fbpx

أولويات الحكومة الانتقالية في سوريا: نحو مستقبل مستقر وديمقراطي

0 167

تُعد الحكومة الانتقالية محطةً مفصليةً في مسار التحول السياسي لأي دولة تمر بمرحلة انتقالية بعد نزاع أو أزمة سياسية عميقة. في الحالة السورية، تتحمل الحكومة الانتقالية مسؤوليةً كبرى في إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية عادلة ومستدامة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تركز على مجموعة من الأولويات التي تضمن نجاح المرحلة الانتقالية ووضع البلاد على طريق الاستقرار والتنمية.

إذ تُعتبر شمولية الحكومة الانتقالية أحد أهم عوامل نجاحها، فهي يجب أن تكون ممثلةً لجميع مكونات الشعب السوري بمختلف انتماءاتهم السياسية والإثنية والدينية. ويجب أن تعتمد آلية تشكيلها على معايير تضمن مشاركة الأطراف الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك الأحزاب السياسية والقوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين.

إن تحقيق هذا التمثيل العادل يساهم في تعزيز الشرعية السياسية للحكومة الانتقالية ويحدّ من الاحتقان المجتمعي، مما يسهل تنفيذ برامج الإصلاح وإعادة الإعمار بقبول شعبي واسع.

تحتاج سوريا إلى خطة تنموية شاملة لإعادة بناء الاقتصاد وتحقيق الاستقرار المعيشي وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. يجب أن تأخذ هذه الخطة في الاعتبار العدالةَ في توزيع الموارد وإعادة إعمار المناطق المتضررة من النزاع.

كما تتطلب التنمية المستدامة توفير بيئة تشريعية واستثمارية آمنة لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، مع التركيز على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

وتُعتبر العدالة الانتقالية حجر الأساس لأي عملية انتقال سياسي ناجحة؛ إذ تهدف إلى معالجة آثار النزاع ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات وإنصاف الضحايا وتعزيز المصالحة الوطنية.

يجب على الحكومة الانتقالية وضع آليات قانونية واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل لجان مستقلة للتحقيق في الانتهاكات وإنشاء محاكم خاصة أو مختلطة وضمان حقوق الضحايا في التعويض وجبر الضرر. كما ينبغي تبني برامج للمصالحة الوطنية لمنع تكرار النزاعات في المستقبل.

يُمثِّل الدستورُ حجرَ الزاوية في بناء دولة ديمقراطية قائمة على سيادة القانون. ولذلك، يجب على الحكومة الانتقالية تشكيل لجنة دستورية مستقلة تضم ممثلين عن مختلف التيارات السياسية والمجتمعية، لوضع دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري.

يجب أن يضمن الدستور مبدأ فصل السلطات ويؤسس لنظام ديمقراطي تعددي ويكفل الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين. كما ينبغي أن يتضمن آليات واضحة لتنظيم عمل مؤسسات الدولة ومنع تغوّل أي سلطة على حساب الأخرى.

يُختتم المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية تُعيد السلطة إلى الشعب وتؤسس لحكم شرعي مستدام. لذلك، يجب على الحكومة الانتقالية وضع إطار قانوني لضمان نزاهة الانتخابات وإشراك هيئات دولية ومحلية مستقلة لمراقبة العملية الانتخابية.

يتطلب نجاح الانتخابات توفير بيئة آمنة تتيح لجميع المواطنين المشاركة بحرية، مع ضمان الحياد التام لمؤسسات الدولة وحرية الإعلام وحق الأحزاب السياسية في العمل والتنظيم.

إنَّ نجاحَ الحكومة الانتقالية في تنفيذ هذه الأولويات سيحدد مستقبلَ سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فبدون حكومة شاملة وتنمية مستدامة وعدالة انتقالية حقيقية ودستور ديمقراطي وانتخابات نزيهة، لن يكون هناك انتقال حقيقي نحو دولة مستقرة وعادلة. وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق جميع القوى الوطنية في التعاون لإنجاح هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني