أوليّات حقوق المرأة
أنجزت النضالات المستمرة للمرأة منذ عقود على المستوى العالمي أهدافها، بما حققته من مكاسب حقوقية تجسدت على الأرض بتبني دساتير ذات سمة جندرية وحتى بعضها على أساس جندري بحت وليس فقط حساس للجندر، كالدستور السويدي الذي يعتبر من أكثر دساتير العالم تطوراً وتماشياً مع الديمقراطية بالاعتراف نصاً بحقوق المرأة كاملة بالتساوي مع الرجل، في حين لم تحقق المرأة العربية مكاسب تذكر. بقيت مهمشة تزين خطابات المنظرين بهذه الحقوق، حتى أن بعضهم وصف الحركة النسوية كنوع من الترف الفكري الطوباوي البعيد عن الواقع وليس من ضروريات المرحلة، بالرغم من أن هؤلاء يدعون الثورية ويقودون حركات تحررية تهدف للديمقراطية ولتحرير الإنسان من العبودية والاستبداد.
هذه الازدواجية بين الشعارات وبين التطبيق لا تختلف عن ازدواجية الأنظمة الاستبدادية، فكيف ندعي الثورية وننادي بالتحرر والديمقراطية للحصول على كامل الحقوق في حين نهمش نصف المجتمع من حقوقه الأساسية.
كان للمرأة العربية دور كبير في حركات الربيع العربي، برز دورها كعنصر أساسي هام وفعال في هذا الحراك الثوري لتضفي عليه السمة الحضارية، لكن استغلال بعضهم لهذا الدور البارز، باستثماره لتحقيق مكاسب مادية وسياسية، حيث كثرت المشاريع والمبادرات النسوية شكلياً لاستغلال المساعدات والهبات والمعونات الخارجية التي يشترط بعض المانحين لمنحها أن تحمل المبادرات والمشاريع أهدافاً نسوية (حقوق المرأة) جندرية كمشاريع التنمية النسوية ومناصرة قضايا المرأة وتمكينها قانونياً واجتماعياً وسياسياً ومادياً. وهنا يجب أن نعرف المنظمات النسوية الحقيقية التي كانت مبادراتها تهدف وتتبنى حقيقة قضايا المرأة والجندر ومناهضة أشكال التمييز ضد المرأة بشكل عام، حقوق المرأة كاملة ومساواتها بالرجل بالحقوق والواجبات، فكرست الجهود في سبيل ذلك ليس بالشعارات انما بالواقع أيضاً، فكانت رائدة على أرض الواقع ولم تختلف الشعارات عن الممارسة الفعلية التي تجسدت في نشاطها وعملها وقواعد تشكيلها من حيث الأسس التنظيمية والقواعد والمبادئ والهياكل من الرأس حتى القاعدة المشكلة لهذه التنظيمات النسوية. بالرغم من العمل الريادي لهذه التنظيمات إلا أن الممارسات الإقصائية بحق هذه التنظيمات حرم الحراك الثوري من تحقيق أهدافه بالديمقراطية، عبر الثورة المضادة التي كانت الرصاصة القاتلة في عمق الربيع العربي التي منعته من تحقيق أهدافه، فهي الوجه الآخر لأنظمة الاستبداد، فإقصاء المرأة في حركات التحرر يعني قتل هذه الحركات في مهدها.
حقوق المرأة ليست ترفاً أو مطلباً ثانوياً، فكيف نطالب بحقوق الإنسان كاملة في ظل قوانين وممارسات تحرم المرأة حقها بالصفة الإنسانية، وتعمل على التمييز وفقاً للنوع الاجتماعي، هذا يعني الاستمرار بالاستبداد واستبداله باستبداد آخر (كأنك يا أبو زيد ما غزيت).
لا يمكن تحرير المجتمعات والشعوب دون حصول المرأة على حقوقها كاملة ومساواتها بالرجل، إغفال هذه الحقوق يعني العودة للدكتاتورية وحرمان الشعوب العربية من حقها بمجاراة شعوب العالم بالحضارة والرقي عبر تبني سياسات فاعلة ترتكز على دساتير وقوانين تحترم حقوق الإنسان وبالتالي احترام حقوق المرأة ووضعها موضع التنفيذ بنصوص الدساتير التي تقوم على أسس المواطنة وسيادة القانون.
حقوق المرأة من الأوليّات وليست مسألة مستأخرة يمكن تأجيلها، إنها ضرورة ملحة، وقضية الحقوق والمساوة بالرجل هي قضية حقوق إنسان وقضية مواطنة فلا يمكن أن تكون هنالك مواطنة في ظل تصنيف درجات للمواطنين مواطن درجة أولى (الرجل) يتمتع بكامل الحقوق ومواطن درجة ثانية (المرأة) تنتقص حقوقها، فتلك مجافاة للعدالة وانتقاص لحقوق الإنسان وافتقار لأسس المواطنة.
لذلك نرى في المسألة السورية ضرورة تبني دستور حساس للجندر لتفويت الفرصة على مناهضي الثورة في القضاء التام عليها لأن القول بالبحث عن حقوق المرأة في هذا الوقت ليس من الأوليّات بل مسألة متأخرة لم يحن الوقت لها وقضية يمكن مناقشتها فيما بعد لأن هنالك قضايا أهم، هذا الكلام بالذات هروب من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق القيمين والفاعلين في اللجنة الدستورية أو من سيكون لهم دور في المستقبل في كتابة الدستور لأن المطالبة بدولة ديمقراطية يقتضي حكماً، المساواة التامة بين جميع المواطنين بالحقوق والواجبات وأن يكون ذلك من المبادئ الأساسية للدستور السوري المستقبلي. وكيلا ينسى بعضهم أو يتجاهل ما قدمته المرأة السورية للثورة ودورها الكبير والتضحية العظيمة التي قدمته في نضالها لتحقيق أهداف الشعب بالحرية والديمقراطية والكرامة.
لا كرامة ولا حرية لشعب يظلم نصفه وينتقص من حقوقه، لا يساوي بين مواطنيه، فالمواطنة تعني المساواة بالحقوق والواجبات.