fbpx

أزمة الأوراق الثبوتية في إدلب.. وجيل دون هوية

0 238

تعتبر ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺜﺒﻮﺗﻴﺔ والمعاملات الرسمية ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ المشكلات ﺗﻌﻘﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﻏﺮب ﺳﻮﺭﻳﺎ بعد إغلاق نظام الأسد ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍلسجل المدني ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍلخارجة ﻋﻦ ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ، وصعوبة وصول الأهالي إلى مناطق نفوذه، إضافة إلى عدﻡ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ الموجودة ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﻘﻮﺩ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺍﻟﻄﻼﻕ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ، ما يساهم ﻓﻲ ﺿﻴﺎﻉ ﻫﻮﻳات ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﻮﺍﺟﻬﻮﻥ مستقبلاً مجهولاً ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺛﺎﺋﻖ حكومية ﻣﺼﺪﻗﺔ ﺗﺜﺒﺖ ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻮﺭيو ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ.

عمران الخديجة من معرة النعمان لم يستطع تثبيت زواجه وتسجيل طفله وهو الهاجس الأكبر بالنسبة إليه في الوقت الحالي، وعن ذلك يقول: ” لم أتمكن من تسجيل ابني في دائرة الأحوال الشخصية في مدينة حماة فأنا “معارض” للنظام السوري، وذهابي إلى مناطق سيطرته يعرضني للاعتقال.”

التكلفة المادية المرتفعة التي يطلبها “سماسرة” التسجيل وتثبيت الأوراق في سوريا، السبب الأبرز لعدم لجوء الأب إلى الوسطاء لتسجيل زواجه في مناطق النظام السوري، محاولاً أن يطمئن نفسه أن حالة ابنه ليست الوحيدة، فهناك عشرات الآلاف مثله. “هذا هو الأمر الوحيد الذي يعطيني بعض الطمأنينة، فليست المشكلة القانونية تخص وضع ابني وحده بل هي مشكلة عامة.”

وتعتبر اﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻀﺮﺭﺍﺕ ﺍﻷﻛﺒﺮ لعدﻡ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺯﻭﺍﺟﻬﻦ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺃﻭ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻭﺍﻻﻛﺘﻔﺎﺀ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ “ﻋﻘﺪ ﺑﺮﺍﻧﻲ” ﻤﺎ ﻳﺤﺮﻣﻬﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ، وخاصة في حالات موت الزوج أو ﺍﻟﻄﻼﻕ.

عائشة ذات الخمسة عشر عاماً من مدينة خان شيخون تزوجت قبل سنتين من رجل نازح من الغوطة الشرقية، حيث عقد قرانها شيخ من البلدة، واستدعى شاهدين من المارة، وبعد حوالي ستة أشهر توفي زوجها بغارة حربية على المدينة، وبعد ذلك أنجبت ابنتها وهي لا تملك عقد زواج رسمي. تقول عائشة لـ نينار: “وجدت نفسي فجأة أمام قضية قانونية معقدة تطلبت مني السفر إلى مدينة حماة وتوكيل محام، بعد أن رفض أمين السجل المدني تسجيل ابنتي، كوني لا أملك عقداً يثبت زواجي، ونسب ابنتي.”

تؤكد عائشة أن المحامي طلب منها إحضار شاهدين من الرجال على زواجها أو ورقة من مختار المنطقة التي تزوجت فيها، لكنها لم تستطع تلبية طلبه، فكل من شهد على زواجها العرفي من الرجال نزح أو هرب خارج البلاد بسبب الحرب.

كذلك تزداد معاناة آلاف السوريين الذين هجروا من مختلف المحافظات السورية إلى محافظة إدلب، وهم لا يحملون أية أوراق تثبت شخصياتهم جراء القصف الذي تعرضوا له واختفاء أوراقهم جراء قصف بيوتهم، والنزوح المتكرر من مكان لآخر.

المحامي عبد الكريم الحسون يتحدث عن مسألة الأوراق الثبوتية في إدلب بقوله: “ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﺍﻟﻤﻌﻮﻗﺎﺕ التي يواجهها الأهالي في إدلب، ﻭﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﺍﻟﻄﻼﻕ، ﻭﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ.”

ﻣﻮﺿﺤًﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ يعود إلى ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، واﺳﺘﻼﻡ ﺯﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﻃﺮﻑ، ﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻭﻣﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﺩﻭﻟﻴﺎً، ﺃﻣﺮﺍً صعباً.

يبين الحسون أن الوضع لا يقتصر على المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة داخل سوريا، بل يشمل دول اللجوء التي فر إليها ملايين السوريين.

الكثير من الأهالي باتوا يلجؤون إلى السماسرة بهدف استخراج أوراق ثبوتية من مناطق النظام مقابل مبالغ مالية كبيرة، حيث تبدأ تكلفة التسجيل من 100 دولار أمريكي تنقسم بين أتعاب “السمسار” وأتعاب المحامي الذي ينوب عن الأبوين، ومن الممكن أن ترتفع بحسب ما يطلبه المحامي، وقد تتراوح التكلفة لتسجيل الطفل الواحد بين 100 و500 دولار أمريكي، في حال كان زواج الأبوين مسجلاً رسمياً في دوائر الدولة، وفي حال لم يكن الزواج مسجلاً فيحتاج الأبوين لدفع تكلفة تثبيت الزواج مضافاً إليها تكلفة التسجيل حسب عدد الأطفال.

ويشير الحسون إلى أن ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ الموجودة في الشمال السوري ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﺑﺘﺜﺒﻴﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻊ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺣﻜﻮﻣﺘﻲ ﺍﻹﻧﻘﺎﺫ ﻭﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ، ليست محط ثقة من ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ الأوراق الصادرة عن ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ حبر على ورق وﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ.

أطفال مكتومو القيد تغص بهم المدن السورية وبلدان اللجوء، وجيل يكبر كل يوم، دون أي رؤية لمصيره المجهول، ليكون وقوداً لحرب فرضت عليه، وليس له فيها ناقة ولا جمل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني