fbpx

أنقرة وواشنطن.. آفاقٌ لحلول قضايا مزمنة..

0 115

في أول زيارة رسمية لرأس الدبلوماسية التركية مولود جاووش أوغلو لواشنطن منذ تولي إدارة بايدن للبيت الأبيض منذ عامين أو تزيد قليلاً، زيارة لاشك أنها تحمل ملفات لقضايا استراتيجية ونظرة القيادة التركية لحلولها ووجهة نظرها فيها وستعرضها على واشنطن وأقل ما يقال عن هذه القضايا أنها شائكة ومزمنة. فتركيا تأمل أن تزحزح القناعات الأمريكية حول هذه القضايا وذلك لإذابة الثلوج المتراكمة والمطبات التي تعترض طريق الارتقاء بعلاقتهما الأمر الذي سيرفع من درجة حرارتها بعد الفتور الذي أحدثته هذه القضايا ونظرة كل منهما إليها للوصول إلى قواسم مشتركة فيها على أقل تقدير فهي أي – الزيارة – تحمل الكثير من الأمل في انفراجات واسعة في علاقة أنقرة بواشنطن.

ولعل في مقدمة هذه القضايا التي ستُبحث علاقة أنقرة بروسيا ومسألة التقارب التركي مع نظام الأسد وكذلك صفقة طائرات (F16) والعملية العسكرية المرتقبة للقوات التركية في الشمال السوري التي ما فتئت أنقرة تصرّح أنها قاب قوسين أو أدنى من حدوثها وموقف واشنطن وتحفظاتها عليها وكذلك مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي الذي تشوبه عوالق كثيرة ترى أنقرة أنها تتعلق بعدم تطبيق الدولتين فنلندا والسويد لما تعهدتا به لأنقرة أو على أقل تقدير بطؤهما في تنفيذ ذلك، وربما ضمن هذه الملفات مسألة النووي الإيراني الذي تعزّز ملفه وأنه سيكون حاضراً في مباحثات أوغلو مع بلينكن بالزيارة التي قام بها منذ يومين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران إلى أنقرة ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان.

الحقيقة ملفات كبيرة وكثيرة أكثر من أن تُحصى بانتظار بحثها فهل ستؤدي هذه الزيارة بانفراجات وتأتي بالنتائج التي ترجوها أنقرة؟.

الثمرة التي سقطت ونضجت ربما سريعاً من هذه الزيارة هي ما صرحت به الخارجية الأمريكية اليوم أن الرئيس بايدن يعتقد أنه يجب علينا بيع تركيا مقاتلات وتحديث الأسطول الحربي الجوي التركي، من جانبه مولود جاووش أوغلو قال اليوم وأثناء الزيارة قال: نعتقد أنه يجب على الكونغرس الأمريكي الموافقة على بيع تركيا طائرات (F16).

 فهي مهمة لنا ولحلف الناتو هذا ففيما يتعلق بصفقة (F16) التي يبدي الكونغرس الأمريكي اعتراضاً منذ فترة على تزويدها لتركيا كونها كما يرى الكونغرس لا تتناغم مع منظومة الأسلحة الأمريكية والغربية التي يعتمد عليها الناتو ويراها لا تأتلف مع صواريخ الأرض جو الروسية (S400).

تزويد أنقرة بهذه الطائرات ربما سيتم على الرغم أن اعتراض بعد أعضاء الكونغرس على تزويد أنقرة لهذا النوع من الطائرات، فهو لن يكون ذا بال خاصة إذا علمنا أن الكونغرس يحتاج إلى أغلبية الثلثين من أعضائه في المجلسين الشيوخ والنواب لتعطيل القرار الرئاسي بشأن قراره تزويد تركيا بهذه الطائرات ولكن أدبياً ستحاول إدارة بايدن ضمان موافقة المعترضين على بيع أسلحة إلى الخارج وتزويد واشنطن لأنقرة للطائرات التي بلغ ثمنها 20 مليار دولار أمريكي، على الصعيد ذاته ومن‌ جانبه إبراهيم قالن كبير مستشاري السياسة الخارجية للرئيس رجب طيب أردوغان قد قال قبيل زيارة أوغلو لواشنطن أن مطالب واشنطن المتعلقة بالطائرات المقاتلة “لانهاية لها” مضيفاً أنه يأمل ألا تكون صفقة الطائرات رهينة بقبول أنقرة بعضوية السويد وفنلندا في حلف الأطلسي.

وزارة الخارجية الأمريكية أبدت تفهما للمخاوف للتركية فقد قالت اليوم إنها تريد ضمان حصول تركيا على ما تحتاج إليه كحليف للتعامل مع بواعث قلقها الأمني وربما أحد البواعث المهمة لهذا القلق لدى أنقرة يكمن في سوريا ففي الشأن السوري تركيا وعلى لسان وزير خارجيتها مولود جاووش أوغلو أبدى استعداد أنقرة للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل التركيز على سوريا ولكنه استدرك وذكّر واشنطن أنها لم تقم بتنفيذ التزاماتها ووعودها السابقة وذلك في إشارة إلى المنطقة الآمنة التي اتفق عليها الجانبان منذ سنوات قليلة ونطاقها داخل الأراضي السورية والتي لازالت أنقرة حتى اليوم تصرّح بأنها إن لم يجر تحقيقها بالاتفاق مع واشنطن فستقوم بها تركيا منفردة بعيدة عن واشنطن، الجانبان التركي والأمريكي شددا كذلك في لقائهما على الحل السياسي في سوريا وفق القرار الأممي 2254.

لا شك أن الزيارة ستتطرق إلى مواضيع مهمة بالنسبة لأنقرة وجميعها أو غالبيتها تتعلق بالأمن القومي التركي فمسألة انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو ستأخذ حيزاً كبيراً ولا سيما أن تركيا تشترط على ستوكهولم وهيلسنكي تفعيل الاتفاقية الثلاثية التي وقعت بينهما منذ بضعة شهور والتي جرى توقيعها على هامش انعقاد الناتو في مدريد الصيف الماضي والتي تبعها إجراءات أخرى للتصديق عليها، فأنقرة لا زالت ترى في العاصمتين أنهما تماطلان في تسليم الإرهابيين المتواجدين على أراضيهما لأنقرة.

ويصب في هذا الاتجاه أيضاً المحادثات حول تسليم فتح الله غولن الذي تستضيفه واشنطن في ولاية بنسلفانيا والتي ترى أنقرة ضلوعه في الانقلاب الفاشل على الديمقراطية في تركيا صيف عام 2016.

زيارة أوغلو لواشنطن تأتي في الزمان والمكان الذي يجب أن تأتي بهما فأوغلو في عاصمة اتخاذ القرار الدولي فالزيارة تكتسب كذلك أهمية إضافية كونها تأتي مع تصاعد الحرب الأوكرانية – الروسية والتي باتت تأخذ منحنيات أخرى لم تكن عليها سابقاً. وذلك مع حديث روسيا عن تحقيق بعض المكاسب العسكرية على الأرض وتصريحات واشنطن وحلفائها أنهم سيزودون أوكرانيا بأسلحة نوعية جدا لم يكونوا قد زودوا بها أوكرانيا سابقاً لصدّ أي خروقات للقوات الروسية وكذلك تصريح واشنطن بأنها لن تقدم ضمانات على عدم استهداف القوات الأوكرانية شبه جزيرة القرم وأنها – أي واشنطن – لم تقل يوماً أن القرم سيكون بعيداً عن الهجمات الأوكرانية عليها فيما لو أرادت الأخيرة ذلك.

الموقف التركي المتوازن من كلا الفريقين المتحاربين روسيا وأوكرانيا أعطى أنقرة ويعطيها موقعاً لأن تكون الضامن لأي اتفاق سيجري ولا شك أنه سيجري فالحروب ستنتهي يوماً وسيتم وقف إطلاق النار وسيجلس المتحاربون على طاولة التفاوض في نهاية المطاف، وتعلم واشنطن جيداً أن أنقرة سيكون لها موقعاً متقدماً في مفاوضات وقف إطلاق النار وتقريب وجهات نظريهما فيها، وسيكون لها كلمة فيها عند الفريقين المتحاربين فمكانة تركيا عند روسيا تعرفها واشنطن جيداً بدليل اتفاقيات الحبوب التي جرت في الصيف الماضي وكذلك جعل روسيا من تركيا مركزاً لتوزيع الغاز إلى أوروبا وهذا ما يضيف لتركيا أهمية كبيرة لدى واشنطن التي لديها الكثير من الأفكار في هذا الجانب للاستفادة من موقف تركيا من هذه الحرب وتأثيرها الذي تراه واشنطن أنه كبير على روسيا في هذا المجال خاصة أن واشنطن تنظر وحسب الخارجية الأمريكية باحترام إلى حسن تعامل أنقرة مع ملفات عديدة إقليمياً وحتى دولياً.

ما قاله السيناتور الديمقراطي كريس فان “يلخص إلى حد كبير أسباب التباعد بين أنقرة وواشنطن ويقول إن الهجمات المتكررة التي شنتها تركيا على “حلفائنا” الأكراد السوريين كما يصفهم السيناتور الأمريكي! وربما هذه الصفة التي تصف بها واشنطن قسد والـ (PKK) تزعج أنقرة جداً باعتبار أن واشنطن ترى في قسدأنه حليفها بينما أنقرة تراهم إرهابيين وأصحاب مشاريع مريبة وانفصالية تؤثر ليس على الأمن القومي التركي فقط بل وعلى عموم الأمن في دول المنطقة جمعاء.

السيناتور الديمقراطي يضيف أسباباً أخرى لفتور العلاقة مؤخراً بين أنقرة وواشنطن ويضيف أن استمرار التقارب التركي مع روسيا بما في ذلك تأخير عضوية فنلندا والسويد للناتو مازالت تشكل أسباباً جدية لنا لأن نقلق، ويضيف “فان” ولحصول تركيا على (F16) يقول نحتاج إلى تأكيدات بأنه سيتم معالجة هذه المخاوف حسب السيناتور الأمريكي فان.

تاريخ توتر العلاقات بين البلدين يعود لعام 2019 منذ أن حصلت أنقرة على منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسي أرض جو (S400) وللدلالة على توتر العلاقات وربما عمقها أن التهيئة والتحضير لهكذا زيارة رسمية استغرق عامين منذ تولي إدارة بايدن مهامه في البيت الأبيض.

الشائك من القضايا المعقدة وعرضها وطرحها على بساط البحث بين أنقرة وواشنطن تجري الآن فإذا انحلت القضية المزمنة لطائرات (F16) وشهدت انفراجة حسب ما رشح من معلومات حولها والتي استعصى حلها طيلة السنوات الماضية ربما حسب كثيرون أننا سنشهد انفراجات في ملفات وقضايا أخرى كانت شائكة ومعقدة هي الأخرى، فهل سيحدث هذا أم ستدوّر هذه القضايا العصية عن الحل إلى جولات وزيارات مقبلة؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني