة الإعمار. ونتيجة الرسالة بالنسبة لمعرض دمشق أن الاتفاقيات كانت ضعيفة مع كوبا والقرم وبيلاروسيا وأوسيتيا الجنوبية وما تبقى مجرد وعود، وانخفض سعر الليرة منذ افتتاح المعرض، ورئيس وزراء النظام السوري أعلن عن عجز الحكومة اقتصادياً، حيث إنتاج النفط صفر، والسياحة صفر، ولم يبق من القطع ما يستطيع معه التدخل لإنقاذ الليرة السورية، اللهم عدا القبض على بعض “الفاسدين” وإجبارهم على تمويل الحكومة، لكن هذا الحل مؤقت جداً، وغير مجد وسيثير المزيد من الفزع في السوق السورية المنهكة أصلاً.”
أما الكاتب والباحث الاقتصادي مصطفى السيد فقد تحدث إلينا قائلاً: “واجهت الشركات الراغبة بدخول السوق السورية للمساهمة في معرض إعادة الإعمار الذي أقيم في دمشق تهديدات أميركية غير مسبوقة، بالتوقف عن أي أنشطة داخل سورية، إلى حين التزام النظام بالتخلي عن الخيار العسكري في مواجهة مطالب الشعب السوري، والتزامه بالعملية السياسية الرامية إلى بناء حكم مبني على انتخابات وطنية نزيهة ومقبولة ومراقبة دولياً ويشارك فيها السوريين كافة، في داخل البلاد، وفي أماكن التهجير الذي فرضه النظام في عملية التغيير الديموغرافي لإعادة تركيب (الهندسة السكانية) بما يتلاءم وتعميق جرائم التطهير العرقي، التي تم ارتكابها بحق مجموعة كبيرة من المدن والبلدات السورية.” وأشار السيد إلى أنه “كان لافتاً في معرض إعادة إعمار سورية مشاركة 90 شركة إيرانية، فيما حذرت وزارة الخارجية المصرية الشركات المصرية من التعامل مع السوق السورية خشية تعرضها للعقوبات الأميركية، وكذلك تلقت الشركات الأردنية والإماراتية تحذيرات مشابهة”.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”