fbpx

إطار تفاهمات مع إيران؛ أهداف وفرص وتحدّيات! (1-2)

0 88

تحدّثت مصادر مختلفة عن وجود اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران لصياغة إطار تفاهمات جديدة، تتمحور حول موافقة النظام الإيراني على وضع بعض القيود على برنامج بلاده النووي، وإطلاق سراح أميركيين محتجزين في إيران، مقابل تخفيف بعض العقوبات، بما في ذلك تحرير الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.

أحاول في هذا المقال توضيح أهمية حصول هكذا اتفاق بالنسبة للولايات المتحدة وإيران معاً، ومناقشة كيف يمكن لإسرائيل الاستفادة منه ومواجهة ما يخلقه من تحديّات.

أولاً: مقدّمة: يدخل تشابك العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، أصحاب أكبر مشاريع سيطرة إقليمية، مراحل أكثر تعقيدا، وأي إطار محتمل للتفاهم بين واشنطن وطهران قد يكون له آثار كبيرة على أمن إسرائيل القومي ومصالحها في المنطقة، وعلى إجراءات التسوية السياسية الأمريكية. بعض الاعتبارات التي يجب التوقّف عندها لتحليل الموضوع بشكل موضوعي:

  1. بغض النظر عن دوافعه الأمريكية، كان قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 خطأ استراتيجياً من منظور المصالح الإسرائيلية؛ طالما كان الهدف الرئيسي المعلن للاتفاق النووي الشامل (JCPOA) في عام 2015، تقييد برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات، بتوافق وضمانات دولية.
  2. وفقاً لتقارير متقاطعة، تحصل اتصالات مكثفة وجدية بين الولايات المتحدة وإيران لوضع إطار جديد، لتفاهمات جديدة، تؤدي إلى تعزيز إجراءات التسوية السياسية الأمريكية الشاملة! إذا ما تم تحقيق هذا التفاهم، وهو المرجح، في إطار تفاهمات الشراكة في سوريا، فإن إيران ستجني فوائد مالية كبيرة؛ وستكون العلاقات مع السعودية بوابتها الرئيسية في إطار التسوية السياسية الإقليمية.
  3. بالنسبة لإسرائيل، تكمن التداعيات المحتملة لهذه التفاهمات في نقطتين: من جهة، اتفاق جديد يقيد برنامج إيران النووي يبدو إيجابياً، لأنه قد يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية وما تشكله من مخاطر كبيرة على أمن إسرائيل، لكن إذا لم يكن الإطار الجديد قوياً بما يكفي لوقف طموحات إيران النووية، ويدمّر ما امتلكته من مواد نووية، فقد يظل الوضع الأمني لإسرائيل هشّاً.

ثانياً: الفرص والتحديّات:

بعد مرور خمس سنوات، أصبح واضحاً أن انسحاب الرئيس ترامب الأحادي من الاتفاق النووي قد أدّى إلى تدهور الحالة الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل في مواجهة التهديد النووي الإيراني. من هنا، قد تعطي فرصاً لإسرائيل، إلى جانب التحديات. فكيف ينبغي على القدس المحتلة مواجهة تحديات تطور العملية الجارية، وهل يمكنها الاستفادة منها؟.

1- الفرص: نظراً لأهمية العملية الجارية – التي يبدو جليّاً أنها تؤدي إلى تعزيز آليات السيطرة التشاركية الإيرانية والأمريكية على قلب منطقة الشرق الأوسط، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الجدية مخاوف إسرائيل الأمنية وطبيعة الحرب التي تخوضها لتحجيم أدوات التمدد الإيرانية – قد تجد إسرائيل نفسها أمام جملة من الاستراتيجيات الممكنة:

  • الانخراط النشط والفعّال في جهود الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية لضمان مراعاة مخاوفها ومصالحها الأمنية أثناء المفاوضات مع إيران، واستخدام كل ما تملكه من أوراق لضمان اتخاذ إجراءات صارمة، تمنع إيران من الاحتفاظ بمواد نووية.
  • استخدام قدراتها الاستخباراتية القوية، وتبادل المعلومات مع واشنطن، بما يعزز جهود وفاعلية رصد التزام إيران بأي اتفاق جديد. ج. استكشاف فرص بناء تحالفات مع فاعلين إقليميين آخرين يشاركون نفس المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، ويمكن أن يعزز هذا التعاون قدرة إسرائيل الجماعية على التأثير والنفوذ في المنطقة.

2- التحديات:

 في مايو 2023، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” أن “برنامج إيران النووي قد تطور أكثر من أي وقت مضى.” وقال، “إن إيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و 60% لصنع خمس قنابل نووية.” الاتصالات التي كشف عنها، تظهر حرص واشنطن على صياغة “اتفاق غير رسمي، وغير مكتوب”، يتم بموجبه تقييد برنامج إيران النووي، وتعهّد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة 60% وعدم تراكم المزيد من المواد عند هذا المستوى من التخصيب. بالإضافة إلى ذلك، سيتم الإفراج عن ثلاثة أمريكيين محتجزين في إيران منذ عام 2015 بتهم التجسس، وستكون إيران ملزمة بالتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتناع عن مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا والعراق. وبالإضافة إلى ذلك، تزعم التقارير أنه سيتم التطلب من إيران وقف بيع الصواريخ البالستية إلى روسيا، مقابل تحرير الولايات المتحدة لأصول إيرانية بالدولار. تقديرات يناير 2021 تشير إلى أن 10 مليارات دولار مجمدة في العراق، وحوالي 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، ومبالغ مماثلة في الولايات المتحدة وعمان والصين واليابان. هناك أيضاً تقارير عن اتفاق تبادل أسرى بين إيران وبلجيكا، بوساطة عمان، ودفع دين بقيمة 2.76 مليار دولار لإيران من قبل العراق.

ثالثاً: الاستنتاجات:

يبدو لي أن شروط الصفقة الجديدة، الغير رسمية، تخدم سياسات السيطرة المشتركة بين الولايات المتحدّة والنظام الإيراني بالدرجة الأولى: من جهة، ما تفرضه الصفقة من تنازلات على إيران يشكّل خطوات طفيفة إذا ما قورنت بالتنازلات المطلوبة للعودة إلى اتفاق النووي لعام 2015 – الاتفاق الشامل المشترك (JCPOA)- وتلبّي استعدادها للتوصل إلى حلاً مقبولاً دون أن تُجبر على التخلي عن تقدمها وإنجازاتها حتى الآن في المجال النووي. في الوقت نفسه، فإن التعويض الذي تحصل عليه إيران في إطار تفاهمات محدودة تلبّي شروطها، قد يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، وقد يكون كافياً للحد من التضخم المتزايد والاحتجاجات العامة الناتجة عنه. من جهة أخرى، تعلن إدارة بايدن باستمرار أنها مستعدة لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية ومهتمة باتفاق يتيح لها توجيه اهتمامها ومواردها إلى قضايا وطنية أخرى كالحرب ضدّ الإرهاب، والتنافس التكنولوجي ضد الصين!.

لترويج “إطار التفاهمات الغير رسمي” الذي تسعى إليه واشنطن، يتذرع الأمريكان بالقول إن التغيرات الجيوسياسية لما بعد حقبة “الربيع العربي” التي سمحت بتمكين أدوات السيطرة الإيرانية، ورفض إيران تفكيك قدراتها النووية المتراكمة، يمنعانها من التوقيع على اتفاق نووي شامل، وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاق شامل، موقّعاً عليه، أمر غير مرجّح. لذلك، تسعى الإدارة إلى التوصل إلى اتفاق أكثر تحديداً، وجدوى!.

في الختام، أعتقد أنّ الدوافع الحقيقة الأمريكية مختلفة تماماً، وتحرص، في أحد جوانبها، على بقاء حالة الصراع “الإعلامي – القيمي”، بين المشروعين، التي شكّلت تاريخياً أفضل بيئة لتعزيز شباك سيطرة ونهب تشاركية غير مسبوقة مع النظام الإيراني؛ كما تبقي “التهديد النووي الإيراني” كورقة ضغط، تبقي عصا الولايات المتّحدة الغليظة مشرعة في وجهه أقرب “حلفاء” واشنطن – المملكة السعودية وإسرائيل!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني