fbpx

أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض “1”

0 430

اسمحوا لي أن ابدأ موضوعي هذا بما ينص عليه القانون الدولي الإنساني، ليس للتذكير فقط بل للاطلاع على الواقع المتعلق بالأطفال في ظروف الحرب، ومعرفة كم نحن والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان مُقصرين في ذلك، حيث تنص القوانين الدولية على توفير الحماية للأطفال في زمن الحرب، وهو قانون مُلزم لكل من الدول والجماعات المسلحة غير الحكومية. وتوفر هذه المجموعة من القوانين – التي تشمل اتفاقيات جنيف لعام 1949،وبروتوكوليها الإضافيين لعام1977م،والبروتوكول الإضافي الثالث لعام 2005 – الحماية العامة لجميع الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة، وهي تحتوي على أحكام تتعلق بالأطفال تحديداً. يتمتع الأطفال- بوصفهم أشخاصاً مدنيين بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني في حالتين مختلفتين. أولهما إذا وقعوا في أيدي قوات العدو فيجب حمايتهم ضد القتل وجميع أشكال الإساءة كالتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، والعنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي، وأخذهم كرهائن، أو النزوح القسري. وثانيهما ألا يكونوا في أي حال من الأحوال هدفاً للهجمات. ويجب تجنب تعريض حياتهم للخطر وحمايتهم. وهناك العديد من قواعد القانون الدولي الإنساني التي تشكل قانوناً عرفياً، ومن ثم فهي ملزمة لأطراف النزاع المسلح، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأطراف قد صدقت على المعاهدات ذات الصلة أو لم تصدق عليها. وعلاوة على ذلك، يشير قانون حقوق الإنسان – مثل (اتفاقية حقوق الطفل 1989)وبروتوكولها الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2000 – إلى ضرورة حماية الأطفال تحديداً من آثار النزاعات المسلحة تنص المادة 39 من اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة اتخاذ » الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي، وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير انسانية أو المهينة، أو النزاعات المسلحة. ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته ويتضمن البروتوكول الاختياري بشأن انخراط الأطفال في النزاعات المسلحة مادة مماثلة تنص على حماية الأطفال من التجنيد في القوات أو الجماعات المسلحة أو إجبارهم على المشاركة في الأعمال العدائية. بالنظر لما يتعرض له الأطفال من مخاطر في حالة الحرب نستطيع أن نقدر حجم المشكلة كمشكلة إنسانية تحتاج منا جميعاً لعمل ما، واتخاذ موقف ما من أجل الحد من نتائج الحرب المأساوية على الأطفال حيث يتعرض الأطفال لانتهاكات الحرب بشكل مباشر من خلال قصف منازلهم، أو هدمها، أو اعتقالهم , أو اعتقال ذويهم، أو قتل أحد الأبوين، أو قتل أحد من ذويهم، أو بشكل غير مباشر من خلال مشاهدتهم لانتهاكات الحرب من خلال التلفاز، أو مشاهدة الذعر الذي ينتاب الناس بشكل عام في لحظة الغارة أو الاعتداء، أو من خلال سماعهم لقصص آثار الحرب على ذاك الشخص أو تلك العائلة، فردود فعل الأطفال وسلوكهم غالباً يميل ميلاً شديداً للعنف، ويتميزون بتغير عام في المزاج وفقدان للشهية، والشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والقلق والكآبة والحزن والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة والتذكر خاصة تلك الأمور المتعلقة بالدراسة والمدرسة، وتظهر لديهم أيضاً مشاعر القلق والخوف ومشكلة التبول اللاإرادي، ويشكوا بعضهم من الاعتلال الجسمي الشديد.
 غالباً ما تسوء حالة الطفل النفسية في ظل ظروف الحرب لعدم إدراك ذويه لما يعانيه، فهو يعبر عن معاناته بطريقة تستفز الكبار خاصة من ليس لديهم المعرفة الكافية عن الطفولة ومشكلاتها واحتياجاتها، والأغلب يعامل الطفل كفرد عادي ولكن في الحقيقة يجب أن يعامل بشكل خاص وبأكثر أهمية من الآخرين؛ لأنه في أمس الحاجة للشعور بالأمان والاستقرار في ظل اللا أمان واللا استقرار مما يحدث حوله، وأيضاً الطفل بطبيعته يستمد الشعور بالأمن والأمان ممن أكبر منه وما يحدث مع الطفل من قلق وخوف ما هو إلا انعكاس خوف وقلق الكبار حوله مما يحدث. لذلك ينصح ذوي الأطفال زيادة اهتمامهم ورعايتهم للأطفال في ظل الحروب، وقدر الإمكان مساعدة الأطفال لتخطي أزمة العنف وصدمة الانتهاكات وأشعارهم بالأمن وإخفاء مشاعر القلق والخوف قدر المستطاع، لذلك تهتم برامج الدعم النفسي بمساعدة الأهل، وتزويدهم بما يساعدهم على ضبط ردود الفعل، وكيفية التعامل مع الطفل وأمامه أثناء الصدمة.

– مع تصاعد وتيرة العنف منذ عشر سنوات تقريباً في بعض الدول العربية فيما نسميه الربيع العربي أو الثورات العربية أو الإرهاب في الدول العربية، نعم نختلف في التسمية لكننا لا نختلف في أن الإرهاب والعنف من أي جهة كانت شكّل حرباً بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقوانين الدولية، وانتهكت حقوق الإنسان والشرعة الدولية ومن أكثر المتضررين في هذه الحرب هم فئة الأطفال. في السنوات الأخيرة، بات لا ينقضي يوم واحد دون أن نسمع عن مقتل أو استهداف طفل أو مجموعة أطفال! فالأطفال هم الضحية في الحروب البشعة! وإن لم يصابوا بأي مكروه جسدي، تصيبهم التداعيات النفسية، وتؤثر عليهم. وعلى مستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل!

حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة، هناك حوالي 1 مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ومنهم ما يقارب الـ 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر! وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو – أنه في عام 2013 م، كان هناك حوالي 40٪ من الأطفال خارج المدارس بسبب الصراعات الموجودة.

وفي حالات كثيرة، لا يحصل المصابون والأطفال بشكل خاص على العلاج اللازم أثناء الصراعات والحروب نتيجة لوجود نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، ووجود أعداد كبيرة من المصابين والمرضى، وبالتالي عدم قدرة المراكز الصحية والمستشفيات على استيعابهم وتأمين اللازم لهم.

ويجسد ما يحدث في فلسطين، وقطاع غزة بالأخص، وسورية والدول العربية الأخرى المعاناة الحقيقة للحرب على الأطفال، واستهدافهم من قبل القوة الأكثر كفاءة ليكون الأطفال هم الضحية الكبرى، والخاسر الأكبر. فمعظم القتلى والجرحى هم من الأطفال، وما تبقى منهم يواجه مشاكل نفسية كبيرة جراء الحروب وآلات الدمار بجانب الآثار المترتبة على الحروب من نقص في الغذاء والماء وحتى تعطيل الدراسة.

حتى يكون الكلام واقعياً وصحيحاً لندرك حجم آثار الحرب على الأطفال دعونا نقدم أمثلة بالأرقام عن بعض المناطق الساخنة والمليئة بالحرب وآثارها:

مثلاً في فلسطين وقطاع غزة: أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة عن الصراع في فلسطين وأثره على الأطفال الفلسطينيين؛ بأنه شكل أثراً وضغطاً نفسياً متزايداً على جميع الأطفال في فلسطين، ومن أكثر المشاكل التي تواجههم: هي المشاكل المتعلقة بالنوم حيث يخاف الأطفال أن يناموا ليستيقظوا على أصوات الطائرات والرصاص، أو على الجنود المتواجدين فوق رؤوسهم، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالخوف، الخوف من الظلام الذي يخبئ فيه اشتداد الحرب وارتفاع عدد الموتى، والخوف من النوم وحدهم لئلا يكونوا وحيدين عند القصف مثلاً، الخوف من الأصوات المرتفعة التي تشبه صوت القصف والرصاص والقنابل، الخوف من الحركات المفاجأة، وغيرها.

بينما في سورية: وهنا السؤال الأكثر أهمية أخلاقية وإنسانية مَن الذي يتحمل المسؤولية في تلك النتائج الكارثية للحرب من الأطراف المتحاربة هل النظام أم الجهات الإسلامية أو الميليشيات والفصائل المسلحة المنتشرة على اتساع الجغرافية السورية أو جيوش الاحتلال ذات المصلحة سواء كانت داعمة للنظام أو جبهة النصرة أو داعش أو.. أو.. أو…أعتقد لكل طرف من أطراف الصراع مسؤولية بحجم الآثار الناتجة عن هذه الحرب، وبعيداً عن الانحياز السياسي أو الأيديولوجي، وبحسب التقرير الصادر عن منظمة اليونيسيف أن هناك ما يقدر بنحو 3.7 مليون طفل سوري أو ما يعادل واحد من أصل كل ثلاثة أطفال سوريين، وُلدوا منذ بدء الحرب شكّل العنف والخوف والتشرد حياتهم، ويشمل هذا الرقم 306 آلاف طفل ولدوا لاجئين منذ عام 2011.م حتى عام 2016م هذا لم يشمل التقرير آثار الحرب لسنوات 2017م وحتى 2021 م أي خمس سنوات.

وتقدر اليونيسيف أنه، إجماليا، هناك 8.4 مليون طفل، ما يعادل أكثر من 80 % من عدد الأطفال في سوريا يتأثرون الآن من النزاع سواء داخل البلاد أو كلاجئين في الدول الأخرى.

إحصائيات 2012 م تفيد بأن: 500 طفل ماتوا حتى أوائل فبراير. وأكثر من 400 طفل تعرضوا للتعذيب في المعتقلات.

بينما في عام 2013 بلغ عدد الأطفال القتلى 11420 طفلاً، وفي عام 2014م بلغ عدد الأطفال القتلى 8053 طفلاً.

في عام 2015م وقعت انتهاكات جسيمة بين قتل وتشويه نتيجة الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان بلغت 1500 طفل أكثر من ثلثهم قتلوا في مدارسهم أو بالطريق للمدرسة أو منها.

في عام 2016م بلغ عدد القتلى من الأطفال 652 طفلاً.

في عام 2017م بلغ عدد القتلى من الأطفال 910 طفلاً.

أكد الأخصائيون بعلم النفس وعلم الاجتماع أو الأخصائيون التربويون: أن الحرب والأوضاع المعيشية للسكان وغياب التوعية وانشغال أغلب الأهل بالاقتتال ومشاهد السلاح، والصور المرعبة للقتلى والدمار والعنف الممارس، والمشاهد بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وسائل الإعلام وخصوصاً محطات التلفاز ووسائل الاتصال كاليوتيوب والفيس وغيرها، بدأت تظهر آثارها المدمرة والسيئة على فئة واسعة من الأطفال منتهكة خصوصية الطفولة، وحقهم بحياة سعيدة وآمنة، وبصحة نفسية سليمة، وصحة جسدية جيدة خالية من الأمراض بكل أشكالها، وخصوصاً الأمراض التي سببها البشر والطمع والفساد والاستبداد، وما أدى أيضاً إلى تدمير المؤسستين المعنيتين في تعليم الطفل وتربيته، وهما الأسرة والمدرسة.

وكلنا يعرف ومقتنع بأن اللعب والدراسة من حق كل طفل، وحسب المعايير الدولية فهما ضمن قائمة حقوق الإنسان، ولكن اليوم لم تتح الحرب للأطفال وقتاً أو مكاناً لممارستهما، وغياب حقوق الطفل ظاهرة تكاد تكون أخطر ما تخلفه الحرب، فالكثير من الأطفال يلجأ للتسول في الطرقات، وسجلت حالات لبعض الأطفال سلكوا طريقاً أكثر خطورة وهي الجريمة، ومن المخاطر التي تواجه الأطفال ولا يمكن إهمالها ايضاً التجنيد، فكثير منهم دخلوا إلى ساحات القتال بسبب ثأر لأحد أفراد العائلة، أو لربما نصرة للأفكار التي فرضها عليهم الجو المحيط، أو سلكوا هذا الطريق لكسب بعض المال لتأمين متطلبات حياتهم.

لذلك من المهام الكبيرة والملحة أمام المجتمع بمؤسساته التربوية والاجتماعية والإنسانية والحقوقية مهمة “الدعم النفسي” وبرامج الأطفال من أهم المشاريع، وأكثرها ضرورة لعلاج الآثار السلبية التي خلفتها الحرب على الأطفال، وللوقاية مما يتعرضون له، فإذا كان غياب مثل تلك المشاريع لا تبدو آثارها في الوقت الراهن، فإن آثارها قادمة لا محالة.

ملاحظة: أكدت بعض الدراسات أن مشاهدة ما ينقل على التلفاز من عنف، يؤثر على الأطفال بشكل مباشر وسلبي في طريقة تفكيرهم وتصرفهم. كما يواجه الأطفال بسبب هذه المشاهد، تغيراً كيميائياً في الدماغ، مماثلاً لما يصيب الفرد بعد الصدمة. ويصبح هؤلاء الأطفال أكثر عدائية وميلاً للجدال، كما يبتعدون عن التعاون مع الآخرين، ولا يمكن أن يتم إشباع رغباتهم وحاجتهم بأي شيء. في حين تضعهم هذه المشاهد والحروب في صراع للتفرقة ما بين الخير والشر، والتمييز بين ما هو مخالف للقوانين وما هو مقبول.

كما أكدت عدة دراسات أن مشاهدة الأطفال المستمرة للبرامج الإخبارية التي تعرض مشاهد الحروب، تزيد من قلق وخوف الأطفال، وقد تعرضهم لاضطرابات نفسية بسبب الصدمة، وتزداد أعراض الصدمة كلما تعمق الطفل في القراءة ومشاهدة البرامج الإخبارية عن الحروب.

وبشكل عام، إن تأثر الأطفال بهذه المشاهد التي تعرض على التلفاز يرتبط بمدى قربهم من المنطقة التي تتعرض للصراع.

والسؤال الهام الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل نستطيع حقاً أن نخفف من آثار التلفاز على أطفالنا ؟! هل حقاً تقع على عاتق الأهل مسؤولية التحكم في ما يقوم أطفالهم بمشاهدته ؟!

الإجابة قد تكون من السهل الممتنع ولكن علينا أن نتفقد ما يقوم أطفالنا بمشاهدته بين الحين والاخر. وأن نضع قوانين تحكم مشاهدة التلفاز، مثل ساعات مشاهدة التلفاز والبرامج المخصصة لهم.

يجب علينا أي الأهل مراقبة النشرات والبرامج الإخبارية، حيث إن مشاهد العنف المتكررة فيها تشكل قلقاً لعقول الأطفال، وتغييرات في الدماغ، التي يمكن ملاحظتها في التصوير بالرنين المغناطيسي!

أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض؛ لذلك يجب ألا نفرط بالأكباد، ولا نجعل من أنفسنا مذمة للتاريخ، ولعنة تطلقها علينا الأجيال القادمة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني