fbpx

إسرائيل تصطاد ضباط إيران في سورية.. من يزوّدها بإحداثيات اجتماعاتهم؟

0 262

النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في سورية ليس مطلقاً بل له حدود معيّنة، هذه الحدود، لا تستطيع إسرائيل من خلالها بلوغ عتبة الوضع الأمني السرّي الخاص لمستشاري وضباط الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سورية، إذ إن حركتهم ونشاطهم يحاط بسرية شديدة، والجهة الوحيدة التي تطلع على هذا الوضع في سورية هي السلطات الأمنية العليا الخاضعة لقيادة بشار أسد.

والسؤال الذي يُطرح باستمرار هو: من يزوّد إسرائيل بمواعيد وصول شحنات الأسلحة أو الذخائر إلى مطارات نظام أسد؟ ومن يزوّدها بأماكن اجتماعات ضباط ومستشاري إيران ومسؤوليها، فتنقضّ عليهم صواريخ الطائرات الإسرائيلية بدقة شديدة فتُبيدهم؟

هذه الحالة ليست عصيّة على اكتشاف حقيقتها من قبل إيران ومخابراتها العاملة في سورية، فالإيرانيون وببساطة، يُدركون أن حركة ضباطهم وكوادرهم، ومواعيد وصول طائرات شحناتهم العسكرية إلى مطارات سورية، مكشوفة للقيادات الأمنية السورية العليا، ولرأس النظام الأسدي بشار أسد، وبالتالي فمصادر تسريبها إلى المخابرات الإسرائيلية تتمّ من خلال هذه الدائرة الأمنية الضيّقة.

بشار الأسد لا يهمه اصطياد إسرائيل لكوادر إيران في سورية، فهو يلعب دوراً مباشراً في هذه العملية، تحت حجة أنه لا يملك قرار طرد إيران ونفوذها من بلاده، وبالتالي فهو بتسريبه لمعلومات دقيقة عن حركة الضباط والمستشارين الأمنيين الإيرانيين (اجتماعاتهم وتنقلاتهم) يريد أن يفُهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أنه مغلوب على أمره، وأنه حين أتى بهؤلاء ليدعموا نظام حكمه، لم يكن يتصوّر أنهم سيشكلون تهديداً حقيقياً لإسرائيل.

بشار الأسد يمتهن تسريب معلومات دقيقة عن نشاطات إيران، ويوهم نفسه بأنه بهذه التسريبات يضمن بقاءه على كرسي الحكم في سورية، فهو لا يهتم سوى بأمر بقائه حاكماً على هذه البلاد، باعتبارها مصدر ثروات عائلته، ومزرعته الأبدية.

لقد اتهمت طهران إسرائيل بعملية الاغتيال التي طالت خمسة مستشارين مما يسمى “الحرس الثوري الإيراني” في حي المزة بدمشق. وكانت إسرائيل قد قامت قبل أقل من شهر من هذه العملية بأخرى مماثلة في منطقة “السيدة زينب”. حيث قُتل آنذاك المستشار العسكري الإيراني لفيلق القدس “رضي موسوي”.

المستشارون الذين قتلوا بسبب الغارة الإسرائيلية على مبنى تستخدمه إيران في حيّ المزّة هم الجنرال صادق أوميد زاده، الذي يشغل منصب نائب قائد المخابرات في قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، ونائبه الحاج غلام، إضافة إلى علي أغا زاده وحسين محمدي وسعيد كريمي.

إيران تعرف أن المعلومات الأمنية المحيطة بضباطها الكبار لا يملكها غير جهازها المخابراتي والقادة الأمنيين السوريين الكبار، وهؤلاء هم من يطلع بشار الأسد على كل كبيرة وصغيرة بهذا الشأن، ولذلك تُدرك إيران أن حليفها بشار الأسد يخونها مع إسرائيل، وهي لا تملك بديلاً مناسباً يحلّ محله في هذه المرحلة المعقدة من الصراع في سورية وعليها، الأمر الذي يجعلها تتحمّل هذه الخسائر ريثما تحين فرصة الانتقام من خيانته.

إن ذهنية بشار أسد ترتكز على معطى عقلي ونفسي واحد، هذا المعطى هو من يضيء مساحة الوحشية التي ارتكبها بحق الشعب السوري، حين خرجت المظاهرات السلمية تطالبه بالإصلاح السياسي، وإصلاح الدولة، التي ينهشها الفساد.

بشار أسد يعتقد بصورة مطلقة، أن بقاءه في رأس السلطة هو الهدف غير القابل لأي مساومة، وبالتالي، فهو مستعد لارتكاب كل الجرائم ضد أي جهة تهدد سلطته، وباعتبار أن إيران لها أجندة تتناقض في جزء منها مع بقائه في السلطة، وهذا الجزء يتعلق بعداء الأخيرة مع إسرائيل، ولهذا كي لا يُحسب على مشروع إيران، فهو لا يستطيع طردها من سورية، لذلك يزوّد إسرائيل بكل ما يحيط نشاطاتها التي تشكّل خطراً على الدولة العبرية، كي لا يقول لإسرائيل هذه قدرتي المتاحة التي أساعدكم بها.

أمريكا وإسرائيل تُدركان أن بشار أسد براغماتي حتى نقي عظامه، وتعرفان أنه مثل الحرباء قادر على تغيير مواقفه، بما يخدم استمراره في رأس الحكم في سورية، وأن تسريبه للمعلومات الاستخباراتية لهما إنما يريد منها محاولة إيهامهما بأنه صديق لهما، ومغلوب على أمره، ولهذا فهو بتسريبه للمعلومات يريد مساعدتهم من أجل إخراج إيران من سورية.

إن نجاح إيران في تثبيت هيمنتها وسيطرتها العسكرية والأمنية في سورية يشكّل بالمعنى الاستراتيجي خطراً على وجود دولة إسرائيل، فالمشروعان الإسرائيلي والإيراني الخاصان بالمنطقة العربية هما مشروعان متناقضان في بنيتهما، إذ يروم المشروع الإيراني إلى تحويل محيطه العربي إلى جزرٍ منفصلة وتابعة لقرار طهران، من خلال الهيمنة العسكرية والأمنية والطائفية الدينية، مثل أوضاع (اليمن الحوثي، والحكم الشيعي العراقي، وهيمنة ذراع حزب الله اللبناني على لبنان المتنوع).

المشروع الإسرائيلي يريد إنهاء الصراع الإسرائيلي – العربي عبر التطبيع السياسي، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأن تصبح إسرائيل المتقدمة تكنولوجياً القاطرة التي تقود المنطقة العربية نحو تنمية تخدمها أولاً وتمنع نجاح أي مشروع منافس.

إن بشار الأسد يدرك هذا التناقض، وباعتباره غير مهتم إلا بكرسي الحكم، فهو لا يشكّل في المشروعين الإسرائيلي أو الإيراني حلقة آمنة، ولهذا ينتظر الفريقان المتصارعان إيجاد بديل آمنٍ غير منقلب على مصالحهما.

بقي أن نقول، إن بشار أسد لا أمان له في أي أمرٍ وشأن، فمتى انتهت مصالح المستفيدين من بقائه سيحاولون دون شك تصفيته إلى الأبد، وهذا مصير طبيعي لكل طاغية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني