أطفال على الأرصفة.. وأنساب مجهولة
يصادف 20 نوفمبر من كل عام اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث نصت المادة السابعة منه على ما يلي: (يتم تسجيل الطفل فور ولادته ويكون له الحق منذ ولادته في الحصول على اسم.. والحق في اكتساب جنسية والحق في معرفة والديه أو رعايتهما).
لكن خلال الأسبوع الماضي وفي اليوم ذاته عثر على طفلين حديثي الولادة أحدهما وجد مرمياً في أحد شوارع بلدة سجو في ريف حلب الشمالي.. والطفلة الأخرى وجدت ملقاة على حافة الطريق بالقرب من بلدة أرمناز غرب إدلب..
تتكرر هذه الحادثة بين وقت وآخر في بلد تأكل الحرب منه قطعة تلو الأخرى.. وينهش الفقر والجهل بأبنائه..
(م.ق) متطوع في منظومة إسعاف في المناطق المحررة قال لنا:
لا إحصائيات فعلية ولا أرقام ثابتة عن عدد الأطفال حديثي الولادة الذين تم التخلي عنهم من قبل ذويهم ولكن بحسب رأيي أن هذه الظاهرة لم تستفحل بشكل كبير على مستوى المناطق المحررة.. ولكن تكرارها في الآونة الأخيرة يستدعي التوقف عندها مطولاً والبحث في أسبابها والسعي لتقديم المساعدة العاجلة في حلها.
برأيي، من أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة الفقر وقلة فرص العمل بالإضافة لعدم وجود منظمات تقدم الدعم الكافي للأمهات الحوامل من حيث التغذية والرعاية الصحية كما أن هناك ارتفاع جنوني في أسعار حليب الأطفال حيث بلغ سعر العبوة اليوم أكثر من 34 ليرة تركية وبحسبة صغيرة يحتاج الرضيع إلى أكثر من 400 ليرة تركية شهرياً ثمناً للحليب فقط عدا باقي المستلزمات. كل هذه الأسباب تجعل هذه الظاهر تنتشر وتزداد.
ففي إحدى المرات أثناء عودتنا إلى مدينة إدلب عثرنا على طفل رضيع على قارعة الطريق الواصل بين (معرتمصرين وإدلب).. فقمنا بنقله بسيارة الإسعاف إلى المستشفى الخاص بالأطفال ليتم فحصه من قبل الأطباء ومن ثم قمنا بإبلاغ الجهة الأمنية التي حضرت وتمت كتابة ضبط بالواقعة ونقل الرضيع إلى دار الايتام لرعايته..
أما عن مصير هؤلاء الأطفال فيقول (م.ق): بحسب علمي يقتصر الأمر على نشر الخبر عبر قنوات التواصل الاجتماعي ولم أعلم حتى الآن أنه تم العثور على عائلة أي من الأطفال.. وذلك لصعوبة ودقة هذا الأمر وعدم وجود كوادر متخصصة مدربة تقوم بالبحث والتقصي.
أما عن الوضع القانوني للطفل فقال لنا: قانونياً وبالوضع الحالي كوننا منطقة تعمل بحسب الشرع لا يتم تسجيل الرضيع على قيود الشخص المتبني. لأن ذلك ممنوع شرعاً.. أغلب الحالات تتم كفالتها من قبل فاعلي الخير أو يبقى الرضيع بعهدة الجمعية أو دار الأيتام.
هناك بعض الحالات التي يتمسك بها الشخص الذي وجد الرضيع به تعاطفاً معه وطمعاً بالأجر والثواب من الله عز وجل حيث يضمه لأطفاله، ويشترط في هذه الحالة كتابة تعهد لدى الجهة الأمنية بأنه المسؤول عن أمن وسلامة الرضيع وأن يتعهد بتربيته تربية حسنة وبتأمين مستلزماته.
أما من ناحية نسب الطفل وأوراقه الثبوتية فحالياً يُـكتفى بالضبط الأولي كوثيقة لدى المتبني
بالإضافة للتعهد.
هناك ضعف كبير في الأمور المتعلقة بقيد السجل المدني حيث سيتم العمل حالياً على تفعيل السجل المدني ولا فكرة لدي إن كان سوف يتبع الإجراء في الأيام القادمة..
ومن الناحية القانونية أطلعنا المحامي (زياد جاموس) على الوضع القانوني لهؤلاء الأطفال فقال:
يسري على هؤلاء الأطفال أحكام اللقطاء.. فحسب قانون رعاية اللقطاء الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 1970 فإن الطفل الوليد الذي يعثر عليه ولم يعرف أبواه يسمى (اللقيط).
وهناك قوانين كثيرة تحمي هؤلاء الأطفال منها المرسوم التشريعي الآنف الذكر بالإضافة لاتفاقية حقوق الطفل التي انضمت اليها سوريا عام 2002.
كما أن القانون المدني ضَـمِـنَ حقوق هذه الفئة من الأطفال ضمن مواده (50-51-52-53)
ونص على عدم التنازل عن الحرية الشخصية. كما أن القوانين الجزائية حمت الأطفال من هذه الظاهرة.
أما بالنسبة للوالدين – إن تم الوصول إليهم – فإن القانون لم يفرض عليهم أي عقوبة حقيقية، إنما جاءت القوانين لحماية الطفل وحفظ حقوقه فقط.
وعن أسباب ازدياد هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة فيرجع السيد زياد الأسباب إلى حالة الحرب التي تمر بها البلاد منذ سنوات التي أدت إلى تشريد عدد كبير من الأسر والأطفال كما أن الفقر الذي نتج عن هذه الحرب كان سبباً رئيسياً في انتشار هذه الظاهرة.. فخوف الأبوين من الفقر يدفعهما – أو أحدهما – لترك أطفالهم أمام منازل الأغنياء دفعاً بهم لمستقبل أكثر أماناً.
لكن انتشار هذه الظاهرة أدى لنتائج خطيرة وكارثية كضياع الحقوق والأنساب.
ويضيف: جميع الخطط التي وضعت للحد من هذه الظاهرة غير مجدية بسبب حالة الحرب والوضع الأمني غير المستقر.. فإنشاء الملاجئ ودور الأيتام يحتاج إلى إمكانيات كبيرة جداً وهي غير متوفرة في ظل هذه الظروف.
وبسؤالنا له إن كان يتم البحث عن عائلة الطفل أجاب: يتم البحث عن عائلة الطفل بعد وضعه في دار رعاية اللقطاء وتنظيم ضبط بذلك من قبل الشرطة وتحديد الزمان والمكان وصفة الطفل ويتم التعميم والسؤال عنه.. فإن وجدت عائلته تتم إعادته إليهم أو يبقى تحت رعاية دار اللقطاء.
لكن هناك حل قانوني وإنساني تتبناه الغالبية في الوقت الحالي وهو كفالة الطفل اللقيط.. فقد أجاز القانون للأسر كفالة أي طفل من مركز الأيتام بموجب قرار من وزارة الشؤون الاجتماعية بشرط ألا تقوم الأسرة بتزوير بياناته في السجلات المدنية أو منح نسبهم للطفل والإبقاء على الاسم والنسب وصفة (مجهول النسب) التي منحت له من قبل السجل المدني.
عبدالرزاق رزوق
مدير الإدارة العامة للشؤون المدنية بالحكومة السورية المؤقتة
والتقينا السيد (عبدالرزاق رزوق) مدير الإدارة العامة للشؤون المدنية بالحكومة السورية المؤقتة قال: في الحالات الطبيعية يجب أن تكون هناك دار للأيتام أو الأطفال مجهولي الأبوين تقوم برعاية هؤلاء الأطفال وتربيتهم.
وهناك إجراءات معينة من الواجب عملها عند العثور على طفل حديث الولادة وهي أن ينظم ضبط بالواقعة متضمناً شهادة الشخص أو الأشخاص الذين عثروا عليه والوقت والمكان الذي وجد فيه الطفل، ومن ثم يتم تسليمه إلى الجهة المعنية للعناية به، بعدها يتم الحصول على شهادة ولادة من مختار الحي الذي وجد فيه الطفل وتقديم هذه الأوراق لدائرة السجل المدني ليتم تسجيله ويقوم أمين السجل المدني بتسجيل قيده بخانة خاصة واختيار أسماء مفترضة له ولأبويه في حال عدم معرفتهما.
ولكن في حالة الحرب التي نعيشها وعدم وجود مقومات وإمكانيات لإقامة هكذا دور، تتم رعاية هؤلاء الأطفال بمجهودات شخصية محدودة.
حيث أن ما يحدث حقيقة هو أن الطفل يسلم إلى أقرب مركز شرطة ويكتب ضبط بالواقعة ثم يسلم لدار أيتام أو تتم كفالته من إحدى الاسر أو الأفراد وفي أغلب الحالات لا يتم إعلامنا أو تثبيت الحالة عندنا، وهذا خطأ كبير يقوم به الأفراد يتسبب بمخاطر مستقبلية جسيمة للطفل.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”